ينظر إلى الشعر الأمازيغي في مختلف مناطق المغرب من طرف المؤسسات الثقافية الرسمية نظرة دونية ويجعل في خانة المهمش والمنسي، عكس الشعر المغربي الذي يكتب بلغات أخرى، وهذا يترجم النظرة غير الديمقراطية لمقومات الثقافة المغربية المتنوعة من رسم وشعر وسينما ورقص و غناء...إلخ فالأمازيغية ثقافة ولغة هي آخر ما يفكر فيه في أجندات و دواليب هذه مؤسسات الدولة، وإذ تم استحضارها فإنها تحضر كديكور وفولكلور يفتح الشهية لتسويق منتوج ثقافي أخر. تنبع هذه النظرة غير السليمة تجاه الشعر الأمازيغي الذي يهمنا الحديث عنه في هذا المقال، من منطق جاهل لا ديمقراطي يعتبر الشعر الأمازيغي غير قادر على احتواء الفكر الإنساني وأن الإنسان/ الشاعر الأمازيغي كائن أمي عاجز عن بلورة تصورات خاصة به حول الحياة والعالم عبر قصائده الشعرية، وهذا ما يجعل أشعاره بدون قيمة أمام أشعار تكتب بلغات أخرى غير الأمازيغية، فنادرا ما نجد من يثمن مجهودات شعرائنا الذين حافظوا على اللسان الأمازيغي وقاوموا تهميشه بنظم قصائدهم غير مبالين بالسياسات الرسمية للدولة تجاه إبداعهم الفني، في هذا الصدد يجب أن نفتخر بشعرائنا الذين تحدوا غياب لغتهم بالمدرسة ونظموا مئات القصائد بالاعتماد على ذاكراتهم القوية دون الحاجة إلى تدوين، أضف إلى ذلك تناولهم لكل المواضيع، بما فيها الأزمات الدولية التي عرفها العالم خلال النصف الثاني من القرن العشرين بالإضافة إلى المواضيع التقليدية التي يتناولها الشعراء عادة ، مع العلم أن اللغة التي يتلقون بها معلوماتهم في وسائل الإعلام هي لغة غير الأمازيغية ، ورغم ذلك عبروا عن مواقفهم بقصائد في غاية الروعة ، ستظل حاضرة في الذاكرة الشعبية للإنسان الأمازيغي إلى الأبد . تناول الشعراء الأمازيغ المواضيع السياسية الوطنية والخارجية كحرب الخليج والمسيرة الخضراء والقضية الفلسطينية والانتخابات بمختلف أنواعها و سنوات الرصاص والصراع بين المغرب والجزائر وفي هذا الموضوع نظم الشاعر زايد لوسيور قصيدة في ستينيات القرن العشرين يقول في مطلعها: _ ad ig rebbi lxir mec ufan ma$er d idda _ mac uryad izri g winna g t itgga ca _ ixxa l3bd ur t itnfa3 ujmil g wavu _ unna tgrd ijial igacin chey g waqqa _ id is tnna dzayer yad ad t3ayd $ifi _ meqqar da kkat$ ilbla tasga tsgassa _ iwa ur inni lmalik adassn isber itta _ a sidna cat lqwwa cat middn ard walu _ ra3at memis n umr$ad azna t ad iddu _ han uhdidu uyaflman issen i lndafi3 _ $rassen i wihya jma3 irizn tex datac _ han miden nna ur itkkul immut g minut _ ma timdinin tixatarin gent lhamaj _ ur $ursent illi $ass tirra ne$ i3ber ica _ id is $in ait ixdlan ad mun d 3ari _ mec ill lbla $ass ijblyn ayd ya$ul _ issaf$ d lmkhzen rbeh ica tn itmdinin _ i3awd aman g lbher ittu lbur ad iqqar هذا المقطع الأصيل شامل وجامع لموضوعات قلما نجدها في قصيدة أخرى، ففي في البداية يتحدث الشاعر زايد لوسيور عن المواقف السلمية للمغرب في علاقته مع الجزائر ثم ينتقل إلى جنوح هذه الأخيرة للحرب غير مبالية باليد الممدودة من