يبدو أن التوصيات التي خرج بها مكتب المجلس الأعلى للتربية والتكوين، والتي من المنتظر أن يرفعها السيد عمر عزيمان لجلالة الملك، توحي بعكس ما كان يتداول بشأنه من طرف اللجان الدائمة للمجلس، بحيث قلصت هذه التوصيات من الأمازيغية بالتنصيص على اعتمادها إجباريا في المراحل الابتدائية فقط، وعدم اعتماد تدريسها في السلكين الإعدادي والتأهيلي. كما أن ذات التوصيات نصت على ضرورة "فرنسة" جميع المناهج التعليمية، باعتماد اللغة الفرنسية في جميع مستويات المدرسة المغربية من السنة الأولى من التعليم الابتدائي، إلى السنة الثانية باكالوريا، في حين ستتمتع الجامعات بالحرية في اختيار اللغة التي تراها مناسبة بحكم استقلاليتها. وبهذا يبدو أن التيار الفرنكفوني داخل المجلس عاد ليفرض نفسه بقوة، على التيار الأنجلوسكسوني الذي يرى ضرورة اعتماد الإنجليزية لغة أجنبية أولى، وعلى التيار الأمازيغي الذي يدافع عن اللغة الأمازيغية ويطالب باعتمادها في مختلف الأسلاك التعليمية انسجاما مع مضامين الدستور المغربي التي تعتبر اللغة الأمازيغية لغة رسمية ثانية. لكن ما يثير الاهتمام أكثر، هو ما نصيب اللغة العربية من الإصلاح المرتقب؟ وهل الأزمة التي تعيشها منظومة التربية والتكوين ببلادنا تكمن في اختيار اللغة المناسبة للتحصيل واكتساب المعارف والمهارات؟... إن المعيقات التي تواجه نظامنا التعليمي، أعمق من ذلك، وأبعد وأشمل من أن ينكب المجلس الأعلى ولجانه الدائمة وغير الدائمة على تناول المظاهر وإغفال عمق الأزمات التي يتخبط فيها التعليم، والتي تقتضي من الجميع التعبئة والانخراط الشامل وتحمل المسؤولية. فاستمرار اعتماد اللغة الفرنسية لغة أجنبية أولى يوحي بأن نظامنا التعليمي لا زالت تطبعه التبعية لنظام تعليمي أظهر عدم قدرته على منافسة الأنظمة التعليمية التي اعتمدت اللغة الإنجليزية لغة أساسية واستطاعت في فترة قصيرة مسايرة الإيقاعات السريعة التي تسير بها الدول الرائدة في مجال التعليم والتربية والتكوين. كما أن استمرار نظامنا التعليمي في إقصاء اللغة الإنجليزية من السلك الابتدائي، واقتصار تدريسها على السنة الثالثة من السلك الثانوي الإعدادي، وبقية سنوات السلك الثانوي يكرس ما سبقت الإشارة إليه ويزج بنظامنا التعليمي خارج دائرة المنافسة. صحيح أن اختيار اللغة المناسبة للتدريس أمر بالغ الأهمية، لكن ما يجب الانكباب عليه هو تجاوز ذلك إلى التفكير العميق في الآليات والاستراتيجيات والسيناريوهات التي تأهل نظام التربية والتكوين، ومحاولة الإجابة عن الأسئلة التالية: هل بالفعل تتوفر في نظامنا التعليمي كل مقومات الجودة؟ هل التعلمات والكفايات التي يكتسبها المتعلمون تتيح لهم التأهيل والاندماج في المحيط الثقافي والسوسيواقتصادي ؟ هل الموارد البشرية في القطاع مؤهلة وذات كفايات مهنية عالية؟ هل بالفعل تحسنت أوضاعها المادية والاجتماعية بشكل يضمن لها القدرة على أداء أدوارها وتحمل مسؤوليتها بشكل فعال؟ لماذا تخلت الحكومة الحالية عن تنفيذ وإتمام ما بدأته الحكومة السابقة من أوراش إصلاحية في ظل البرنامج الاستعجالي دون إعطاء البدائل، وإخراج نتائج الافتحاص الذي كانت تقيم به الدنيا ولا تقعدها إبان تسلمها لزمام الأمور؟ هل المؤسسات التعليمية مؤهلة وذات بنيات تحتية تسمح للمتعلمين بداخلها بالشعور بالأمن والارتياح وتخلق لديهم الحافزية والاستعداد للتعلم؟ هل الأغلفة الزمنية والبرامج التعليمية والمقررات الدراسية تناسب المتعلمين ومستوياتهم الإدراكية وتنسجم مع أعمارهم ونموهم الفكري والمعرفي؟ هل تم بالفعل إقرار حكامة تربوية داخل نظامنا التعليمي ترسخ مبادئ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة؟.... إن الإجابة عن بعض هذه الأسئلة الكبرى وغيرها كثير، هي البوابة الكبرى التي يجب الولوج عبرها إلى إصلاح شامل وجذري لمنظومة التربية والتكوين ببلادنا، مما يقتضي التوفر على إرادة حقيقية للتغيير، وتعبئة شاملة لكل المتدخلين في القطاع، وتحمل المتدخلين والشركاء لمسؤولياتهم بالنزول إلى الميدان والانخراط الإيجابي في أوراش الإصلاح بعيدا عن المزايدات والصراعات السياسوية الضيقة التي كان وسيبقى ضحيتها المواطن، وبالتالي المجتمع المغربي بأكمله...