ليس ثمة شك أن العالم، عالم اليوم، يشهد تحولات نوعية عميقة تخلخل بقوة البنى التقليدية اقتصادياً وجيو-استراتيجياً بما ينعكس مباشرة على أوضاع الدول النامية والصاعدة وكل ذلك لإيجاد موطئ قدم لصالح القوى العالمية التي تتخذ يوماً عن يوم قرارات مفاجئة أحياناً تصطدم المتتبع وتجعل السياسات الوطنية – القومية للدول المستضعفة على كف عفريت. ولا غرو أن المتوافر من مصادر الطاقة والمعادن ببلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يثير لعاب المؤسسات الصناعية الكبرى التي تصنع خارطة العالم على المقاس بما يضمن الهيمنة على السوق الدولية في جميع المستويات. إن التحولات الحاصلة في تقسيم العمل الدولي وميلاد قوى صناعية جديدة، يوماً عن يوم، تحتل مراتب متقدمة على حساب اقتصاديات أوروبا التقليدية وخاصة بلدان أمريكا اللاتينية الصاعدة وبلدان آسيا والباسيفيك، تحولات ستفضي من جهة إلى احتدام المنافسة بين البلدان الصناعية في سياق البحث عن احتكار الأسواق الاستهلاكية مما سيؤدي إلى انخفاض أسعار المنتوجات الصناعية، لكن من جهة ثانية بعلة ارتفاع عدد سكان الأرض وبالمقابل تراجع الإنتاج الفلاحي تحت ضغط النمو العمراني والتمدين وتراجع مهول في المساحة الزراعية. لدرجة أن هنالك منظرين يتوقعون اندلاع ثورات الجياع في عالم ما بعد 2025. بما أن الأمر كذلك، فإفريقيا، من دون أدنى شك، ستكون محط أنظار العالم الرأسمالي المهيمن لسببين : الأول لكونها تزخر بثروة نفطية احتياطية وبمعادن نفيسة لكن كذلك لكونها، سيما في المنطقة الإستوائية، وفي المغرب، تتوافر على مساحات زراعية مهمة، من جهة ثانية. إنه بصدق منطق استراتيجي يحضر بقوة في مضمار المنافسة الشرسة بين القوى العظمى التي تسعى، على قدم وساق، إلى اقتحام السوق الإفريقية خاصة أمريكا والصين. على ضوء كل هذه المعطيات ما موقع المغرب في خضم التحولات الدولية جيواستراتيجياً. أساساً لأن قوى الهيمنة الدولية لا ولن تترك رقعة ضمن كوكب الأرض إلا وتسعى إلى إخضاعه لتحقيق أمرين : الأول؛ إما الإخضاع بالقوة الاقتصادية أو بالردع السياسي أو بمنطق الفوضى الخلاقة في أفق احتكار الخيرات لصالح المؤسسات العابرة للقارات. وإما الانتقال نحو إرباك الاستقرار والتهديد بخلق كيانات منفصلة عن الدول الأم بما يفضي إلى مقايضة الأنظمة الحاكمة بابتزاز خطير عبر ترسانة من الضغوط متعددة الأشكال. إننا هنا أمام نيو- امبريالية لا يمكن تطويقها والحيلولة دون هيمنتها إلا بالانتصار للشعب عبر مداخل الدمقرطة والتنمية المندمجة والمستدامة وتكريس دولة المواطنة وحقوق الإنسان في حلة جديدة تجعل الانتساب إلى الوطن فوق كل اعتبار وتناقش المشاكل الداخلية بقوة لكن بالقوة نفسها ينبغي صد جميع الهجومات المادية والرمزية لقوى الهيمنة الدولية ضد وحدة الوطن. المغرب. الوضع الجيواستراتيجي ضمن نسق التحولات المكرو- سياسية الدوليةً. إن أية مقاربة تروم الحفاظ على الوضع المتميز للمغرب والمضي قدماً في برامج التنمية ومخططات النمو، رغم المطروح من المشاكل، تقتضي بالضرورة المنهجية مطارحة السياسات العمومية الكبرى للمغرب باستحضار دقيق لدقة المرحلة ولطبيعة التحولات الحاصلة في عالم ما بعد سقوط حائط برلين وما بعد سقوط برجي التجارة العالمية بالولاياتالمتحدةالأمريكية سنة 2011. وعليه مطلوب، سياسياً واستراتيجياً، تسليط الضوء على أمهات الكتب السياسية التي ولدت من عقر