النظام في سوريا يبطش، ومعارضوه يتسلون، ويقدمون عن أنفسهم صورة بائسة لم تتمكن حتى الآن أن تكتسب الجدية المطلوبة أو المصداقية المنشودة. وهي في الحالة السورية وصفة إضافية للكارثة التي تنذر بها السلطة وعملياتها الأمنية، والتي لم تعد تسمح باستلهام الترف المصري الراهن ونقاشاته الهادئة نسبياً حول الدولة والدين والدستور والقانون، وغيرها من عناوين الخروج من المرحلة الانتقالية. حتى الآن، وعلى الرغم من دخول الاحتجاجات السورية شهرها الرابع، ما ساهم في بروز غالبية شعبية حيوية وحاسمة في مناهضتها للنظام، ما زال يصعب العثور على خيمة معارضة، يمكن ان تغطي تلك الغالبية التي تجرأت بسرعة مذهلة على إرث أربعة عقود من القمع، وتستقطب حركة الشارع وتنظمها وتبعد الغوغاء عنها وتقود سوريا نحو التغيير والإصلاح.. بطريقة مختلفة عما تشهده ليبيا أو اليمن. النخبة السياسية السورية كانت ولا تزال متقدمة على بقية النخب العربية، وهي تكاد تكون منافسة للنخبة المصرية المميزة. لكنها لا تزال تصلح للندوات الأكاديمية والمؤتمرات الفكرية. إطلالاتها التلفزيونية وقعت في فخ النظام ولغته الأمنية، ولا تزال قاصرة عن طرح أي بند سياسي عملي يمكن أن يلقى صدى في الشارع التواق أصلاً الى سماع خطاب مختلف يسد فراغ السياسة في سوريا. الاجتماعان اللذان عقدتهما المعارضة بفارق أيام فقط في مدينة أنطاليا التركية وفي العاصمة البلجيكية بروكسل، لم يتركا انطباعاً حسناً، وسلطا الضوء على معضلة خطيرة تتخطى سوء التنظيم، وسوء اختيار المكان والزمان والحضور. الاجتماع الأول بدا أنه محاولة لتسجيل نقاط على معارضين آخرين، غابوا أو قاطعوا لأسباب لم تكن كلها مقنعة. الاجتماع الثاني بدا كأنه إعلان ضمني عن انشقاق في صفوف المعارضة، وتحديداً في حركة الإخوان المسلمين التي لم يعد سراً أنها تسير في اتجاهين سياسيين متعارضين من مسألة النظام، تحكمهما قيادتان مختلفتان، واحدة يرأسها المراقب العام السابق علي البيانوني، الذي رعى لوحده لقاء بروكسل، والثانية يتولاها المراقب الحالي محمد الشقفة، الذي لا يزال يكتفي بالرعاية والنصيحة التركية.. وهما قيادتان تواجهان معاً ومن دون أي نجاح يذكر تحدي التيارات السلفية التي اخترعها النظام وانقلبت عليه، عل غرار ما حصل في مصر. أما بقية المعارضين، اليساريين والليبراليين، الذين يفترض أنهم يمثلون شريحة سورية واسعة وعابرة للطوائف، فإنهم ما زالوا أسرى النظام وخطابه وما زالوا يقلدونه ويسيرون على خطاه برغم إقامة معظمهم في المنافي الغربية. ولم يكن التورط في فضيحة إعلان انشقاق السفيرة السورية في باريس لمياء شكور أو في تسريب الشائعات عن قرب انشقاق السفير السوري في لندن سامي الخيمي وغيره، سوى دليل على خفة مؤذية جداً، لصورة المعارضة أمام الشارع السوري وأمام الخارج الذي يبحث هذه الايام عن وجوه جدية يعتمد عليها في تفادي السيناريو الليبي أو اليمني. سوريا تحترق. وهي بالتأكيد لا تحتمل مثل هذه التسلية.. لأن النظام لا يمزح، والشارع لا يسامح.السفير