لا يختلف اثنان على أن العمل الجمعوي بتونفيت تراجع بشكل كبير خلال الآونة الأخيرة. وكما يعلم الجميع فالفعل الجمعوي له دور أساسي في المساهمة في تنمية المنطقة. ويساهم كذلك في تأطير الشباب وتوعيته بقيمة العمل التطوعي. فمنذ مدة أفل قمر الأنشطة الجمعوية بالمنطقة، فلم نعد نرى الفرق المسرحية والموسيقية ودوريات كرة القدم ومسابقات العدو الريفي وحملات التشجير إلى غيرها من الأنشطة المتنوعة. إذن هناك أزمة حلت بهذا المجال الأساسي في المجتمع ولا شك أن له مجموعة من الأسباب. في هذا المقال سنحاول جمع عدة آراء لفاعلين جمعويين والمهتمين بالشأن المحلي بتونفيت. وذلك من أجل إبراز أهم الأسباب التي أدت إلى هذا النكوص وكذلك لتقديم مقترحات لتجاوزها لكي يعود الفعل الجمعوي بالمنطقة إلى سابق زمانه. فقد أعزى أحد الفاعلين الجمعويين بتونفيت سبب تراجع العمل الجمعوي إلى اتخاذه عدة أشكال سلبية وأصبح "التفريخ الجمعوي" هو السائد. وكذلك الجهل بأدبيات العمل داخل الجمعيات إذ أصبحت رؤية الاستفادة هي المسيطرة أكثر من القيام بواجبها تجاه الساكنة بالتأطير الحقيقي. وأضاف نفس المتحدث أن الاقصاء والتهميش لعب دورا أساسيا في هذه الأزمة. أما الأستاذ الباحث لحسن زروال فقد ذهب إلى أن أصل الأزمة يكمن في " ضعف التكوين الفكري والمعرفي وكدا غياب التكوين المستمر لأغلب المسيرين للجمعيات"، مضيفا أنه لا يمكن لفئة محدودة الفكر أن تنمي المنخرطين وعامة الناس. وأكد زروال أن عدم إيمان الفاعل الجمعوي برسالة المجتمع المدني حَوّلَ الجمعيات إلى مقاولات ومؤسسات قانونية للتسول أمام الجهات الداعمة والمانحة. وبدوره أكد عضو جمعية أمل للثقافة والتنمية بتونفيت حميد أخازيز أن الساكنة " لم تعد تثق في الجمعيات بسبب التراجع عن العمل التطوعي، وسيادة نظرة قاتمة وعالقة في أذهان الساكنة تقف عائقا أمام الجمعيات الصاعدة والحديثة العهد التي تأمل التغيير". كما أن غياب الدعم المادي والمعنوي من طرف الجماعات والسلطات المحلية ساهم في تردي وضع المجتمع المدني. ويضيف ذات المتحدث أن الأجيال الصاعدة من شباب المنطقة تفتقد حس المسؤولية ولا تأخذ على عاتقها عبء التغيير عكس جيل ذهبي مر وصار من الغابرين، جيل من جمعيات يشهد لها الجميع على ما قدمت من أنشطة متميزة ثقافية واجتماعية ورياضية. ما الحل؟ الأزمة قائمة ولها أسبابها كما قدمها جل المتدخلين، فالفعل الجمعوي يتخبط في مشاكل جمة، ووضعيته جد صعبة بتونفيت. من انعدام الثقة في الجمعيات إلى ضعف التكوين والدعم. لهذا سنحاول فيما سيأتي تقديم بعض المقترحات التي يراها هؤلاء المتدخلون الذين يعتبرون من الفاعلين والمهتمين بالشأن المحلي وقد ساهموا (ولا يزالون) في مرحلة من المراحل بشكل إيجابي في العمل الجمعوي بالمنطقة. فلم يبرزوا فقط الجوانب السلبية والقيام بالنقد من أجل النقد ولكن لديهم قوة اقتراحية مهمة جدا كما يمكن أن نطالعها في بقية السطور. لا شك أن شباب تونفيت يتذكر جمعيات كانت رائدة في العمل الجمعوي بالمنطقة، ومن بينها "ثيط نتسليت" و"تازيزاوت"، هذه الأخيرة التي كانت تعرف عند الجيل القديم بجمعية المعسكر في أيام التسعينات والتي أعطاها الفاعل الجمعوي محمد بوخلفة كمثال للعمل الجاد، ونجاحها راجع لانخراط جل المناضلين فيها. واعتبر بوخلفة بداية سنة 2007 نهاية لهذا العمل الجمعوي إذ أسس فيها عدد كبير من الجمعيات (حوالي 400 جمعية) دون فعل حقيقي. وقد شغلت هذه الأزمة بعض الفاعلين والمهتمين بالشأن المحلي ولن نقول كلهم. وقد اتفق جلهم على أسباب هذه الأزمة. ولديهم مقترحات عديدة كما ذكرنا سابقا للخروج منها. فنجد مثلا الفاعل الجمعوي محمد غيلاس يدعو إلى عقد لقاءات واجتماعات مع كل الفاعلين محليا وابراز أهمية هذا المكون في التنمية المحلية. وعوض هذا العدد الكبير للجمعيات اقترح خلق أربع جمعيات فقط تحمل هموم الناس وتكون وسيلة لتوعية وتحسيس المواطنين بالمسؤولية المنوطة بهم تنمويا ورياضيا وثقافيا واقتصاديا وحتى في المجال السياسي. ويضيف لحسن زروال إلى ذلك بدعوته إلى تشكيل أقطاب جمعوية قوية وتنظيم مناظرة محلية حول المجتمع المدني (مفهومه، مؤسساته وأدواره). لكنه أكد في الأخير إلى ضرورة الالتزام بالديمقراطية الداخلية وخلق آليات لمراقبة المعاملات المالية بصرامة وذلك لإبعاد الفئات التي تحاول مراكمة الثروة على حساب الجوهر التطوعي للفعل الجمعوي. أما حميد أخازيز فدعا إلى حث الشباب المتنور إلى الأخذ بزمام الأمور لخلق جمعيات شبابية وضخ دماء جديدة في أوساط المجتمع المدني. في الأخير يبقى النقاش مفتوحا ونأمل أن تصل الرسالة لمن يهتم بهذا المجال الذي يحتاج إلى تضحيات عديدة ونكران الذات. فالعمل الجمعوي الحقيقي يعتبر ركيزة أساسية في المجتمعات ويساهم بشكل فعلي في التوعية والتأطير والتنمية المحلية. كما أنه يجسد أرقى ما يوجد في العلاقات الإنسانية من تضامن وتعاون وتطوع بدون مقابل.