بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    الأرصاد الجوية تحذر من هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    أحزاب المعارضة تنتقد سياسات الحكومة    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة        معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    كيوسك الخميس | المناطق القروية في مواجهة الشيخوخة وهجرة السكان    الجيش الملكي يمدد عقد اللاعب أمين زحزوح    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الترقية
نشر في بوابة إقليم ميدلت يوم 29 - 09 - 2016

المعلم حسن و الحاصل على الاجازة في اللغة العربية و آدابها و مخافة من شبح الشارع و تنكر الاهل و الرفاق لحالة العطالة و املا في بناء المستقبل و الظفر بالزوجة الصالحة و الابن البار والمسكن القار سلم شهادته الجامعية الى مركز تكوين المعلمين ليقضي سنة تدريبية فيتوج الجهد و التحصيل بتعيين فوق الجبل و تحت درجة الصفر في الحرارة و الاستقبال . بعزيمة الشباب التي تهون أمامها الأهوال امتطى شاحنة الجبال مقدمتها الفاخرة لا ينال خدماتها المريحة سوى أعيان القبيلة وأعوان السلطة و بعض الأخيار من النسوة أما مؤخرتها فتجسد علاقة الانسان بالطبيعة فقاعدتها مجمع البشر و الأبقار وقطعان الخراف و نفر قليل من البغال و مؤونة الحصار الأبيض و منبع روائح الروث و ما يصدر عن الأجساد لحظة الازدحام .
السائق في مقصورته و بجوار النخبة المحظوظة استحسنوا صيحات حادة و عكي و نغمات أحوزار و قوافي الشاعر لوسيور و راحوا في حماس أطفال الرحلات المدرسية يتباهون بترديد مقاطع من فرنسية نجاة عتابو J'en ai marre الرائعة بلسان أمازيغي فصيح .
أما السواد الأعظم من الرعية و المتشبت بالرتبة المتأخرة في سلم رحلة الشاحنة فلم يؤنس كثافة تماسك نسيجه الاجتماعي سوى سانفونية أعالي الجبال التي امتزج داخل ركحها الحديدي أحلى نبرات الخوار وأجمل تغريدات الثغاء و بكاء الصغار و صمت الكبار . و تفاعلا مع الأنغام الطبيعية راح الجمهور و في هستيريا الصوفية يتمايل يمنة و يسرة على سطح الحفل تجاوبا مع إيقاعات المنعرجات القاتلة و لمشاطرة الجمهور أفراح الهواء الطلق و المطر الساقط زاد السائق من سرعة الشاحنة فغردت المعدة اعذب الألحان و عزفت على أوتار الأحشاء أغنية إفراغ ما تكدس من ألوان الطعام و الحشف البالي لتنهي الحلقة الأولى من الرحلة التسلقية عند بوابة مركزية المجموعة المدرسية حيث توقف أزيز الآلة المهترئة لتلفظ عن ظهرها القطيع الأول من الغنم و البقرة التي طالها السقم و بعض المعلمين الذين استجابوا لشر القدر لنيل رضى أجرة الوطن .
و استطلاعا لأمر الرعية و استجابة لإملاءات الضمير المهني و تضامنا مع
رُحل التربية تسلقت الإدارة التربوية إحدى جنبات الشاحنة العالية غير مبالية بخطر السقطة الدامية لترصد و بعين الرحمة التحاق طاقم التربية بالمقرات الخلوية . و بعد الإطمئنان على سلامة و حضور الجميع هنأ المدير السائق على الحفاوة التي تحظى بها الأسرة التعليمية ضمن أولويات قطاع النقل الجبلي
الرحلة بالمعلمين الرحل و رعاة البقر و ما تبقى من خرفان الضجر والبغال التي اعياها وكز السفر راحت تمخر عباب الانعراجات و تكسر صمت ضباب الأعالي لتستوي عجلاتها بمدخل آخر فرعية . المسافرون على متن رحلة الموت تنفسوا الصعداء و ما أن وطئت الأقدام أديم الأرض حتى شرعت في الترنح إذ لم تقو على ضبط التوازن كأن الجميع سكارى و ما هم بسكارى .
