مرت اليوم أكثر من سنة على انطلاق الربيع العربي الذي بدأت أحداثه بتونس، فتواصل باتجاه مصر، ليبيا واليمن هذه الأحداث التي لازلت مستمرة إلى حدود اليوم بسوريا. هكذا فإن كان لا يزال لم يتوقف بعد زحف هذا الربيع، الذي شاء له أن يكون بمباركة غربية وأمريكية بالخصوص، إلا أنه من حقنا أن نتساءل ما الذي جنته الشعوب العربية من هذا الحراك الشعبي؟ وبالمقابل نتساءل ما سر هذه المباركة الغربية؟ ما الذي استفادته أمريكا وحلفائها وبالخصوص إسرائيل من هذا الحراك؟ تعد مفاهيم، الحرية، الديموقراطية، حقوق الإنسان... أهم المفاهيم المكونة لشعارات هذا الربيع العربي، وإذ هي مفاهيم نبيلة من حيث المبدأ فقد قامت لأجلها شريحة عريضة من المجتمع العربي، ومن فئة الشباب على وجه الخصوص، بثورات اتخذت من العالم الافتراضي رحم ميلادها، ونقطة قوتها، قبل أن تنتقل إلى الشارع على شكل مظاهرات واعتصامات، انتهت بممارسات لأشكال مختلف من العنف المتبادل من كلا الطرفين، الشعب والنظام. لكن نقطة الغرابة في هذا الحراك والتي تستحق منا الوقوف والحذر والتأمل، هي تلك المباركة الغربية وبالخصوص الأمريكية لهذا الحراك، فهل بالفعل كما صرح أغلب قادة الغرب، أنه أن لهذه الشعوب أن تتنفس هواء الحرية وأن تعيش جو الديمقراطية، وأنه يجب على هذه الدول الغربية مساعدتها لتحقيق ذلك؟ أم أن هذه المباركة المساعدة إنما تنطوي على نزعة نفعية برغماتية كما ألفناها وعودتنا؟ وبالتالي ينبغي علينا أن نكشفها من أجل الوعي بها، هذا إن لم نستطع تجاوزها وإن كان ذلك هو المطلوب منا؟. ما فائض القيمة الذي يمكن أن يجنيه الغرب وعلى وجه الخصوص إسرائيل من هذا الحراك الشعبي؟ سأحاول من أجل الإجابة عن هذا السؤال الاستعانة بأطروحة الأنثربولوجي والفيلسوف الفرنسي روني جرار René Girard 1923 والتي يمكن تلخيصها في فكرة أن المجتمعات البشرية تتميز بخاصية ممارسة العنف الناتج عن الطبيعة أو الغريزة الإنسانية، وكي تهدأ هذه المجتمعات وتنتظم وتتجاوز حالة العنف هذه، تقوم بعملية التضحية بكبش فداء بديل عن الضحية التي كان من المفترض قتلها. وفي هذا يقول جيرار: "إن العنف هو إلى حد ما شيء لا مناص منه و لا يمكن أن ينتظم لو لم تكن هناك أضحيات". ما علاقة هذا التصور الأنتروبولوجي بالراهن العربي؟ من هو الضحية؟ ومن هو العدو الذي كان من المفترض مواجهته؟ لقد شهد العالم العربي في السنوات الأخيرة حالات اقتصادية، اجتماعية، وسياسية كافية لخلق احتقان شعبي خطير، أدركته في البداية فئة مسبوغة بوعي ديني، فانتظمت في حركات إسلامية ووجهت عنف خطابها نحو الغرب، في حين اختارت فئة من بينها تجاوز مستوى الخطاب إلى مستوى العمل المسلح فانتظمت فيما سمي بتنظيم القاعدة، هذه الفئة الأخيرة أفرغت شحنت عنفها تجاه عدوها الحقيقي الغرب، عن طريق عمليات انتحارية وتفجيرية سميت إرهابية، لكن دون أن تقضي على عدوها. لكن الفئة العريضة والواسعة من الشعب العربي بقيت محتفظة بشحنتها من العنف، بل زادت حدة واحتقان أكثر فأكثر، فكان لا بد من الوصول لدرجة يكون من الضروري فيها تفريغ هذه الشحنة المحتقنة من العنف لكن هذه المرة لن توجه نحو العدو الحقيقي بل سيكون هناك كبش فداء سيتم التضحية به من أجل ضمان بقاء هذا العدو وسلامته،عبر إفراغ شحنة العنف لدى هذه الشعوب وتهدئتها فكما يقول جيرار: " كلما مارس مجتمع ما فعل التضحية بكبش فداء تناقص مستوى العنف فيه" كما لو أننا أمام شخص غاضب حاقد يركل كلب بضربة قدم أو يضرب ركن الطاولة فيهدئ نفسه ويستكن، وكبش الفداء هذا الذي قدمته أمريكا وحلفاؤها لهذه الشعوب، هي هذه الأنظمة التي صنعتها أمريكا بنفسها، وها هي اليوم تسقطها بشكل مثير للغرابة والجدل. هكذا نستطيع أن نفهم سر هذه المباركة الغربية للحراك العربي، فعوض أن يوجه عنف هذا الحراك نحو العدو الحقيقي أمريكا وإسرائيل، يحور تجاه الأنظمة ويستنفذ شحنة هذه الشعوب من العنف، وذلك باعتقادي أكبر فائض قيمة تجنيه أمريكا وحلفائها خصوصا إسرائيل من هذا الحراك العربي. وفي المقابل أكبر خسارة تخسرها الشعوب العربية. عليوي الخلافةّ أستاذ مادة الفلسفة، بالجنوب الشرقي