إن متتبع الأحداث والوقائع التي يشهدها المغرب، سيستنتج بدون أدنى شك أن النظام المغربي يسعى، بما أوتي من قوة، أن يخلق إحساسا بكره الوطن لدى المواطنين. فترى المجتمع يعيش ويلات الفقر والبطالة وبنية تحتية مهترئة وفي مرافق عمومية لا تحترم أدنى قيمة إنسانية. وفي المقابل، في ظل هذه الأوضاع، تجد أموالا طائلة كُدّسَت في الأبناك السويسرية كما نشرت ذلكالعديد منالمواقع الوطنية والدولية، وتصرف في الخارج بسخاء، وخير دليل ما صُرف في الآونة الأخيرة في الدول الإفريقية، إذ أعطيت فيها الملايير من أجل إنجاز مشاريع مختلفة بعد عقد عدة اتفاقات مع هذه الدول. إن كانت هذه الأموال في ملكية الدولة، فلماذا لا يستفيد منها أبناء هذا الشعب وهو في أمس الحاجة إليها، بعد ارتفاع غلاء المعيشة التي يشهدها المغرب وبدعوى الأزمة كما تُروج الحكومة؟ وإن كانت في ملك رجال الأعمال، أليس تصريفها في الوطن أولى وأهم وهو الذي يَتَخَبَّطُ في أزمات متنوعة في مجالات عديدة؟ فبالإضافة إلى الأجهزة التي يستخدمها النظام من أجل السيطرة على الشعب المقهور، تجده يركز على كره الوطن. فحينما يكره المواطن وطنه يستقيل عن المطالبة بحقوقه وبكرامة الناس وبالعيش الكريم، ويتمنى التخلص من الوطن في أقرب فرصة. إن النظام يسعى إلى نشر الكره بكل ما أوتي من قوة، وأخطره نشر الكراهية بين الفرقاء السياسيين أو المناضلين الذين لا يزالون تواقين إلى التحرر ويسعون إلى وطن يحترم الجميع ويحفظ الكرامة لجميع أبناء وبنات الشعب. وقد نجح إلى حد ما إذا نظرنا إلى واقعنا فيما يحدث من مشادات وصراعات حادة بين هؤلاء. أليس من أسباب تشتيت حراك 20 فبراير، بالإضافة إلى أسباب أخرى، الصراع الذي زُرع بين الإسلاميين واليساريين بعد أن أحس النظام بخطورة هذا الاتحاد؟ وكل من مَرَّ من داخل الأسوار الجامعية سيرى هذا الكره مُتجسدا بين مختلف الفصائل الطلابية التي تتبنى إيديولوجيات مختلفة، ويصل هذا الصراع إلى حد التصفية الجسدية، وتتكرر هذه الأحداث دون تدخل حقيقي للأمن لمعاقبة المجرمين والحد من هذه الجرائم. ينفثون الكره في كل مكان ليغشوا أبصار المطالبين بالحقوق، لينعموا هم بخيرات البلد في ظل الأمن الذي يحفظ مصالحهم وليس مصالح المواطنين، الذين يعيشون تحت خط الفقر وارتفاع البطالة. لقد فهم النظام أن الخطر يأتي في الاتحاد حول هدف المطالبة بالحقوق بين جميع الأطياف السياسية، لذا لن يدخر أي جهد لتقويض أي مبادرة تسعى لذلك. ولعل سياسة الإلهاء كما ذكر تشومسكي تفي بالغرض بخلق قضايا تؤجج صراعات فارغة تُنسي الكل القضية الأساسية. على الجميع أن يستمر في ارتباطه بالوطن فهو الذي سيبقى، أمّا جميع الأنظمة الاستبدادية فهي إلى زوال. والعودة إلى التاريخ خير دليل، كيف كانت فرنسا والدول الأوربية قبل الثورات؟ كانت دولا إقطاعية استبدادية بدرجات متفاوتة واستُعبد الناس شَرّ استعباد وحطت كرامة الإنسان وانتهكت الحقوق. ولو بُعث أحد من عاش هذه الفترة لن يُصَدّق أن هذا التغيير حدث في وطنه نظرا للظروف التي عاش فيها. العودة إلى الحوار إذن، وبناء علاقات إنسانية أولا، بعيدا عن الإيديولوجيات،سيكون السبيل للخروج من أزمة الطلاق الذي يحدث بين الفرقاء، الذين يسعون جميعا لدولة ديمقراطية تحقق العدالة الاجتماعية وتحفظ كرامة الإنسان. الحقد الذي ما هو سوى عائق نفسي قد يحجب عنا حقائق الغير. فقد يكون الآخر متنورا وليس ظلاميا، قد يكون الآخر تقدميا وليس رجعيا، قد يكون الآخر مؤمنا وليس كافرا، قد يكون الآخر متفتحا وليس شوفينيا. لو أزلنا الأحكام المسبقة وتفادينا تصنيف الآخر، وتخلصنا من لعبة النظام، قد نكون جميعا متنورين وتقدميين ومؤمنين ومنفتحين، نسعى جميعا لنفس الهدف الأسمى، وطن ديمقراطي يسع الجميع.