حسن الوافد الجديد وجد في استقبال شخصه المعظم مقدم القرية المبجل و الذي ارشده الى حيث المدرسة المنبوذة في العارية و بعد استخلاص المعلومة الدالة على الهوية و ما يرتبط بالحالة العائلية و عدد الإخوة الكبار و مدينة الانحدار و قبيلة الانتساب و لغة الكلام انسحبت السلطة من مسرح التربية و تركت حسن وحيدا في إقامته الجديدة فراح يتأمل أركان دعائمها و جدران بناياتها و خشب سقوفها و بعبقرية المهندس و المصمم للتهيئة المجالية و بعد طول تأمل الفضاء العجائبي اهتدى الى ضرورة التقسيم الثنائي للحجرة الدراسية فكانت ولادة الضفة الغربية التي اتخذها محلا للسكن اما الشرقية فخصصها للعمل .
حسن و لطول المقاومة التي أبداها في ادغال المجموعات المدرسية بدأت حقينة سده من نقط الصمود في الإمتلاء مما سمح للحركة الانتقالية أن تجرف سيادته الى مشارف المدينة العتيدة . و لما اشتعل الراس شيبا وضعف البصر و تمسكت الأمراض المزمنة بمختلف الزوايا استطاع البطل الهمام هزم حصون المدينة الصامدة و ثغورها التليدة ليستقر به المقام في حضن الحضارة لينعم بنسيم الحياة بعد أن أفقدته المجموعات شهية الحياة . و فرحا بالعودة الميمونة الى حضرة المدرسة المستقلة نعم نفسه بألبسة تليق بمستوى المقام ودراجة هوائية تقي الحداء اللامع شر الغبار المتطاير في انتظار دمقرطة الأسفلت الناعم . داخل ساحتها المترامية الاطراف و تحت أشجار لم يتبق من تاريخها
العريق و جمالها الفاتن سوى أغصان شاخت شرايين حياتها و في انتظار إحالتها على التقاعد و تحت ما تبقى من ظلال الخريف أجلس علماء التربية و العارفين بمسالكها الوعرة الأجساد التي أنهكها سفر المجموعات و أدوية الأمراض المزمنة وحالات الشرود القاتلة والانهيارات العصبية فراحت تتأمل شيخوخة الظل و زمن الخروج من مسرح التربية بعد موت الضمير البطل .
المدير ومن تحت سقيفة السكن الوظيفي المجاور للمدرسة العمومية أطل إطلالة الشيخ المعمر . و بعد تحية السلام المشحونة بالسعال الروتيني المميت انتظم الجميع على مقاعد مدرسية أنهكتها مسامر الإصلاح المتوالية ليزف للجميع أن الوزارة الوصية و رغبة في دمقرطة التعليم و تداولا لسلطة الميثاق الوطني الشريف و بعد مباركة جميع الأطياف و ألوان الأحزاب و صمت النقابات و تبريكات جمعيات الآباء قررت تنصيب السيد المتعلم في منصب الادارة المركزية لإدارة التعلمات أما السادة المعلمون و استجابة لضغوطات صندوق التبعية و لإملاءات غربية بياجي و فيكوتسكي وميريو و بيرينود فإن المنصب هذه المرة لن يعدوَ أن يكون سوى توجيها و ترشيدا للأزمة حتى لا تبرح الرداءة مقاعدنا و لغرض توطينها و تعميق جدور أصالتها بين الأحضان المحتضرة تم استجلاب لقاح الكفايات و أمصال الإدماج و وصفة المجموعات و إثارة النزعات السوسيومعرفية و إخماد نيرانها الباردة عبر التدعيمات الإيجابية للأجوبة الصامتة .
