[color=#000DFF]شباب البارصا وشريط 35 ملمتر[/COLOR ] ارتبطت الفرجة منذ القدم بما هو طقوسي، ولهذا أبدع الإنسان في كل الحضارات والأزمنة أشكالا مختلفة منها ،وبعضها كان طقوس مميتة، تسيل فيها دماء المتصارعين أو المشاركين، ومع تطور الحياة الاجتماعية ظهرت أشكال جديدة مثل مسارح الهواء الطلق، والحلقة ورقصات المتصوفة ... لكن الثورة الحقيقية أسست لها السينما والتلفزيون بسبب اعتمادهما على الصورة المتحركة، واكتسحت سوق الفرجة عندما أدمج الصوت والألوان. ومع تطور طقوس الفرجة طغت على السطح لعبة كرة القدم و اكتسحت سوق الفرجة وأصبح عشاق مشاهدتها يعدون بالملايين، في هذا المقال سأتطرق بشكل موجز للعلاقة بين السينما وكرة القدم من خلال مقارنة طقوس واليات الفرجة فيهما. قررت الخوض في هذا الموضوع بمناسبة حضوري لعرض سينمائي بمدينة إيموزار في إطار فعاليات مهرجان سينما الشعوب، الذي بلغ هذه السنة دورته التاسعة ، والمثير في الأمر هو الاعتماد في عرض فيلم "الزفت " للمخرج الطيب الصديقي على شريط 35 ملمتر ، وهو ما أثار انتباه الكثير من الشبان والأطفال الحاضرين داخل القاعة ، لأنهم لأول مرة يرون تلك الآلة ، وعوض أن يتابعوا أحداث الشريط تعلقت أبصارهم في آلة العرض الغريبة، و تساءلوا ، كيف تعطي تلك الحركة التي يقوم بها الشريط صورا متحركة وصوتا واضحا، خاصة إذا علمنا أنهم تعودوا على مشاهدة الأفلام في أقراص مدمجة في الحواسيب أو في أجهزة التلفاز. لقد نسوا الشريط وتركزت تعليقاتهم على الآلة وصوتها المزعج، لدرجة أن أحدهم طلب من التقني وضع قليل من الزيت لعجلة الشريط لتخفيف الضجيج، لم يستطع أولئك الشبان التخلص من عادات مشاهدة كرة القدم في المقهى، وبدؤا في ترديد الأغاني مع الممثلين كما أثارتهم ملابسهم ومواقفهم، وعلقوا عليها بطرق تشبه تعليقهم على أخطاء أو مرواغات لاعبي كرة القدم ، هذه اللعبة كطقس فرجوي جاءت بعد السينما من حيث الحضور في الشاشة لكنها في الآونة الأخيرة تمكنت من تجاوزها من حيث عدد المشاهدين، وذلك بعدما اقتبست الكثير من مقومات العرض السينمائي خاصة ما يتعلق بزمن المشاهدة، فبعدما كان الذهاب إلى السينما طقسا أسبوعيا للكثير من المغاربة إلى حدود بداية الألفية الثالثة، تم تعويضه بمشاهدة لقاءات كرة القدم، خاصة مباريات البطولات الأوربية، وهناك من الشبان من يحفظ تواريخها أكثر من أي شيء آخر، بل ويحفظون أسماء اللاعبين و أثمنة صفقات انتقالاتهم، ويعرفون تفاصيل حياتهم اليومية حتى الحميمية منها. اقتبست كرة القدم أيضا شكل المشاهدة فرغم أن الكثير من رواد المقاهي يملكون أجهزة استقبال القنوات التي تبث مباريات كرة القدم، إلا أنهم يفضلون الذهاب إلى المقهى لمشاهدة المباراة بشكل جماعي لضمان جرعات المتعة الضرورية. ومثلما يخرج المشاهدون من قاعات السينما متوترين، وقلقين بسبب موت البطل أو أي حدث لم يعجبهم في الشريط، لا يغادر بعض الشبان أماكن مشاهدة مباريات كرة القدم إلا بعد تكسير الطاولات والكؤوس احتجاجا على الهزيمة ، وقد يكون الملام أحد اللاعبين أو حكم المباراة الذي لايسلم من كل أنواع السب والشتم الافتراضيين. تعتبر الشاشة الكبيرة رمزا من رموز السينما ، وهي الأخرى سرقتها كرة القدم الحديثة ويحرص مالكو المقاهي والسلطات المخزنية في بعض الأحيان على توفيرها للمشاهدين ، لجعلهم في عمق الحدث، ولولا الدواعي التجارية للجلوس في المقهى، والمشاكل الأمنية بسبب انفعالات الزبناء لتحولت مقاهينا إلى قاعات مظلمة لضمان مشاهدة أفضل. وفي نفس السياق هناك من حول قاعة السينما إلى فضاء لمشاهدة مباريات كرة القدم خاصة اللقاءات القوية في البطولة الاسبانية. مقابل فئة الشباب المنبهرة بآلة عرض شريط من صنف 35 ملمتر، تابعت فئة أخرى منهم مجرياته باهتمام كبير، وأحسوا بدور الأنشطة الثقافية في تكسير الروتين اليومي لمدينة إيموزار خاصة في فصل شتاء. حضر إلى القاعة أيضا بعض النقاد والمهتمين بالسينما، الذين تلقوا دروسهم الأولى في مشاهدة الأفلام السينمائية في أشرطة 35 ملمتر، لقد أحسوا بنوع من الحنين إلى سنوات الزمن الجميل، حين كانت السينما طقسا ثقافيا أسبوعيا للكثير من الأسر المغربية، وحين كانت السينما تساهم في تعميق الوعي الشعبي لدى الشباب عبر مناقشة الأفلام في إطار أنشطة الأندية السينمائية التي يعود لها الفضل في تكوين جل الباحثين في حقل السينما بالمغرب. أكيد أنهم تأسفوا لما ألت إليه دور السينما وعروضها من استهتار ولامبالاة من شبان كان من المنتظر أن يحملوا المشعل في المستقبل. لقد استطاعت الآلة الإعلامية الامبريالية أن تنتصر لثقافتها وتوجه اهتمامات شباب اليوم، الذين يتنافسون في تذكر عدد أهداف أشهر اللاعبين وطرق تسجيلها، بعدما كانت المنافسة في الماضي حول من يحفظ أكبر عدد من الأبيات الشعرية ، أو من شاهد أكبر عدد من الأفلام، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أزمة الثقافة في المجتمع المغربي، وهو في ذلك غير منعزل عما يجري في الخارج، فلسنا في هذا الموقع إلا مقلدين للمجتمعات الرأسمالية التي تعرف طريقة استغلال منتوجاتها، وتؤسس وتنظر لكل التحولات التي تعرفها لكي تظل دائما في الريادة.