في ضيافة شفيق السحيمي المخرج المبدع، المناضل والفنان والإنسان إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل في ليلة 8 فبراير 2012 بينما كانت الطبيعة تبطش بأجساد المنبوذين الذين اختاروا الاستقرار برقعة من جغرافيا المغرب العميق والمعروفة باسم ميدلت ،وبدون عناء في تحديد موعد مسبق كما عودنا على ذلك بعض دجالي الفن والإبداع ، نتمكن من مقابله المخرج والمبدع شفيق السحيمي بحضور صديق عزيز، حل بالمدينة من الدارالبيضاء وهو من أعز أصدقائه"فتاح حبيب الدين" بإقامته المؤقتة بميبلادن ميدلت . ونظرا لموقفنا السلبي المسبق مما يعرض من أعمال على شاشة التلفزيون الرسمي ،حيث أغلبها لا يحترم ذوق المشاهد ولا يراعي الحدود الدنيا من المعايير المعروفة لدى الخاص والعام المفروض توفرها في أي عمل فني، كان تخوفنا كبيرا من أن تكون مقابلتنا للمخرج والممثل شفيق السحيمي ،عاملا إضافيا لتجديد مقاطعتنا لكل الإنتاجات الوطنية الرديئة ،لكن المفاجأة كانت كبيرة بالنسبة إلينا حيث وجدنا أنفسنا أمام مخرج يختلف تماما عن الصورة التي كرسها في أدهاننا الإعلام الرسمي ، عن مخرجين وفنانين لا يحملون من الكلمة إلا الاسم. قد يتساءل القارئ عن هذا الموقف السلبي مما يسمى بالإنتاج الوطني، وقد يعتبره تعاليا واحتقارا للمجهودات التي تبذل من أجل الرقي به إلى مستوى يعفي المغاربة من التنقل بين القنوات التلفزيونية العربية والعالمية، بحثا عما يعوضهم عن الرداءة والإسفاف اللذان يطبعان معظم هذه الأعمال ،لكن الحقيقة أن كل من سنحت له فرصة الاطلاع على الفن الراقي الهادف المحترم لذوق المتفرج والمعانق لهمومه سيتفهم الأمر، ولن يحتاج إلى كبير عناء للتمترس إلى جانب هذا الموقف ،لأن دور الفن في الحياة يتجاوز التهريج و التدجين والضحك على الذقون، كما أن غالبية الأعمال تمول من المال العام،الشيء الذي يجعل من حق المغاربة أن يكون لهم رأي فيها من الواجب أخذه بعين الاعتبار. إن تصالحنا مع الانتاجات الوطنية مسألة لا زالت بعيدة المنال، ما دامت الاختيارات اللاشعبية واللاديمقراطية للحاكمين ليس على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي البادية اثارها الكارثية على البلاد و العباد فقط ،بل على المستوى الثقافي، تعليما وتثقيفا وتربية وتكوينا أيضا ،بهدف إعادة إنتاج نفس البنية، نهجا أوحدا لاستمرار الاستبداد والتسلط والقمع والإقصاء من الحق في المشاركة في إنتاج وخدمة أنشطة المجتمع والاستفادة منها. في ظل ظروف كالتي تمت الإشارة إليها، قد يلتمس البعض العذر للمبدعين فيما هم عليه من رضوخ لتجار الفن، وأصحاب القرار، إلا أن ذلك لن يعفيهم من مسؤوليتهم التاريخية تجاه الشعب الذي ينتمون إليه ويوجهون إليه انتاجاتهم، فبقليل من الشجاعة والمواجهة والتضحية المفروض على كل واحد بذلها من أجل المبادئ التي يؤمن بها، يمكن قلب الموازين، ولنا في ما تعرض له المخرج شفيق السحيمي من منع لتنفيذ مشروعه الفني،" شوك السدرة" حيث قال في هذا الصدد أنه كان المقصود بالمنع وليس المسلسل الذي تعب من أجله مدة طويلة، خير دليل على أن خيار المقاومه هو