فما يجمع بين شباط وأنصاره هي المصالح الفردية والمشتركة في آن واحد، والعمل بمقتضيات “الغاية تبرر الوسيلة”، للأسف الشديد، لذلك تزعم قرار المجلس الوطني لحزب الاستقلال، أثناء انعقاد دورته العادية الثالثة، المفضي إلى الانسحاب من الائتلاف الحكومي، دون مراعاة أحوال البلاد والعباد مهما كانت الظروف . ناسين أن محاولة عرقلة مسيرة الائتلاف الحكومي بهذا الشكل، هو في حد ذاته عرقلة لمسيرة الديمقراطية في المغرب، وأن الاتفاق على قرار الانسحاب، سيقلب الحياة السياسية رأسا على عقب. فشباط إذن الذي يدعي مراعاته للمصلحة العامة، لم يراع شعور ما يقارب ربع سكان المغرب، أي ما يعادل 8.5 ملايين شخص، الذين يعانون من الفقر المدقع المؤدي إلى الغم والهم، وينتظرون ما ستقدمه إليهم الحكومة الحالية، وربما أكثر من ذلك، بحكم أن جل الإحصائيات في بلدنا نسبية، ولا تعبر عن الحقيقة المطلوبة، وهذا الرقم المخيف الذي بلغه الفقر المدقع في بلادنا يجعلنا طبعا نعض على أيدينا، بوعي أو بدون وعي، لاسيما إذا علمنا أن المغرب يتوفر على أكثر من 20 ألف من كبار الموظفين، تفوق رواتبهم راتب رئيس الحكومة، كما أن هناك مدراء يتقاضون أجورا خيالية، لا تعد ولا تحصى، إضافة إلى الثروات الطبيعية؛ التي تزخر بها بلادنا؛ والتي تستحوذ عليها فئة، لا يعلم أسرارها سوى الله، الذي لا تغيب عنه مثقال ذرة. لذلك فكلام شباط وأنصاره سيبقى بدون فائدة أمام كل المغاربة، الذين سئموا من السياسة القائمة على المناورة، والتيه في عالم الصراعات بدون فائدة، فبدل أن تكون تحركاتهم قائمة على النقد الموضوعي والبناء؛ من أجل المساهمة في عملية الإصلاح، والقضاء على الهشاشة والتهميش، مع البقاء داخل الائتلاف الحكومي، وإثبات وجودهم عمليا، نجدهم يختارون طريق الوداع، بعد محاولة هدمهم لكل ما تم بناؤه، وهو أسوء عمل يمكن أن يقدموه للشعب المغربي عموما. لذلك جاء التدخل الملكي، ليقلب عاليها سافلها، بشكل واضح ومباشر لإخماد الفتنة، التي أراد أن يشعلها شباط وأهله، لإزالة الضرر، وتحقيق الاستقرار السياسي ما أمكن، وبالتالي إرجاع المياه إلى مجاريها، وإزالة الزبد الذي يطفو عليها، بعدما ضاقت بنا السياسة بما رحبت…! . من هنا يحق لنا أن نتساءل، كيف يمكن لثلة من حزب واحد من خلال مؤتمر واحد بعد تخطيط مسبق أن تخرب بيت حكومة كيفما كان مستواها، مادام الشعب المغربي قد فوض لها تسيير شؤونهم، من أجل تحقيق مصالحهم الفردية ؟وهل يمكن اعتبار الموقف الملكي وسيلة لردع تحركات شباط ؟. لحد الآن لا نعرف حدود ما يريد شباط؛ الذي يزعم أنه قادر على صنع كل ما يشاء، وفقا لأهوائه ورغباته، دون الإصغاء إلى الآراء المخالفة له. ربما يبدو أن زعامته أعمت بصيرته، وجعلته تائها عن الحق والصواب، ليغدو عاصفة تجتاح كل من يقف أمامها بلا هوادة، لزرع الفتنة التي سينتعش من خلالها، ناسيا أن الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها . والحق أن شباط وكل الذين يحاولون زعزعة الاستقرار السياسي الداخلي المغربي، ربما لم يستوعبوا بعد مضامين الربيع الديمقراطي؛ الذي عرفته بعض دول العالم العربي-الإسلامي عموما، والشعارات الفريدة من نوعها، التي رفعتها حركة التغيير20 فبراير؛ المؤسسة للربيع الديمقراطي في بلدنا. ولم يعرفوا بعد الآثار الداخلية والخارجية لكل من سولت له نفسه التلاعب بمصير الملايين من المغاربة، ولم يتذكروا عواقب كلمة “ارحل”، التي رفعها المجتمع المغربي تجاه شخصيات، تدعي العمل السياسي النزيه، فكان مآلها الاندثار والانتحار السياسي . فما أحوج شباط وأنصاره، ووزراء الحكومة الحالية عامة وغيرهم… إلى أخذ العبرة من هذه الأحداث قبل فوات الأوان، بعيدا عن التأويلات الضالة، لأن حدود السياسة العوجاء في تقديري، تنتهي عند بداية تخريب، أو هدم ما شيده المجتمع ثقافيا أو سياسيا أو اقتصاديا… ومما يجب تأكيده هنا أن الأمة حقيقة لا تجتمع على ضلالة أو فساد بشتى ألوانه، لذلك فمن غير المعقول أن