في مناطقنا التي ينطق فيها الفقر والتهميش كل اللغات والأشكال، يفرض سؤال السياسة الاجتماعية نفسه بعيدا عن ثنائيات أسست لمفهوم "المركزية"، هذه المركزية التي كان (ولا زال) أفصولها وأرتوبها يشير للصفر على دالة التنمية المحلية وعلى ورقة من شعارات رنانة، ولعل أبرز تجلي لهذه "الصفرية" بادي في التمثيل والتسيير والتدبير والفعل التشاركي و الحكامة التي بين واقعنا وبين مفاهيمفها برزخ لا يبغيان، أو بيننا وبينها جبل يفصل جيل الأمل والعنفوان عن أضواء وأنوار ما بعد "دار غفلون"، ربما تكريسا ممنهجا لخطاب أسطورة كهف "أفلاطون" في اعتقاد تنمية مرسومة على مخطوط من الوهم لا يعكسها جدار واقعي، أو ربما محاكاة لخطط "بوعمران" الذي يقلب صفائح فرسه خداعا لمتتبع أثره ورغبة في نجاة بريئة لحيلته، وهو المشهد الذي ألفناه كلما دنا "الميركاتو الانتخابي" عند بعض المرشحين بحثا عن صوت أو بيت أو ثمن سيارة أو يخت.... سيدي البرلماني..... لست أدري بأي لسان سيخاطبك أيتام لا ينطقون عن الهوى إن قالوا أنا لفي فقر مبين، وأنا لله وإنا إليه راجعون، لست أدري بأي قلم سنكتب على جدارياتنا وذكرياتنا قصائدا بداياتها فاء وراويها قاف وقافيتها راء لتجتمع في تيمة الفقر تيمنا بأوضاع أريد لها مجاز النسيان والركون، لست أدري يا صاحب البذلة بأي وجه تتبخر ميزانيتنا في سيارات فارهة وبنايات تافهة، بينما حياتنا عديمة النكهة عدمية بلا نزهة، نتاجا لتدبير وتسيير النقاهة والرفاهة، ذريعة بسياسة القرب تارة، أو تبريرا بوعورة متاريس مسالك قًرانا تارة أخرى، تلكم المسالك التي يتجاوز نصف سعر سياراتكم وأغذيتكم ميزانية ضرورية لإنشائها وتقويتها لإخراجنا من حكايات الألف متاهة... سيدي البرلماني .... لست هنا أخاطبك بلسان السياسي الذي سينافسك فسيفساء المسرحية الانتخابية، ولست هنا أتوسل منك ماهو حق للذين جيء بهم ليشاركوك ومن والاك أو حاباك جائزة "نوبل" لأحسن تمثيل، كما ولست هنا لأتوسد فراش من سيزاحمك أدق تفاصيل الولاء الحزبي أو النخبوي رغبة في حصانة أو مقابل أو منصب بديل، وما أنا غير "مواطن" علمه جبل العياشي حب الانسان وحب مجاله والتمسك به تشدقا وتبجيلا، فأنا الفلاح وأنا الراعي وأنا العاطل والتلميذ من فج عميق، ومن مغرب أنكر وينكر من أسدوا للوطن كل الخير والجميل، ودون انتظار اعتراف أواهتمام من برنامج أو سياسة اجتماعية تروم فك الأغلال وجميع مرادفات التنكيل، لذا فما أنا هنا لأدق آخر مسمار في نعش انتخابات قد اخترتها قناعة أو مبدأ لا ينحاز ولا يميل، فذاك حقك وتلك قناعاتك فاقبل على ما تراه مستقيما حتى لو بدا لنا سقيما، كما واقبل لترى كم تناقض (أو قد تناقض) الحقيقة بهتانك من وعود وأقاويل، فأوضاعنا ماهي إلا برهان، حجة وخير دليل.... سيدي البرلماني القديم... أتساءل فضوليا عن مكانك وأين كنت كل هذه السنين لما حملنا على أكتافنا وفي نعشنا جثث "رابحة"، "رقية"، "حميد" و"جميل"، فمنها (الجثث) نفساء غدر بها اعوجاج الطريق التي وعدتنا بإصلاحها ونسف شعابها وفجاجها، ومنها من ماتت ضريبة طبيب يحضر برهة ويغيب لأمد طويل، فلا زلنا نتذكر قسمك أمام مسجد قريتنا متوعدا إياه بالترافع تحت قبة تلك البناية الحمراء المسماة