لايختلف اثنان في كون خطاب الملك الإصلاحي ل9 مارس قد فتح آفاقا واسعة أمام جيل جديد من المواطنين كانوا يحسون إلى وقت قريب أن مؤسسات الأحزاب والهيئات النقابية أصبحت منذ فترة طويلة أصلا تجاريا يتمسك به مجموعة ضيقة من المريدين، الذين عضوا على المسؤوليات داخل هذه المؤسسات بالنواجذ، فقد فتحت النوايا التي حملها الخطاب الملكي مرة أخرى شهية بعض الذين كانوا إلى وقت قريب يعتبرون أن الانخراط في اللعبة السياسية وفي الأحزاب مضيعة للوقت للتفكير في دخول اللعبة الديمقراطية، فقد كان هؤلاء الممتنعين على قناعة أن أصواتهم داخل هذه الأحزاب هي صيحات في واد ونفخة في رماد، إذ تحولت الأحزاب بحسبهم إلى دكاكين للسمسرة الانتخابية "توزع" التزكيات أو تبيعها حتى نسمي الأشياء بمسمياتها. لكن، وفي إطار المقولة الشهيرة أنه لا إصلاح بدون إصلاحيين ولا ديمقراطية بدون ديمقراطيين، فإن المؤسسات التي ستتمخض عن التعديلات الدستورية التي اقترحها الملك ورغم الصلاحيات الجديدة والمهمة التي ستعرفها، فإن من سيسكنها من الكائنات الانتخابية يعتبر المشكل الأطم، إذ ستتمترس هذه الكائنات العجيبة من وراء بعض الأحزاب للوصول إلى كراسي المجالس والبرلمان، لننتج مرة أخرى واقعا متكررا وبديكورات جديدة. إن أهم مدخل للإصلاح الشامل هو القطع بكل الطرق مع ثقافة اللاعقاب، وتفعيل خلاصات تقارير المجالس الوطنية والجهوية للحسابات، وكذا توصيات لجان التفتيش الوزارية ومن ضمنها لجنة التفتيش التابعة لوزارة الداخلية التي تراقب أداء المجالس المنتخبة، حينها يستم تقديم مجموعة كبيرة من أشباه مسيري الشأن العام المحلي أمام المحاكم المالية والقضاء العادي، وعلى إثر ذلك سيفكر من كانوا يعتبرون المرور من مسؤولية التدبير فرصة للأغتناء السريع أن الأمر يتعلق بزمن آخر، ما عليهم والحالة هذه سوى أن يتواروا إلى الخلف ليسجلون أسماءهم ضمن لائحة طويلة من "المسؤولين" الذين حولوا الجماعات ومختلف المؤسسات العمومية إلى بقرة حلوب، وللتذكير فإن هذه اللائحة التي يعرفها الجميع مكانها ليس سوى في مزبلة التاريخ. تنهمك حاليا مجموعة من الكائنات الانتخابية بسوس في ترتيب الطريق لتمكين أبنائها وبناتها وأصهارها من الوصول إلى مختلف المناصب الانتخابية في مشهد كاريكاتوري بئيس للتوريث، كأن أمهات السوسيين لم يلدن من النساء والرجال من يستحقون تحمل المسؤوليات، أم أن جيناتهم الوراثية لا تحمل كرومزون التسيير والتدبير.