دار معاهد الدراسات الإستراتيجية بالغرب الرأسمالي منذ كيسينجر. وبالتالي فالمعرفة السوسيولوجية والأنتروبولوجية تشكل إحدى أهم وسائل الغرب في دراسة الشعوب وإعداد مخططات دقيقة لكبح جماح الدول الصاعدة واحتكار أسلحة الدمار الاجتماعي والسياسي الفتاك بما يخدم أجندة الشركات العابرة للقارات أو ما يسميه ميشيل فوكو "المعرفة في خدمة السلطة والهيمنة". نقترح عدة مداخل لضمان المصلحة القومية للمغرب من خلال استحضار تحديات جمة لا تبتعد قيد أنملة عن الوطن من خلال العلاقة المشبوهة بين مافيات البوليساريو والإرهاب الظلامي وبارونات المخدرات بمنطقة الساحل والصحراء، مع ما ينضاف إلى ذلك من عقدة الهيمنة لدى جنرالات الجزائر المصابين بهستيريا بسماركية حُيال المغرب دون القفز على مشكلة الهجرة من جنوب الصحراء نحو أوروبا مع توتر مناخ الثقة بفرنسا بسبب بحث المغرب عن شركاء جدد بالصين وروسيا وعدم إمكانية حصول الثقة في الشريك الأمريكي الذي يجعل المصلحة فوق كل اعتبار. إنها حيثيات تتطلب الدقة واليقظة في خدمة مصالح الوطن العليا والتسريع بإعلان ميلاد معاهد إستراتيجية ومعاهد الدراسات بالمواصفات الدولية في المغرب، لأن رؤية السياسي وقرارت الساسة تظل دائماً دون المستوى المنشود وتفتقر إلى الرؤية العلمية بمقاربة متكاملة لما يجول في العالم إذا لم تستند على طروحات علمية رسينة لأن الاكتفاء بأخذ النصوص والنظريات على عواهنها دون روية أو تمحيص يُسقط السياسي في سنابك التعميم والتسطيح. وبناءاً على ذلك : المدخل الأول:تحصين الاستقرار الوطني وتمتين مناخ السلم يقتضي المضي قدما في الدمقرطة المؤسساتية ونجاعة الحكامة والحسم مع مرحلة الانتقال الديمقراطي لصالح ديمقراطية ناضجة تبدأ بالتنزيل الحقيقي للدستور، والتسريع بإخراج القوانين التنظيمية لاستكمال بناء الورش الدستوري مؤسساتياً. مع دمقرطة الصفقات العمومية وامتلاك الجرأة في خلق ضريبة على الثروة ومحاربة الريع الاقتصادي (حتى لا تكون دولة بين الأغنياء منكم) والسياسي (من أجل تداول حقيقي للنخب) والاجتماعي (حق جميع المغاربة في الارتقاء لخدمة وطنهم)، ودعم القدرة الشرائية للطبقات الشعبية لمحاربة الاقتصاد غير المهيكل وما يرافقه من ظواهر تسيء إلى سمعة المغرب في باب الأمن والاستقرار. وكذلك ينبغي حماية المكتسبات الديمقراطية والحقوق التي ناضلت من أجلها الطبقة الوسطى التي تعتبر، في جميع الدول، صمام الأمان في تحول واستقرار المجتمعات. يبدو إذن واضحاً أن الاستقرار المغربي وتحقيق حالة الاستثناء، رغم ما يقال، في جغرافية إقليمية حطت فيها الهيمنة الدولية رحالها عبر بوابة ليبيا واستمرار حالة التسيب الأمني والانفلات العسكري وتمرد القبائل إلى جانب مناخ الاحتقان السياسي بالجزائر والتي ستدفع حتماً الاستبداد العسكري بقيادة الجنرالات إلى إرباك استقرار المنطقة لتعميم الفوضى لشرعنة الواقع التراجيدي الذي يعيشه الشعب الجزائري الشقيق. ولا يخامرنا شك أن المغرب سيكون دوماً محط أنظار المخططات البسماركية للنظام الجزائري المفلس. المدخل الثاني:يتوافر المغرب على سهول مهمة تُشكل قاعدة إستراتيجية لمشاريع الفلاحة. ينضاف إلى ذلك أهمية الفوسفاط لاستخراج الأسمدة المطلوبة زراعياً مع كثرة اليد العاملة العادية والمؤهلة. إنها معطيات دقيقة إذا ما أحسن توظيفها قد تجعل المغرب يلعب دوراً مهماً، عبر عامل الفلاحة، شريطة تجاوز الأسواق التقليدية