برلمانا دفاعا عن مطالبنا وحقوقنا في العلاج والتطبيب، وبعدها ما سمعنا ترافعك ولا شكواك ولا صوتك العليل، ومنها (الجثث) من ضاقت بها الدنيا عوزا فسلمت روحها للرحمان بلا سيارة إسعاف ولا مروحية تدخّل تمنح أيتامنا بصيص أمل، علّ كل هذه الدموع تتوقف ومعها كل هذا العويل، ولكن أنت، أنت: أين كنت وأين تركت وعودك السالفة التي طَفَّفْتها وودائع من ثقة لخطاب كان يتحدى ويتوعد الصعاب حلولا، فصدقناك وغدرت بنا كما فعل قابيل بأخيه هابيل؟؟؟ سيدي البرلماني.... لو قلنا لكم، ليست الانتخابات على شيء مما تظنون لكنا أظلم عند مخرجها وكاتب السيناريو وواضع الماكياج والاكسيسوارات، (ولو كان ذلك لما حرك فينا نعرة تراجع أو خضوع)، ولكن ايمانا بما سماه "هابرماس" بالمجال العام، وايمانا بما دافعت عنه "نظرية التلقي" في ركائزية المتلقي تطويرا لنظرية "أرسطو" في المحاكاة والتطهير المسرحيين، سلمنا وسنسلم قناعة أنكم على الخشبة، حقا دستوريا وتمثيلا ودورا أسطوريا، ولكن، ألا يحق لنا نقد المَشَاهد أو رفض المشاركة أو تفضيل الانسحاب؟ طبعا نعم، واستنادا لتلك القناعة، عليك بمعرفة أن شخصا من "أفراسكو" لن يمتثل للمحاكاة، تلك المحاكاة التي بَادَتْ وعبودية أَثِينَا، وإن كنا نعتبر العبودية ألوانا، ترسمها لك حالة طريقنا وأحوال مدارسنا وقسمات وجوهنا وأوجاع حواملنا وفقر جيوبنا ومرض أطفالنا، فإن أيّة مسرحية تَوَدّ مشاهدتنا لها، ومشاركتنا في متابعة مشاهدها عن العزلة والتفقير والتهميش والتسييح والتسريح حد التشريح، هي إهانة بعد أن وعدت فصدّقنا، فأخلفت فتساهلنا فوعدت وآمنا فأخلفت وما عاد لنا غير الايمان ب "الكذب لي فيك"... سيدي المرشح.... وأنت في طريقك إلى دوار "آيت ايعقوب"، وقبل أن تميل يسارا وتنعرج على طريق من أحجار وأتراب وأعتاب نحو قريتي"أفراسكو" و "تسمرت"، أشْهِدْ أَشجار الصفصاف أَمامك، وسواقيا من ماء طهور جنبك، وثكنة الفرنسيين يمينك على ربوة لا زالت دماء شهدائنا تسقي الحرث وتبحث عن مناهج للبحث، أشهدهم كلهم تحكيك أن زمن المهاترات الانتخابوية قد ولى، وأن زمن الوعود واللغة الخشبية قد ولى، وأن زمن النفاق والشعارات قد ولى، وأن زمان من لا زمن له قد ولى، فلا يغرنكم القامومس السياسي القديم في شيء، ولا يغرنك الفانوس الديماغوجي في منطقة أحلك من ظلام كهف في شيء، فأوضاعنا وجهلنا ليسا بقنطرة عبور، ونية كهولنا وشيوخنا ليست بعلامة مرور، ولتعلم أنه بعد اليوم، شباب لا يبادل البهتان الانتخابي ورودا ولا زهرا أوعطورا. وإن كنا في غفلة مما يحاك من جلابيب سياسية وتلاوين انتخابية بعيدة عن فهمنا وما يشوبه من قصور، إلا أننا لن نمتثل للمحاكاة والتطهير المسرحيين بقدر امتثالنا لمحاكاة طبيعتنا، فحمامتنا ووردتنا ومصباحنا وسنبلتنا وأسدنا وزيتوننا وميزاننا وكتابنا (وغيرها) أطهر وأشرف مما ترسمونه على ورق يلوث بيئتنا لا غير، تماما كما تلوث وعود الخمس سنين حياة إنسان "يولد في الطبيعة حرا خيرا فتفقده اللامساواة طبيعته " حسب تعبير الفيلسوف "روسو".... ملاحظة : السيادة و"سيدي" في ثقافتنا ليست اعترافا بنظرية "السيد والعبد" عند "هيجل". يكفي أن الأضرحة والمزارات خاوية على عروشها إلا من شمعة ودرهمين....