المغرب و تحدث أيضا عن عدم قدرة المغرب على التنازل عندما تهان كرامته ، كما تطرق لشراسة القبائل الأمازيغية كأيت مرغاد و أيت حديدو وأيت يحيى في الحرب واستعدادها الدائم للموت من أجل كرامة الوطن ، ليقارن بعدها بين سكان المدن والجبال في تحمل مشاق الحرب، وبالرغم من ذلك تتم التنمية بالمدن عكس القرى النائية التي تم تهميشها من طرف السياسيين إلى يومنا هذا فالقرية التي يقطنها الشاعر لم تفك عنها العزلة إلا في السنوات الأخيرة رغم ندائه المبكر هذا منذ منتصف الستينيات . انتبه الشعراء الأمازيغ بالأطلس الكبير الشرقي إلى مواضيع جديدة تتعلق بالنظام البيئي والتلوث الذي يهدده بسبب الأنشطة الإنسانية، وأتحفونا بقصائد غنية بالمواضيع البيئية و معجم أمازيغي بيئي على وشك الانقراض، هذه القصائد يمكن الاعتماد عليها في إعادة تجديد القواميس والمعاجم الأمازيغية ، خاصة وأننا في مرحلة متقدمة من معيرة لغتنا الأمازيغية . كلما عدنا إلى الوراء زمنيا إلا وعانقنا أمازيغية صافية بدون شوائب ، ويمكن للباحثين في اللغة الأمازيغية أن يكتشفوا الفرق بين المعجم المتداول في القرى الأمازيغية النائية التي تنتمي للمغرب العميق ، وبين ذلك المعجم المتداول في البلدات والقرى الأمازيغية القريبة من المراكز الحضرية الكبرى التي يزحف التعريب والفرنكفونية عليها بلا هوادة، وما دام أننا نتحدث في هذا المقال عن الشعر استحضرنا نموذجين شعريين مختلفين من حيث المعجم المستعمل فيهما: الأول يمثله شعراء كروان وأيت يوسي وأيت نظير الذين تأثروا في أشعارهم بالقرب من مدن كبرى مثل فاس ومكناس و أزرو، شعراء هذه القبائل ينظمون قصائد أمازيغية ذات إيقاعات جميلة ومواضيع هادفة ، لكنها مليئة بكلمات دخيلة من الدارجة المغربية، وفي بعض الأحيان لا تكون الضرورة الشعرية سببا في اعتماد تلك الكلمات، إذ نجد الكلمة الأمازيغية المناسبة تؤدي نفس الوظيفة الإيقاعية ورغم ذلك لا يتم توظيفها ، ويتعمق المشكل أكثر عندما نجد هؤلاء يملكون قصائد شعرية بالدارجة ، و في بعض الأحيان تكون هناك مبارزة شعرية بين شاعرين أمازيغيين، أحدهما يتحدث بالأمازيغية والأخر بالدارجة، هذه الخصائص لا نجدها بكثافة في قصائد الشعراء بالأطلس الكبير الشرقي من قبيل قصائد شعراء قرية تسراولين أمثال حمو خلا و عسو إقلي و زايد لوسيور و شعراء قرية أيت سليمان مثل الزهرواي وموحى أكوراي، هذه الفئة من الشعراء بسبب بعدهم عن المدن الكبرى نجد قصائدهم غنية بمواضيعها المتنوعة وبكلمات قديمة ولم تعد متداولة في لغة التخاطب اليومي عند الإنسان الأمازيغي، بل إن الكثير منهم يجد صعوبة في التواصل اليومي بالدارجة ، وهذا يعطي لقصائدهم تميزا معجميا يمكن الاستفادة منه في إغناء المعجم الأمازيغي بالشمال الإفريقي عامة . لجأ الشعراء بقرى الأطلس الكبير الشرقي في السنوات الأخيرة إلى نظم القصائد في مواضيع بيئية مثلما أشرت سابقا وهذه بعض النماذج من أبياتهم الشعرية: _ يقول الشاعر حمو خلا : _ thla tzlit illa lwaz ar ittarw tiglay ammas i umda _ gufi$ i waqqa n winin annay$ diks ijrira 3ddan _ illa u$balu ard iggar aman g uqcmir a$zzaf _ da bnnun