واقتحام أسواق جديدة في أفق تنويع شركاء المغرب عبر بوابة الفلاحة مع دق ناقوس الخطر في حالة الزحف الإسمنتي على سهول المغرب وهضابه !!. لا جرم أن نعترف أن للمغرب إذن مقومات إستراتيجية هائلة، مطلوب حتماً التعجيل بإيجاد حلول للبنية العقارية بما فيها أراضي الأحباس والكيش والدولة لصالح ثورة خضراء تطور أداء المخطط الأخضر، مع حسم العلاقة بين النمو العمراني، عبر مخططات السكن الاقتصادي والاجتماعي.. والإصلاح الزراعي. إنها ضرورة إستراتيجية لحماية السهول، على أن تستثمر الدولة في مشاريع فلاحية ضخمة على قاعدة الإنتاج الإستراتيجي للحبوب والسكر والزيوت، وهو فعلاً ما سيعود إيجاباً على الناتج الإجمالي الخام، ويقلص حجم الاستيراد وبالتالي المديونية الخارجية مع ما لذلك من أهمية تكتيكية في قض مضجع القوى الفلاحية الدولية خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية في سياق إشباع حاجيات الشعوب الغذائية مقابل الخضوع والانبطاح لتلك القوى. المدخل الثالث:على جميع المسؤولين في المغرب مهما اختلفت درجة تحملهم للمسؤولية أن يعلموا أن خدمة الوطن والدفاع عن مصالحه العليا أمور لا تقبل التخاذل أو الاستهتار. وكل من تسول له نفسه استغلال منصبه للاغتناء أو الحصول على امتيازات أو البحث عن الإستوزار، دون كفاءة، أو استغلال السلطة والنفوذ لخدمة مصالح ذاتية ضيقة إنما يقترف إثماً عظيماً ووزراً غليظاً حُيال الوطن وإزاء مقدسات هذا الشعب الوفي. المدخل الرابع:إن دقة اللحظة التاريخية ووصول العالم إلى منعطف تاريخي أصبح فيه الحق والباطل وجهان لعملة واحدة كل ذلك يقتضي من جميع المغاربة والأغنياء تحديداً التضحية بقليل من ثروتهم لصالح مشاريع التنمية المحلية وإنصاف الفقراء والمهمشين، كما أن الموظفين السامين مطالبون بالتنازل عن هامش بسيط من رواتبهم السمينة وتعويضاتهم المحترمة لصالح الوطن. كما أن السادة الوزراء والبرلمانيين والكتاب العامين والمدراء العامون والمركزيون مطالبون بالتضحية كذلك بجزء من رواتبهم لصالح الوطن. إنها قرائن ستعطي الحجة للعالم وللمغاربة أولا في التضامن والتآزر وبناء الثقة. لأن الانتصار للمواطنين انتصار للوطن. على السادة الولاة والعمال المحترمين أن يسهروا على صد الظلم، بالتواصل والقانون، وحماية حقوق المرتفقين في الإدارة وجعل هذه الأخيرة في خدمة المواطن، مع الحرص على تطبيق المساطر بحكمة وتبصر. كما أن جمالية المدن على مستوى محاربة النفايات وكل ما من شأنه تشويه الجمالية والجريمة والانحراف عبر مقاربة نسقية متكاملة، والاستماع إلى نبض الشارع وإلى شكايات وتظلمات المواطنين وفعاليات المجتمع المدني ومحاربة الجريمة والحرص كل الحرص على ضمان السلامة النفسية والأمن الروحي للمواطنين كلها أدوات كفيلة بإرجاع سيمفونية الثقة إلى أذن المواطنين. على الفاعل السياسي أن يتحمل جميع مسؤولياته في إنتاج المعنى وتبني الصدق والابتعاد عن الانتهازية المرضية والشعبوية والابتذال وإرساء لبنات خطاب سياسي ناضج يخلق مسافات واضحة بين الأغلبية الصانعة للقرار وبين المعارضة التي ترافع من أجل تصحيح المغالطات. إنها الوصفة لإعادة بناء السياسة وترميم الممارسة السياسية بما يُمكن من تجديد النخب ومحاربة الريع الحزبي وحماية حقوق المواطنين في المشاركة السياسية بما ينعكس إيجاباً على إعادة البريق إلى المؤسسات السياسية التي تبني صورة الوطن في الداخل والخارج. على