شارك كتب محمد القنور في خوك هنا …. صحراويات . محمد القنور لو قدر للروح ان تختار، لدى فك اسرها من سجن هذا الجسد، ذات لحظة موت لا بد أنها آتية، لاختارت ذلك الفضاء الصحراوي الرحب، مابين مرفأ سيدي إفني والكثبان الرملية في السمارة، لتحلق فيه على امتداد شروق وغروب دونما تعب او ملل!! أو جهد جهيد يذكر صخب المدينة الذي لاينتهي . من أين سيتسرب الملل للروح وهي تهيم فوق صحراء المغربية التي اكتظ فضاؤها مثلما الرمل بأرواح السلاطين والعلماء والمشايخ،والصوفية بقوافل التجار العابرين لمراكش وفاس وسجلماسة، محملين بالعنبر والبخور وابهارات والملح والجلود، بأطياف المغامرين والمكتشفين، والرحالة، بنزق الطيار سانت دو إكزبوري، والمنسل بين الحقيقة والحلم ميشيل دو فوكو، بغدو ورواح بول باسكون،بالدماء الطاهرة للشهداء ممن دافعوا عن الوحدة المغربية، مخلصين حنفاء، بكل لوعة الذين سكنوها ثم استسلموا للموت قبل آلاف السنين، وبعد عشرات الأعوام ؟! آه لو قدر لهذا العمر بأن يتراجع قليلا نحو الأمس، والأمس هذا الذي اطمح له مجرد مئات من السنين، فما هي تلك المشاهد التي سترصدها العين لو تحقق هذا يا ترى؟!… ها انا ارتدي جلد غزالة انثى اسقطها في احدى المصائد صديقا لي اسمه "عمر" وهو من قبيلة "الركيبات" التليدة، كنت اتمنى لو ان "عمر" اهداني رسما من تلك الرسوم التي كان يجيد نقشها على الحجارة البازلتية السوداء لكنه بدلا من ذلك قدم لي ذلك الرداء الجلدي الذي كان يغطي جسد غزالة ربما تركت خلفها زوجا وشقيقات فحزنت لكن "عمر" اعرب لي عن دهشته معللا ان الدفء لا يتم الا بحرق شجيرات الصمغ، التي هي الاخرى كانت حية، او من خلال قتل الحيوانات للاستيلاء على جلودها. كانت الساقية الحمراء تكاد تمتلئ بالماء، وكان المطر لا يزال ينهمر كل ليلة دون توقف منذ ثلاثة ايام، وهناك في اعلى ضفتي الساقية تناثرت المغائر التي كان يسكنها العديد من العائلات بينما قطعان الماعز والإبل كانت تلوذ قريبا منهم داخل مغائر اكثر اتساعا لكنها منخفضة بعض الشيء مما اغرى قطعان الضباع والذئاب بشن غزوات ليلية مفاجئة علها تقع على صيد يسكت جوع ليالي الشتاء الباردة… لقد اعتقدت منذ كنت طفلا ان هذه الذئاب المفترسة، والثعالب الماكرة لا بد وانها تعلمت فنون القنص من الانسان ، والايقاع بالطرائد ، عندما كانت تراقبه من وراء الأحراش والكثبان الرملية فأنا اذكر كيف كنا نقوم ببناء المصائد الحجرية في مواقع عديدة من الجبل ومن الصحراء ليقوم عدد من الرجال بمطاردة الوعول، والغزلان الصغيرة ليجبروها على عبور تلك المسالك الوهمية التي ما ان يعبرها الحيوان المسالم ظنا منه انه نجا من المطاردة ليكتشف ان ثمة رجالا آخرين يتربصون به ليمسكوه حيا يرزق . قالت الضاوية، المرأة التي أرضعتني لبنها، وأنا رضيع يتيم، لقد جاء المطر مبكرا كباقي السنين الماضية ولكن فصل الشتاء الحقيقي لم يحل بعد لكننا كنا نستبشر خيرا بهذا المطر الذي كان يدعونا للارتحال شمالا إلى بلاد سوس الأقصى نحو الاراضي المنبسطة كي نقوم بحراثتها ثم زراعتها بحبوب القمح،والشعير والذرة، لقد تمكن "محمد الشيخ" وهو من قبيلة "هوارة" ان يروض وعلين كبيرين ليقوما بحراثة أرضه القريبة من وادي درعة مما حدا بالآخرين ان يقلدوه. وبعد انقشاع السحب راحت خيوط الشمس تتسلل لتلقي بضوئها فوق مياه الغدران التي تشكلت بعد هطول المطر الذي دام لأيام عديدة، وقبل غروب شمس ذلك النهار كانت اسراب من الطيور لاأعرف هويتها ، لكثرة ما كانت تلامس الأعالي قادمة من الجنوب وهي تحلق في تشكيل غريب ورائع، قال جدي "إنها تتجه لمراكش البعيدة"…. شارك