irhhal diks g iv n SSif tixamin i3ddan ترجمة الأبيات الشعرية: _ ما أجمل بحيرة تزليت بإوزها وبيضها وسط المياه. _ صعدت وادي ونين وجدته ملئ بالشلالات. _ فيه عيون مائية تسقط من أعالي الصخور. _ يبني فيه الرحال خيامهم في فصل الصيف. _ يقول الشاعر عسو إقلي : _ rray n irhhal as gudint lmxluqat _ ibra3 ufllah ihyya d ifsan I wulli _ aya3ri nnun awatx d iggar tifunasin _ wa hun tiwssarin i widda tneq tmara _ wa hun tihulin I widda iran ccikki ترجمة الأبيات الشعرية: _ مربوا المواشي سبب التنوع البيولوجي. _ يفرح الفلاح عندما يختار سلالات مواشيه. _ يفرح الكساب الذي يبيع الأبقار. _ كبيرات السن للفقراء والصغيرات للبورجوازيين. _ يقول الشاعر زايد لوسيور: _ ismar ugdal ur yad llin g irhhal _ ku yan iday tasga ness tugy ad thlou _ yac udadn smar walu awd iskwran _ walu tiwtal izza3 awk bnadem aynna$ ترجمة الأبيات الشعرية: _ انتهى زمن حراسة الرحال للغابة والمراعي _ كل يدمر من جهته. _ لم يعد هناك حيوان الأروي وطيور الحجل، والأرانب. يلعب الشعر الأمازيغي بالأطلس الكبير الشرقي وظائف اجتماعية من خلال إتاحة اللقاءات التي تنظم في القرى الأمازيغية الفرصة للتداول في أمور القرية وتنشيط العلاقات الاجتماعية، كما أن ذلك يساهم في نقل الأشعار إلى جيل الشباب لمواصلة درب الإبداع، وتنمية الذوق الفني لديهم، والسماح لهم بالتعبير عن همومهم في تلك الحفلات ، هذه الأخيرة تشكل فرصة لتمرير قيم التعايش والتسامح لأفراد القبيلة وتزويدهم بكل حاجاتهم النفسية والاجتماعية. تلعب القصائد الشعرية الأمازيغية دورا دينيا لا تقوم بها المؤسسات الرسمية بإمكانياتها الضخمة، وقد سبق وحضرت في إحدى المناسبات للشاعر موحى أكوراي يلقي قصيدة حول فرائض الحج وشروطه، أثارت انتباه مندوب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لدرجة أنه اقترح على الشاعر إمكانية الاستفادة من قصيدته لشرح فريضة الحج للحجاج بإقليم خنيفرة ، خاصة وأن الكثير منهم لا يفهمون اللغة العربية الفصيحة والدارجة كذاك. نادرا ما نجد منزلا خاليا من روائع شعراء المنطقة بمختلف انتماءاتهم القبلية، لكن زحف وسائل الإعلام الحديثة والتغييب الممنهج لهؤلاء الشعراء من السياسة الثقافية للدولة وعدم تقديمها للدعم المادي والمعنوي ، بحرمانهم من المشاركة في الملتقيات الفنية أو في وسائل الإعلام ، كل هذا جعل الأجيال الحالية من الشباب الأمازيغي لا يرتبط كثيرا بهذا التراث الأمازيغي العريق، ونجدها غارقة في الاستماع إلى تلك القصائد التي تدافع عنها الدولة، وتمولها بشكل خاص مما يجعلنا من موقعنا ندق ناقوس الخطر الذي يهدد جزءا هاما من ثقافتنا الأمازيغية نطرح الكثير من الأسئلة المقلقة مع الشاعر الكبير حمو خلا الذي أشار في حوار له أن الشعر الأمازيغي في الأطلس الكبير الشرقي يحتضر ، وهذا لا يقتصر على الجمهور المتلقي، بل على الشعراء أنفسهم فعندما سنفقد الجيل الحالي من الشعراء ، لن نجد من يعوضهم، ويقوم بدورهم ، وبالتالي سيساهم ذلك في تدمير إحدى مقومات الثقافة الأمازيغية من جذورها، اللهم إني قد بلغت.