إن المساحة الكبيرة التي بات يشغلها النسيج الجمعوي في مجال السياسات العمومية ، والادوار الطلائعية التي ظلت تلعبها الجمعيات في تأهيل البنيات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ببلادنا، هي بدون أدنى شك من العوامل الأساسية لتضمين دستور فاتح يوليوز 2011، مبادئ ومقتضيات تنص على الأدوار الجديدة التي ستضطلع بها جمعيات المجتمع المدني في مجال اتخاذ المبادرة، و تقديم الملتمسات التشريعية، والعرائض الرقابية الشعبية، والمساهمة في صناعة السياسات العمومية وتتبعها وتقييمها، والارتقاء بالفعل السياسي، والإسهام الإيجابي في إدارة الشأن العام، بما يضمن لها حرية التفكير والمبادرة واتخاذ القرار. الجلسة الافتتاحية المنعقدة مؤخرا بالرباط، والمتعلقة بالإعلان عن تشكيل اللجنة الوطنية للحوار الوطني حول المجتمع المدني بحضور الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، ووفد وزاري هام، ورئيسي مجلسي النواب والمستشارين، بالإضافة إلى مجموعة من البرلمانيين والمسؤولين الحكوميين، وممثلين عن المجتمع المدني، بقدر ما كانت إشارة من الحكومة على تدشين مرحلة جديدة في علاقتها بالجمعيات المغربية التي يزيد عددها على 90.000 جمعية، بقدر ما تعتبر أيضا صدمة قوية لعدد كبير من الشخصيات الوازنة، والجمعيات النسائية والحقوقية والأمازيغية بربوع المملكة، والتي أقصيت من هذا الورش الهام منذ انطلاق المشاورات والإعدادات لانطلاق الحوار، مما حذا بها إلى إعلان مقاطعتها لهذه اللجنة، على اعتبار أن القيادة الفعلية متحكم فيها من طرف الوزارة الوصية على الحوار، وباعتبار اللجنة أيضا تضم عددا كبيرا من ممثلي القطاعات الحكومية، وأشخاص تحت صفات خبراء ومكاتب دراسات. كما عبرت هذه الأطراف أيضا عن دهشتها الكبيرة من كون الوزير الذي يعتبر مشرفا عاما على الحوار الوطني، أقدم على تعيين قيادي من حزبه كمقرر عام للحوار الوطني في خرق سافر لأدنى مبادئ وشروط الديموقراطية والشفافية. وإذا كان الحوار الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة، يستمد روحه من الدستور الجديد الذي ينص على ضرورة تأهيل النسيج الجمعوي، وتفعيل أدواره، والارتقاء بأدائه في مجال ترسيخ الديمقراطية والحكامة الجيدة، وتطوير كفايات أطره في اتجاه تأطير المواطن، وترسيخ ثقافة الحق والواجب لديه، وإقرار المساواة والحرية وتوزيع الأدوار، فإن المنهجية التي اعتمدتها الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان في إدارة الحوار الوطني، تتسم بضبابية في الرؤية، وعدم وضوح في الأهداف المرجوة والنتائج المنتظرة. هذا بالإضافة إلى أن انطلاق أشغال هذا المشروع المجتمعي الكبير، كان من المفروض أن يتأسس على ثقافة الإشراك والتشارك منذ بدايته، بعيدا عن كل إقصاء أو تغييب للفئات الاجتماعية الفاعلة والحيوية في مجال الفعل الجمعوي والنسائي والحقوقي والأمازيغي. فهل ستستدرك الوزارة الوصية، وتصحح ما صدر عنها من اختلالات،؟ أم أن الأمور ستسير وفق ما رسمته مسبقا، ولو على حساب المصلحة العامة، كما سبق وأن صرح السيد الوزير المسؤول من قبل لإحدى الجرائد في سؤال عن مقاطعة الجمعيات، حيث أجاب: " من حق هذه الجمعيات أن تتخذ الموقف الذي تراه مناسبا، وأن اللجنة ستواصل عملها وأنه لا إكراه في هذا الحوار"... حسن ادويرا فاعل جمعوي