يجتمع حزب الاستقلال، الذي أسس منذ 80 سنة بناء على الوطنية وخدمتها، من أجل تحقيق مصلحة حفنة معاصرة من أهله، ولو كان ديدنها الظلم، وتوافق حالته – أي حزب الاستقلال- ما قاله الشاعر دريد بن الصمة في أحد أبياته الشعرية : “وهل أنا إلا من غزية (قبيلته)إن غوت ⃰⃰ غويت وإن ترشد غزية أرشد” !!!. لذلك فإن خروج شباط عن الائتلاف الحكومي، يشبه خرجات وتحركات زعماء فرقة الخوارج . وهذه الفرقة كما هو معلوم بعيدة كل البعد عن الإنجازات الحضارية والثقافية، بحكم خوضها للحروب المتعددة مع الأمويين، وتأسيس إمارات وفرق و طوائف، بلغت عددها ما يقارب 50 فرقة؛ حيث شيدت معالم فكرها وعملها على الصراع والاقتتال، وهذا هو الطريق الذي اختاره أيضا الزعيم شباط الدارس لإستراتيجيات الحروب وكيفية تأجيجها، والتكتيكات العملية لحركات المد والجزر السياسية والنقابية أخذا وعطاء، بعدما أكد أنه لا يجد حرجا في وجود6000 تيار في حزبه، مبررا ذلك بقوله “ليس لدينا مشكل نحن لا نريد الرأي الواحد. حزب الاستقلال هو مستنبت للتيارات والأفكار ونؤمن بأن الاختلاف رحمة، لكن لدينا هدف واحد هو تقوية الحزب “. فأي تقوية يريدها شباط، مادام يقبل أن يتفرق حزبه إلى طوائف وفرق متنوعة ومتعددة، ويمكن أن تتجاوز70 فرقة أضعافا مضاعفة ؟. وأي رحمة يطلبها مادامت مصلحته هي الأولى؟ وهل أعضاء حزبه علماء حتى يجعل الرحمة من نتائج اختلافاتهم ؟ ألا يعلم أن الرحمة الناتجة عن الاختلاف متعلقة بالعلماء والحكماء! ؟ لحد الآن ما يطلبه شباط هو الإعلان عن مسلسل جديد للصراعات الضروسة؛ التي سيقودها مهما كان مصيره. ومن دون شك فإن الحروب التي يتزعمها لا حدود لها بحكم تنوعها وتعددها؛ فهي نقابية وسياسية محلية و جهوية ووطنية و مغاربية … ولا تهدأ إلا بعد رضوخ الأطراف المعادية له، وإعلان الهزيمة أمامه، فإذا لم يستطع تحقيق ذلك، فإنه لا يغير مواقفه في مخيلته، كيفما كانت العواقب . باختصار، هذا هو الزعيم شباط؛ الذي أعد عدته مسبقا بحزم وإتقان، وبكل ثقة دون تردد أو خوف، بعد أن جهز ميلشياته وأنصاره الجدد والمجددين سياسيا بلا حساب، ورسم خطته الهجومية قلبا وقالبا، بخطى دستورية وقانونية مراوغة، لا تعرف الضعف ولا الهوان ولا الدوران ولا التولي يوم الزحف، قاصدا بلحمه وشحمه، وبوعي الحكومة الحالية؛ التي هو من أهلها أصلا، بعد أن عرف نقط ضعفها وزلاتها؛ التي لا تخفى علينا وهي قادرة للاستدراك لولا “عفا الله عما سلف”، وبعد تهديده إياه بشكل مباشر، وبلوغ السيل الزبى، وغياب الود والسلام، اختار سبيل الانسحاب السياسي، لإحداث بركان الفوضى المؤلم، في ظل أزمة سياسية داخلية خانقة، وأزمة عالمية اقتصادية معقدة، وفي وقت حرج يثير القلاقل، والتوترات بلا نهاية، تاركا الكل بأسى، وكرب على شفا حفرة من الضياع، لولا الملك المنقذ الوحيد؛ الذي أدرك بأن أفعال شباط، من المنكرات السياسية الواضحة؛ والتي ما أنزل الله بها من سلطان، فكانت نهاية مصيرنا رحمة لحسن حظنا، وعودة إلى الحياة بوعي سياسي جديد ومتجدد، كما ستبينه الأحداث السياسية في الأيام القادمة . فلم يكن شباط إذن على دراية بأن أمره سينكشف يوما ما بهذا الشكل، وحينئذ سيدرك أن ما يرنو إليه، لا يمكن أن يستند إلى تأويل بنود الدستور أو أنصاره، أو عتاده المتمثل في خطابه الشعبوي المسلح، والمفعم بالتهديدات والسب والقذف؛ وهذا ما سيقوده فعلا إن لم يكن من المرتدين و المنقلبين بين عشية وضحاها إلى اختيار طريق الانتحار السياسي – إذ الزعماء لا تنتهي حياتهم بالزج في السجون، ولا يرمون على الأرض مقتولين -، اللهم إذا كانت زعامته المزعومة، لا تشبه الزعامات المعروفة تاريخيا؛ وهذا ما سيجعلنا في نهاية المطاف، بعد أن نفذ صبرنا، في ظل هذه الأوضاع السياسية الداخلية المتأزمة، نتساءل بإلحاح وبدون همس، ألم يان لخوارج حزب الميزان المغربي بعد محاسبة ضمائرهم وفقههم لدروس تاريخ الفكر السياسي والإنساني أن يعلنوا بكل ما أوتوا من قوة انتحار شباط ؟.