المعلمون لخطاب الادارة مستغربون و لمعجم تربيتها الجديد مندهشون و لاستراتجية التطبيق جاهلون و داخل أروقة التفكير التي شاخت على أنغام سانفونية السلوكية و التجارب البافلوفية و البرمجة السكينيرية و تدريسية الأهداف الاجرائية بدأت تتناسل مراسيم أسئلة احتضان الوافد الغريب و آليات الإمساك بخيوطه الغريبة ، و في عملية استباقية لمخططات المقاومة الرافضة لمشروع الانتكاسة زف السيد المدير خبر الترقية للجميع بشرط موالاة الإصلاح و هضم بنود الميثاق و دعامات البيض من الكتاب و التسلح بنظريات التعلم التحررية لمواجهة إجرام الشحن و أخطار الترديدات الببغاوية ، و بعد رسم الملامح الكبرى للإمتحانات المهنية و قيمتها المالية و آثارها الاجتماعية دعت الإدارة السادة المعلمين للوقوف دقيقة صمت ترحما على صنافة بلوم وترتيبات كانيي الرائدة و كتيبات الدريج المترجمة و التعليمات الإجرائية البائدة و مباركة العهد الجديد الذي اطل بالكفاية و الترقية و التسوية وإخراج الذي قيل عنه كاد أن... من قعر السلاليم الدنيوية و ضنك الحياة الربوية إسوة بالثانوية التأهيلية . مرت الدقيقة الصامتة و لا يزال الصمت الرهيب يخيم على قاعة العرض المغري إذ سافرت الأحلام مع شق الترقية و الرفع من حقينة الأجرة الهزيلة لمواصلة البناء و الزيادة في أطباق العمارات و شراء أفخر السيارات و لما لا مثنى من النساء والاستثمار في السندات و اقتحام غمار الانتخابات . و لم يستفق الحالمون من الحلم التربوي إلا على أصوات خرير الشاي الذي أبدعته أيادي الحارس المرتجفة و زينت كؤوسه اللامعة أعين كاد كسوف العيش الحالك أن يسترق ما تبقى من بريق نورها الساطع .
مجلس الشيوخ و بعد مشاركته في مراسيمَ تشييع جثمان السلوكية وتدشين ولادة الكفاية المجيدة و تلقي تهاني الإفراج عن الترقية عبر الامتحانات المهنية غادر مقبرة التربية ليبدأ سباق التسلح لغزو فضاء المقاربة الجديدة و ديداكتيك الوضعيات المشكلة و ما استجد في عالم التربية .
حسن و في غمرة الفرح بخبر الترقي ضغط على دواسة الاستعداد للاستحقاقات المستقبلية و في براءة الصغار أخبر الزوجة بما عزمت الوزارة الوصية تنفيذه في حق رواتب موظفيها البررة فضحكت من سخرية القدر و من الشيب الذي اعتلى عرش الجسد و البصر السائر في طريق التخفي بعد طول التجلي و الذاكرة المنتصبة على الجرف الهاوي فكانت له من الناصحين غلى بذل أقصى درجات التمكين بعد أن بلغ الى علمها قيمة المبلغ السمين و ما سيفعله من اجلها إن كان من الناجحين .
الزوجة و رغبة في التباهي أمام جارات الحي أسرعت الى تنزيل المخطط الاستعجالي المواكب للتدابير الأولية الخاصة بتوفير الظروف الملائمة لعملية التحضير شرعت في إفراغ الغرفة من المتاع و تكنيس جنباتها من الأتربة العالقة و تزيين أرضيتها بأجود أنواع الأفرشة الرفيعة و نفض الغبار المتراكم عن المكتب منذ الغابر من السنين فألزمت صغارها صمت الظلام أما التلفاز فأخرست صوته و أعدمت صورة مرتديه و كذا اطفال الحي ففي الشارع المجاور لعرين المحضر عنهم اللعب حرام و للجيران توددت و استلطفت بضرورة التزام الهدوء و تجنب الضجيج المزعج .
مكتبة المدينة الوحيدة و بعد طول الهجر و الغياب عن ميدان المطالعة و المتابعة استبشرت خيرا لما علمت نبأ امتحانات أسرة التعليم فلأجلها اقتنت الجديد من التأليف و ما استجد في نخاسة الإصدار فأمام بوابتها الفارغة لسنوات عجاف احتشد جمهور المعلمين و في حماس قل نظيره و سخاوة المعطاء غير المجافي سمح للجيوب من إفراغ ما في أحشائها لإقتناء واستنساخ العدة الرابحة لتجارة لن تبور .