المجتمع المدني أن ينخرط بإيجابية في النقاش العمومي وفي تحديث المجتمع فكرياً لخلق ثقافة مدنية تنتصر لقيم المواطنة والحداثة وتقدس ثنائية الحق والواجب مع تكريس أخلاق التسامح وقبول الآخر ونبذ التطرف والغلو كيفما كانت مصادره مع تجفيف منابع التطرف لصالح ثقافة الوطن والمواطنة. إن للمغرب حُساد، متآمرين ومتربصين لا يغمض لهم جفن. واستقراره يثير حفيظة الأعداء. وأخيراً نقول إن في المغرب مؤشرات سلبية كالفقر والهشاشة والريع والاهتمام بالمدن على حساب القرى... لكن فيه كذلك مؤشرات مشرقة في مقدمتها امتلاك الدولة الجرأة في إعادة قراءة ماضي الانتهاكات أمام الملأ وعبر وسائل الإعلام، وبالفم المليان، لدرجة أثارت إعجاب الأعداء قبل الأحباب، حتى اعترف الجميع بتلك التضحيات الجسام للرعيل الأول من المناضلين الحقوقيين؛ ونعترف أن تجربة الإنصاف والمصالحة تؤكد رغبة الدولة في طي صفحة الماضي لصالح الحاضر بُغية مستقبل مشرق. وبين مناطق الظلام ومناطق النور في التجربة المغربية الفريدة. وبين الإيجابيات والسلبيات ينبغي أن تظهر الحكمة. و"أقوال الحكماء منزهة عن العبث" وبين النقد الموضوعي للأوضاع وخيانة الوطن شعرة معاوية، وهي الشعرة نفسها بين خدمة الوطن وبين الاستبداد أو المتاجرة بالوطن تحت ذريعة خدمته. إنها دعوة صريحة لجميع المغاربة خاصة المحضوضين وصناع القرار والمسؤولين الكبار أن يلتفتوا إلى هذا الوطن وأن يضحوا من أجله وأن يتفقدوا أحوال البسطاء من الشعب وأن يساهموا بوطنية صادقة بعيداً عن امتصاص دماء الوطن والمتاجرة بقضاياه، فبعض المؤشرات كتهريب الأموال إلى الخارج واختلاس المال العام و"كولسة" الصفقات تشكل جريمة شنعاء وخيانة عظمى تسيء للوطن وينبغي التعامل معها بيد من حديد. إن الدفاع عن الوطن وإنصاف المواطنين ينبغي أن تكون معركة شعب بأكمله وعلى الضمائر الحية أن تسعى جاهدة إلى حماية الوطن من أعداء الخارج ومن أعداء الداخل حتى لا تُعرقل مسيرة الدمقرطة والتحديث التي أعلن انطلاقتها الملك المناضل الشاب المتشبع بقيم "تمغربيت". ميجي المغرب. ونطلب من جميع المسؤولين بتصرفاتهم ألا يعرقلوا مسيرة الملك في درب البناء والارتقاء بالمغرب إلى مصاف الدول الصاعدة. إن المسؤولية عبء كبير، تكليف وليس تشريف. والوصفة "السحرية" لضمان الاستثناء المغربي هي الحفاظ على اللحمة الوطنية والانسجام بين فئات وطبقات الشعب بالعدالة الاجتماعية والابتعاد عن الديماغوجية السياسية والغوغائية الشعبوية والانتصار للوطن بدل الانتصار للذات وللمصالح الضيقة مع حماية ثوابت الأمة عبر النوايا الحسنة والإيمان الصادق وبعدها نقول : "سقف بيتي حديد ركن بيتي حجر فاعصفي يا رياح واهطلي يا مطر لست أخشى الخطر" حررت بكلميمة بتاريخ : 16 ذي الحجة 1435ه الموافق ل 11/10/2014 . ملحوظة : وجهت نسخ إلى: - رئيس الحكومة، الرباط. - رئيسي غرفتي البرلمان، الرباط. - وزير الداخلية، الرباط. - وزير الشؤون الخارجية والتعاون، الرباط. - وزير العدل والحريات، الرباط. - وزير الفلاحة والصيد البحري، الرباط. - وزير الاقتصاد والمالية، الرباط. - وزير السكنى وسياسة المدينة، الرباط. - والي جهة مكناس تافيلالت، مكناس. - عامل صاحب الجلالة على إقليمالرشيدية. - الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف، الرشيدية. - باشا مدينة كلميمة. - رئيس دائرة كلميمة. - بعض الصحف الورقية والمواقع الإلكترونية.