يتحدث كثيرا عن التمييز بين مغرب نافع وآخر غير نافع على مستوى التنمية الاقتصادية، لكن هذا التمييز ينطبق أيضا على الجانب الثقافي، فالمؤسسات الراعية للشأن الثقافي بالمغرب تفرض مقاربة خاطئة للشأن الثقافي، إذ تثمن إبداعات المركز سواء كان باللغة العربية الفصيحة أو اللغة الفرنسية وتهمش إبداع الهوامش بالأمازيغية والدراجة المغربية (الزجل) ،وبالتالي فالمهيمن سياسيا يهيمن أيضا على المستوى الثقافي ،نفس الإقصاء تمارسه المؤسسات الإعلامية خاصة الرسمية منها،وبالمناسبة هناك طاقات فنية تعاني في صمت سبق وتحدثت عن بعضها في مقالات سابقة ،وللأسف لم تنل نصيبها من الدعم المادي أو المعنوي من المؤسسات الرسمية المسؤولة عن الشأن الثقافي والفني بالمغرب . سأستحضر في هذا المقال تجربة الشاعر حمو أخلا الذي ينتمي بدوره للمغرب العميق والمنسي، ولد سنة 1957 بقرية تسراولين التابعة إداريا لدائرة إملشيل إقليم ميدلت، تمكن رغم قامته القصيرة أن يصنع لنفسه مكانا وسط قرية مليئة بالشعراء ،كانت صوره الشعرية متواضعة في الأبيات المنفردة التي غالبا ما تكون بداية طربق أي شاعر نحو نظم القصائد الطويلة. رغم مشاكل الانطلاقة المتعثرة واصل الشاعر ولعه الشعري وذات مرة فاجأه حلم غريب في إحدى الليالي حيث حلم بخروج حشرات كثيرة تشبه النحل من فمه ومن تلك اللحظة حدث تحول كبير في طريقة نظمه للكلام بشهادة منافسيه، كان يحلم أيضا بأنه سيصبح شيخا واعتقد أنه شيخ القبيلة لما له من أهمية كبير في القبائل الأمازيغية فإذا به يصبح شيخا في نظم الكلام في وقت لم تعد فيه ولو القيمة الرمزية لأمثاله بسبب سياسة الدولة الثقافية المجحفة في حق شعراء الهامش . بدأ الشاعر نظم القصائد الشعرية الطويلة مع منتصف السبعينيات وقد أثار موهبته الشعرية ذلك الصراع بين المغرب والجزائر حول الصحراء وأبدع قصيدة طويلة يقول في مطلعها : « arrays lhwari awa brmath lghachi nc « han lqwwa n imghrabyn ur c tiwiD « ceg ayd ismsilyn mag assen itetc cha / الترجمة : يا الهوري( بومدين) انهر قومك " القوات المغربية بريئة " أنت الذي تريد أن تنال من أراضيهم . تنقل في الدواوير المجاورة لقريته مشاركا في الأعراس والاحتفالات ،وكانت قامته القصيرة من أهم ما ركز عليه خصومه في منازلاتهم الشعرية الليلية، وذات ليلة أثناء مشاركته في رقصة أحيدوس بقبيلة أيت مرزوك نواحي تونفيت سخر أحد الشعراء من قامته القصيرة ودار بينهما الحوار التالي : « slkigh g tiddi lfkih nnigh qad ikhDu « allig ar iqqar lktab ness iftlid ukhlaâ " احتقرت الفقيه من قامته قلت سيخطئ "" لكنه عندما بدأ في تلاوة كتابه فزعت . أجابه حمو خلا : « ur id iyi tiwym ad assigh islli g uftiss « awal am yitrid awal iwhn adact nec " لست هنا لكي أحمل الأحجار "" أتيت من أجل الكلام وسأعطيك منه الكثير . انطلقت مع حرب الخليج الثانية سنة 1991 مرحلة جديدة في حياة الشاعر، حيث انتقل إلى احتراف نظم الكلام بعدما كان هاويا فقط قبل ذلك ، وهكذا شكل رفقة شقيقيه علي وموحى فرقة فنية تتنقل في الأسواق والمداشر الناطقة بالأمازيغة خاصة في الجنوب الشرقي ،ومنطقة أزيلال والأطلس الكبير الشرقي، ونظم ما يزيد عن 40 قصيدة شعرية بعضها مسجل والبقية قد تندثر في حالة ما لم يتم تدوينها وهذه مسؤولية الفعاليات المدنية والمؤسسات الرسمية للحيلولة دون ضياع هذا الإبداع المتميز . شارك رفقة فرقته الفنية في العديد من المهرجانات المحلية لكن يتم استغلالهم في الغالب من طرف مافيا المهرجانات التي تزور الفواتير، وتنهب المال العام على حساب إبداعات الفنانين والشعراء، كما شارك في برنامج يهتم بالقصيدة الدينية في قناة محمد السادس للقران الكريم لكن المقابل المادي كان مخجلا جدا إذ لم يتجاوز 500 درهم، دون تعويضهم عن التنقل إلى عيون أم الربيع من منطقة الريش . تم تكريمهم رفقة بوغانيم في مهرجان سينما الأعالي بمدينة أزرو سنة 2012 وهي التفاتة ايجابية على اعتبار أن الشاعر على الأقل خرج من محيطه المحلي، والتقى بالعديد من الفعاليات الفنية ،وربما ستكون انطلاقة جديدة في مساره الفني وفي هذا الصدد أدعو كل من القناة الأمازيغية ومنتجيها ، ومنظمي المهرجانات إلى الالتفات لطاقات فنية مهمشة في المناطق النائية. تمكن الشاعر حمو خلا من تعلم الكتابة والقراءة ،ويتتبع كل مستجدات الساحة الوطنية والدولية رغم أنه لم يزر المدرسة ولو مرة واحدة في حياته .تم توظيفه كحارس غابوي في عهد حكومة ادريس جطو حينها كان سعيد شباعتو وزيرا للمياه والغابات لكنه تم توقيفه مياشرة بعد تغيير الوزير، وهو ما اثر عليه نفسيا وماديا واجتماعيا ،ولا زالت معركته مع الوزراة في دواليب المحاكم متواصلة .