لم يعد ممكنا لأي بلد في أنحاء المعمور أن يفكر في ولوج عالم التنمية، واللحاق بركب الدول المتقدمة بدون أن ينكب على إعداد تعليم فعال تتوفر فيه كل مقومات الجودة، ويسعى جادا من أجل ضمانه لكل فئات المجتمع دون تمييز. أما المغرب، فهو البلد الذي أصبح يمثل الاستثناء في هذا الصدد، وربما أضحى الوحيد ضمن بلدان بقية العالم الذي لم يعد التعليم يدخل ضمن أولويات حكوماته الموقرة. فهو البلد الذي لازال السياسي والإيديولوجي يصرفان على حساب التربوي، ولنا مثال عن هذا في مجيئ السيد عزالدين العراقي لوزارة التربية في ثمانينيات القرن الماضي، وكذا في إلحاق السيد محمد الوفا بنفس الوزارة في أواخر سنة 2011، حيث رسمت معالم السياسات التربوية انطلاقا من الصراعات السياسوية، والحسابات الضيقة، والنعرات الحزبية، مما انعكس سلبا على المنظومة، وفوت على المغاربة فرصا ثمينة للحاق بقافلة التقدم والنمو كسائر البلدان. فالمغرب هو البلد الذي لم تتكون لديه الصورة الجلية للتوجهات الكبرى والغايات السامية للتعليم إلا في أواخر التسعينيات مع ميلاد الميثاق الوطني للتربية والتكوين. والمغرب هو البلد الذي رصد الملايير، وحشد إمكانيات هائلة من أجل تنفيذ توجهات الميثاق المذكور، وتنزيل مشاريع الإصلاح وتسريع وتيرته دون الوصول إلى نتائج ملموسة. والمغرب هو البلد الذي توقفت فيه كل مشاريع الإصلاح مع تنصيب حكومة عبد الإله بن كيران، وتوقفت معها كل المبادرات الرامية إلى إنقاد المنظومة من الإفلاس، دون إعداد بدائل تنطلق من استثمار الإيجابي وإلغاء السلبي، وهذا في لحظة حرجة من تاريخ المغرب، بالرغم من أن رياح الربيع العربي هبت عليه بإيقاع خاص ونكهة متميزة. المغرب هو البلد الذي لازال مفهوم الجودة لم يعرف طريقه بعد إلى منظومته التربوية، بحيث لازال الكمي يرجح على النوعي، سواء على مستوى المواد المقررة التي تعد بالعشرات في المكون الواحد، أو الغلاف الزمني المخصص للدراسة، أو المقررات الدراسية. المغرب هو البلد الذي لا زال يعتمد التوظيف المباشر في سلك التعليم لحل مشكل الخصاص، دون مراعاة لما لذلك من نتائج سلبية جراء عدم إلمام الموظفين بالمجال التربوي والبيداغوجي، في ظل غياب تكوين أساسي يضمن لهم الكفاءة التربوية لممارسة مهامهم على احسن وجه. المغرب هو البلد الذي لازال همه الوحيد في قطاع التعليم – كغيره من القطاعات - هو إشهار القرارات التربوية، والتلاعب بالأرقام أمام الصناديق الدولية والمنظمات المانحة من أجل استقطاب المشاريع الأجنبية وتنزيلها ميدانيا دون أي تتبع أو مواكبة أو تقويم. أمام هذا الاستثناء الذي يمثله المغرب دون غيره في مجال التربية والتكوين، لم يعد من الممكن الاستمرار في رسم سياسات تربوية أبانت عن فشلها الذريع في صناعة أجيال يمكنها أن ترفع تحدي الألفية الثالثة، في عالم يعرف تنافسا معرفيا شرسا،. ولذا، على الدولة المغربية بكل مكوناتها الانخراط في إنقاذ منظومتنا التربوية من الفوضى التي تتخبط فيها، وذلك باعتماد إجراءات جريئة من أهمها: - رسم سياسة تربوية على المدى المتوسط والمدى البعيد، تلتزم بشأنها كل القوى الحية والفاعلة بالبلاد بعيدا عن للتراضي والتوافقات؛ - تفعيل المجلس الأعلى للتعليم كمؤسسة عليا يعهد إليها رسم واقتراح السياسات التربوية، ومواكبة مدى تنفيذها من طرف الحكومة عامة ووزارة التربية الوطنية خاصة؛ - اعتماد الجودة كمدخل للتعليم وتسخير كل الإمكانيات المالية والمادية والبشرية لتحقيقها؛ - إعادة النظر في ساعات العمل الأسبوعية وخاصة بالتعليم الابتدائي، والتقليص من عدد المواد المدرسة والمقررات الدراسية بشكل يضمن للتعليم الجودة والفعالية؛ - الاهتمام بالعنصر البشري وتحفيزه ماديا ومعنويا، وتكوينه باستمرار باعتباره الركيزة الأساسية في أي إقلاع تريوي؛ - إعادة النظر في طرق ولوج مهن التربية والتكوين، وفي آليات التكوين الأساسي؛ - تأهيل المؤسسات التعليمية وتجهيزها والاهتمام بمرافقها وببنياتها التحتية؛ - القضاء على ظاهرة الاكتظاظ بالأقسام، وتحسين فضاءات التعلم؛ - تفعيل مجالس المؤسسات وإعطاؤها صبغة تقريرية تمكنها من تدبير شؤون المؤسسة إلى جانب الإدارة؛ - إعادة النظر في إسناد مناصب الإدارة التربوية، ومواكبة وتكوين أطرها باستمرار، وتمكينها من كافة العدد ووسائل العمل؛ - تفعيل العمل بمشروع المؤسسة كآلية كفيلة بتأهيل المتعلمين، وتحسين جودة التعلمات؛ - إعادة النظر في آليات التأطير والمراقبة التربوية، وتمكين هيئتها من وسائل العمل، وتسهيل مأموريتها إقليميا وجهويا ووطنيا، واستثمار تقاريرها حول أوضاع المنظومة؛ - ضرورة إشراك جميع الفاعلين من جمعيات ومنظمات ومؤسسات في بلورة السياسات التربوية، والمساهمة في تنزيل ومواكبة المشاريع ذات الصلة بالتربية والتكوين... مفتش تربوي، نيابة زاكورة