قد يكون السكان في آيت احنيني بميدلت تعودوا العيش في عزلة ثلاثة أشهر كل سنة، واعتادوا أيضا إعداد العدة لمواجهة الحصار الأبيض، وتقبلوا هذه الحياة، أو بالأحرى رضخوا لشروطها الصعبة، إلا أن طاقة هذا التعود استنفدت وما عاد في مخزون صبرهم قطرة أخرى. «الأسر في عدة دواوير بآيت احنيني، لم تعد تستحمل، بل فطنت إلى أن تدبرها أمر العزلة بنفسها يعفي المسؤولين من القيام بدورهم، لذلك قررت رفع أصوات الاحتجاج، وهذه السنة لم تمر شهور البرد دون احتجاجات»، يقول مصطفى العلاوي، فاعل حقوقي بمنطقة تيقاجوين، مضيفا أن وضعية الدواوير مزرية جدا، «أمراض البرد منتشرة، والغريب أن مندوبية الصحة بعثت طبيبا إلى تيقاجوين لتشخيص الحالات وتوزيع أدوية، إلا أن المضحك أن كل الأقراص التي وزعت عبارة عن مهدئات لصداع الرأس والحمى، وتساوى المرضى في الحصول عليها، رغم أن كل واحد منهم يعاني مرضا مختلفا، لكن ما بيد الطبيب حيلة فهذا ما حصل عليه بدوره من المندوبية». في السابق كان مجرد الحصول على قرص مهدئ يثلج صدور السكان، ويعيد أسود غضبهم إلى عرينها، لكنهم اليوم «قررنا ألا نستسلم لسخرية المسؤولين، الذين لم يتحرك أي واحد منهم لزيارتنا لتفقد أحوال الدواوير وطمأنة الناس»، يضيف الفاعل الجمعوي نفسه، ودائرة الحديث هنا تحيط المسؤولين المحليين، الذين يقبعون في مكاتبهم بعيدا عن الحزام الأبيض الذي تضربه الثلوج على هذه الدواوير. «اليوم (أول أمس الخميس) وصل علو التساقطات الثلجية إلى 25 سنتيمترا، الأطفال لا يقوون على الوصول إلى المدارس، رغم أن آباءهم يحاولون جاهدين قطع مسافات طويلة وهم يركبون أبناءهم على بغال من أجل تمكينهم من فرصتهم في الدراسة، لكن كلما ارتفعت التساقطات زادت مهمتهم صعوبة». وتأتي حالات وفيات طبيعية في المنطقة لتزيد السكان هموما، بعد أن عجزوا عن نقل الجثث إلى المقبرة، أو بالأحرى صعبت عليهم عملية الدفن بسبب كثافة التساقطات الثلجية، «توفيت امرأة اليوم، لكننا واجهنا عدة صعوبات في نقل جثتها ودفنها، كانت الثلوج تمنعنا من حفر القبر، كما أنها سرعان ما تغمره، ورغم أننا حاولنا نصب خيمة لتفادي هذه المشكلة لكن رغم ذلك كانت تسقط، ما يعني أن عملية حفر قبر بسيطة تحولت بالنسبة إلينا إلى مشقة، وهذا يذكرنا بوضعنا أكثر ما ذكرنا بأي شيء آخر» يقول الفاعل الجمعوي نفسه. صحيح أن الدواوير التابعة لتيقاجوين بآيت احنيني توصلت بمساعدات قبل حوالي عشرين يوما، إلا أن ذلك لم يكن كافيا ليشعر السكان أنهم تجاوزوا محنة العزلة، وكلهم يشعرون أن هناك عملا كثيرا على المسؤولين القيام به، ليزيحوا جبل اللامبالاة عن صدورهم، بدءا من إصلاح الطرق وتنظيم دوريات إزاحة الثلوج عنها، وتوفير وسائل نقل قارة لنقل الحوامل إلى المستشفى الإقليمي، وتوفير مرافق صحية مناسبة مع ضمان توزيع أدوية مناسبة «لم لا تنظيم قوافل طبية تشتغل في مثل هذه الفترة وتخصص وقتها لهذه الشريحة لأننا نحتاجهم الآن وليس عندما تفك عنا الطبيعة حصارها». ليست الأرواح البشرية وحدها المهددة في المناطق النائية بآيت احنيني، بل كذلك يحصد البرد القارس رؤوس الأغنام والبقر، «الكسابة يواجهون خسائرهم الفادحة بسبب البرد، وعدم توفير الأعلاف في الوقت المناسب». يسجل الحقوقي ذاته قبل أن يضيف أن مؤسسة محمد الخامس قد تكون قامت بدورها، لكن الجماعات والعمالة مازالت تتخبط في سياساتها العشوائية، وتترك السكان كل سنة لمواجهة البرد بشروط تزداد صعوبة كل مرة.