حسن و بعد طول انتظار عاد الى المنزل محملا بكثرة الأسفار و نسخ عديدة من مقال الأنترنيت و على مكتب الغبار الذي تماثل للشفاء نظم أغراضه و رتب ما اقتناه و شرع في تفحص الفهارس و تقليب الصفحات الطوال والوقوف عند بعض العناوين الوازنة و الحاملة لمعان ثقال أعجزت المقتني عن متابعة نسيج الأسطر و خيوط الأحرف ليبدو حسن في ساحة الوغى دونكشوطي زمانه يقارع منظومة صواريخ الكفايات العابرة للقارات . روح البطل حسن الضيقة و العاجزة عن مسايرة ما استجد في سوق التربية و بعد طول تأمل المضامين المستعصية على استسلام معانيها للذاكرة المنسية استنجد بروح الجماعة فصير منزله سوقا تربوية احتضنت مشاييخ المدرسة ، و ترويحا عن النفس وتغييرا لأجواء المكان احتجز علماء التربية مقاعد داخل المقهى البارعة في صنع البراد للمجموعات التربوية. حرارة الشاي المنعنع وبطولة اسبانيا لكرة القدم و ضجيج الرواد و أدخنة السجائر و ما يلف بأحشائها أرغم الباحثين على الاستنجاد بالغابة و بظلالها الوارفة استلقى المستلقون و بدأوا البحث عن النجاح المأمول بين ثنايا كتب الكفايات و لما تعذر الفهم عن الجماعة استسلموا لسِنَةٍ من الأحلام و لم يستيقظوا من أضغاتها إلا على لفح برد العشية .
الامتحانات المهنية و لقرب مواعيدها الحاسمة أنشبت أظافرها المخيفة وراحت هواجسها المفزعة تملي على حسن استراتيجية التخطيط لليوم الموعود فاستدعى فضاء محفظته السوداء فصير جوفها معرضا للكتاب التربوي احتضن رواقها جناحا لعلم النفس و الأخر لتدريس المواد أما الثالث فكان للمستجد و لما ضاقت الأجنحة بحمولة الكتب الوازنة استنجد حسن بمحفظة الإحصاء فكانت له الخلاص من الوزن الزائد .
محطة مركز الامتحان غاصة بالسادة المعلمين الذين جاؤوا من فجاج الفرعيات العميقة و مختلف مدارس الاقليم داخل ساحتها علت الأصوات و اشتدت النقاشات بين المجموعات حول التكهنات و التسريبات و كذا المصداقية و الزبونية غير عابئة بالأكتاف الحاملة للأرقام القياسية في الأوزان الثقيلة . صفارة الإنذار و دويها المفزع أفرغ الساحة من ضجيج مسافريها ليلتحقوا بالقاعات التي ستحتضن لاحقا أطوار المسرحية ، أرقام الإمتحان و بابتسامة مشرقة استقبلت ضيوف القلم و ضمانا لمناخ التفكير و الإبداع أجلست زوارها في مقاعد فردية تجنبا لازدحام الثنائيات المزعج . حسن صاحب المحفظتين و بعد تحية السلام على حارسي القاعة و باقي الشيوخ ألقى بعاعه في المقعد الأخير من حافلة الامتحان و راح يتأمل غنى و تنوع الوجوه البشرية فمهنها المتشبتة بالسُّنَّةِ و المكسوة ضفافها بالأسود و الأشقر و وجوه لم تترك الشفرة الحادة أثرا لأي لون يبزغ أثره . صمت رهيب يطبق على الفضاء ، الأعين شاخصة و الأفئدة واجفة تترقب بشغف ما ستنهال به سماء أسئلة الامتحان ، راعيا المسنين و بخفة الآلة الحاسبة للأوراق النقدية وزعا المرتقب و شرعا في تنظيم دوريات اعتيادية تطبيقا لحالة الطوارئ و حظر الجهر و استتباب الصمت المسالم . حسن قيدوم القاعة و بمجرد تسلمه لخريطة الأسئلة الموقوتة أغلق الحدود و شرع في تأمل تضاريسها الوعرة و كهوفها المظلمة و منحدراتها القاتلة عساه يعثر على البوصلة السحرية التي ستقوده الى جزيرة كنز الأجوبة الشافية إلا أن أرضية الأسئلة المصاغة بالجندل الصلد و معاول التفكير التي طالها صدأ السنوات و ترحال المجموعات أخرست صوت الأقلام و منعت نزول أولى قطرات النقرات فاحتبس الغيث عن الأوراق العذراء التي سئمت عقم المداد و جفاف الينابيع فأطلقت نداء الاستغاثة وصرخة الاستسقاء لفك الحصار عن الأسطر القابعة في زنزانة البياض الناصع ، و استجابة لطلب الغيث و في همس خافت و إشارة مشلولة النبض ربت حسن على ظهر الجار الجنب و دعاه الى إبرام معاهدة التعاون الثنائي و تبادل المعلومات و الخبرات بشأن خطورة الأسئلة الاختبارية الحاملة للرؤوس التعجيزية همسات الجارين المتعاونين على البر و التقوى حررت باقي مترشحي السنة و الشفرة من شرنقة العزلة الانفرادية و قبضة الأسئلة الحديدية فسكرات الامتحان و المال زينة الحياة من رحمهما تتولد قوة التعاضد و تضعف العصبية و تندثر المذهبية المخزية و تتحد الأهواء و تصبح مشطا مسبوكا و بنيانا مرصوصا .