الأنسب، حيث خاض جميع أشكال الاحتجاج، وعانى من العوز والحاجة ،دون أن يجد في ذلك مبررا للرضوخ والتراجع عن قناعاته ومبادئه ،وإيمانه بعدالة قضيته. فبعد مواجهة شرسة مع الجهات التي تعمل جاهدة على وأد إبداعاته، تمكن من الشروع في تصوير عمل ضخم بالقريتين المنجميتين اللتان كانتا إلى حدود منتصف الثمانينيات من القرن العشرين ،تشكلان الشريان الاقتصادي لمدينة ميدلت، وقد توفق في اختياره حيث من المتوقع أن تنافس هذه المواقع وارزازات، إذا كانت إرادة النهوض بها حاضرة لدى المسؤولين. إضغط على الصورة لمشاهدة الحجم الكامل إن العمل الذي ينكب على تصويره حاليا المخرج شفيق السحيمي، والذي لم يأخذ حقه في المتابعة والتغطية، لا من قبل الإعلام الرسمي ، ولا الجرائد الوطنية ،باكورة عمل مضن امتد لسنوات، استطاع من خلالها المخرج تبييئ رواية البؤساء للكاتب الفرنسي الكبير فيكتور هوغو ملبسا إياها لبوسا مغربيا، ينفذ إلى عمق الواقع المغربي بتعقيداته و تعدده و تنوعه.ويتكون المسلسل الذي اختار له المخرج عنوان" شوك السدرة "من 60 حلقة، تتناول تاريخ المغرب إبان الحقبة الاستعمارية الممتدة ما بين 1933 و 1956 يشارك في أداء الأدوار الرئيسية بالإضافة إليه ،ممثلات وممثلين شباب وأطفال. لعل ما يسترعي الانتباه في شخصية المخرج و الممثل شفيق السحيمي، تواضعه و بساطته وتكوينه الأكاديمي العالي ،وغنى تجربته الإنسانية التي جعلت منه مؤلفا و مخرجا وممثلا، نهل من تجارب عدة ،حيث كان مناضلا تقدميا قوميا وأمميا، عانق هموم شعبه، وهموم الكادحين عبر العالم ،و شارك الشعب الفلسطيني كفاحه، بحمل السلاح مقاوما للعدو الصهيوني ، في إطار منظمة "أيلول الأسود" بعد أن كان في البداية قد التحق بحركة فتح ،والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ،كما أنه عانى المنفى والغربة والقمع خلال سنوات الجمر والرصاص، و كيف لا وهو ابن شهيد من مؤسسي منظمة الهلال الأسود المغربية، وهذه حقبة من تاريخ المغرب يعتذر المخرج عن الحديث عنها، لأنه كما يقول لم يعشها . انتهت مقابلتنا مع المخرج و المبدع شفيق السحيمي، خلال الساعات الأولى من صبيحة 9فبراير، على فنجان شاي من إعداده، حيث كان الأحلى مما شربنا طوال حياتنا. ودعنا ببشاشته المعهودة، وحفاوته الزائدة ، على أمل مقابلات أخرى طيلة مقامه بميبلادن، بعد أن غيرت فينا الجلسة معه العديد من المواقف المسبقة حول الإنتاج الدرامي المغربي ،وحدت بنا إلى العودة للاستمتاع بأعماله "تريكة البطاش" "العين والمطفية "وجع التراب."مسجلين أسفنا على عدم مواكبتنا لأعمال هذا المبدع العبقري، املين أن نتدارك ما فاتنا وأن نولي الاهتمام اللازم لكل الأعمال التي تستحق ذلك ولمبدعيها ،وفي مقدمتهم "عزيزي" أو" ابا "كما يناديه المقربون منه وعشاقه.و نسجل بأسف استمرار سياسة الاهتمام بالأجانب، وتجاهل أبناء البلد، حيث لا أحد من مسؤولي إقليم ميدلت زار المخرج و لو من باب المجاملة، بل هنالك من حاول ترهيبه، ظنا منه أنه من كراكيز الفن المبتذل الرخيص ،الذين تعودوا التزلف والانبطاح . ميدلت في:10فبراير2012 حميد ايت يوسف