القاعة لهرج و مرج علمائها الأتقياء صارت منتدى لحوار الثقافات وتبادل المعلومات إلا أن ودق هذه المجادلات النخباء تعذر عليها ملامسة أراضي الأوراق العذراء فما كان من حسن ان انسحب خلسة من حلف النقاش ليلتحق بالجبهة الملتهبة ساحتها بشتى أنواع أسلحة الكتب الفتاكة و قدائف المقال المستنسخ . حسن المحارب المغوار وبخفة الساحر المراوغ تسللت يده اليمنى الى الزاد المصفوف بجوف المحفظة فخلص الدليل البيداغوجي من الاحتجاز و أتبعه علماء النفس الى قائمة المحررين من كهف الظلام الأسود و شرع في ترحيل متاع مضامينها الى المقر الجديد و الكائن بفضاء ورقة التحرير . عدوى الترحال الفكري لمضامين الأجوبة التربوية المنقولة بالجودة المطلوبة انتشرت أرجاء المكان فصارت قاعات الامتحان تضاهي في ضوضائها معرض البيضاء للكتاب .
حارسا الضوضاء لمشهد و حركة تنقل الكتب بين الأيادي الآمنة أبدوا الامتعاضة الصامتة فالتزما هدوء الإنتكاسة و اكتفيا بالتفرج على الجلبة التي أحدثتها الترقية المباركة أما صاحبنا فالسوق الحرة للمبادلات الفكرية و المعفاة من ضريبة الحراسة المشددة أنعشت رساميله في التنقيب بين متن الكتب و الزيادة في استخراج الدرر الكامنة في البطون و لم يستفق الناسخ المتعبد من اعتكافه التربوي الا على صرخات أحد الحراس الذي أنذر بقدوم أهل الصدرة و محبي الربطة و عشاق الأحدية اللامعة ، لقرب وصول اللجنة الوديعة الى عرين النساك أعاد حسن وشركاؤه في اللعبة المستخرج من الكتب الى سالف مقرها راضية مرضية ، الا أن هدوء القاعة و صمت المترشحين و الأقلام المستفيدة من الإستيداع الكتابي أثار فضول أهل مراقبة الجودة الذين جابوا مختلف الأركان فعثروا على ما جد في عالم التربية و ما جادت به قريحة الغرب و ترجمات تجار الوطن فاستولوا على الدخيرة التعليمية ومحافظ التخزين ليسحبوا من الجميع الغنيمة المهربة و تركوا القاعة مشلولة الأيادي محبوسة الأصوات محاربوها أصبحوا بعد عملية التجريد عزلا بدون اسلحة النجاح ، و بعد تشييع جثامين الكتب الى مثوى الادارة الأخير بدأت الانسحابات من قلب المعركة تجر أقدام المترشحين خارج الميدان بعد إفراغ أخر طلقات التفكير على جسد أوراق التحرير .
لما تمكن حسن من تحرير المحتجز واسترجاع العدة التربوية غادر مركز الامتحان الموقر وحكى لزوجته ما جرى في جبهة الأحداث وموجة الاعتقالات في صفوف المراجع التابعة لتيار الدليل البيداغوجي وما أن أنهى الحكواتي رحلة السرد العجائبي حتى اقتنى تذكرة السفر على متن باخرة الانتظار التي مخرت به تارة عباب أحلام الأماني و الفوز بالسلم والتنعم بالسنبلات الخضر و تارة تتغشاه ظلمة الشك وفقدان الأمل في النجاح و التأسي لرؤية اليابس من الشتلات .
ظل حسن لشهور وشهور متعددة و متوالية فريسة الترقب و ترصد أخبار الترقية وما يتعلق بالرفع من الحقينة الشهرية الى أن جاء من أقصى البلاد عفريت الانترنيت ليزف طلوع البدر على القليل من القليل. أما حسن فسعيه كان سدى فإلى قاعة الامتحانات للسنة الموالية الرجعى. إنه القدر وما قضى إذ ذاك أدرك حسن ووعى أن كل نفس ذائقة مهانات الامتحانات .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.