صباحكم أجمل ... مليكة لمرابط هل يمكن للحنين أن يتوقف؟ كيف يمكن للشوق أن لا يشدني إلى أماسي طنجة؟ سؤالان جالا في خاطري وأنا أجول شوارع عروس الشمال ودروبها بحومة العشاق، حيث شممت بعضاً من ياسمينات متعربشة على الحيطان، تفيأت ظلال شجرتي المفضلة التي كنت أسميها بركة، فقررت التوجه للتمتع بالنسمات الشاطئية، وكالعادة في التجوال حملت بعض الكتب، وآلة التصوير، وقليلاً من الملابس، وبعض الاحتياجات التي لا بد منها. اتجهت بي الحافلة شمالاً نحو الشاطئ الطنجاوي الأزوردي، كنت ألصق وجهي بالنافذة أهمس لكل شجرة، ولكل صخرة: كم أعشقك يا وطني..؟ تخدش عينيّ مشاهد بعض ركامات الأتربة ومخلفات البناء، التي تعتلي قمم العين. تضمني دائما أماسي طنجة بحب، فأتنشق عبقها رغماً عن أدخنة السيارات وبعض مجمعات المصانع. أجول الشوارع الطنجاوية مستذكرة أماسي ناعمة دافئة، وتاريخ مدينة شكري ومغارة هرقل، ودورها المميز في الجوانب الثقافية والأدبية، وأتذكر جحافل الشعراء والكتاب الذين أنجبتهم هذه المدينة الجميلة، أو ممن تفيؤوا ظلالها. أتأمل بعضاً من المباني والمقاهي والأسواق والمدارس والمنشآت التي ما زالت تحمل عبق التاريخ وحكايات الأجداد. أمر بجوار .............................، فأتذكر زيارتي لها في السنة الماضية وروعة اللقاء مع إدارتها وطلابها. أصل إلى بيت محمد أخي الأكبر،يرحمه الله، فأتذكر كيف كنا نقضي السهرة بالدفء الأسري، وعندما كنت أحدثهم عن شعوري بالألم من تقصير البلدية بإهمال التشجير والشوارع التي تمتلئ بالحفر والأتربة، وخوفي من أن تتحول شوارع طنجة إلى لوحة شاحبة أكل عليها الدهر وشرب، كما تحولت بعض مبانيها إلى بقايا صور وبعض شتات من الذاكرة. أسئلة تلح في الذاكرة من عاشقة لطنجة وللوطن تحلم أن تراه دوماً أجمل. مساء جميل على مدينة فاتنة وخجولة وصامتة، يكتنفها الحب وتلك الإنسانية العابقة الفياضة مثل نهر من النور يسير من أودية التكافل والحنان إلى بحر المحبة والعاطفة الجياشة المليئة بالقوة والنبل والتواضع.إنه الحب العابق للوطن، تلك العملة الماسية المتلألئة في القلب والروح التي لاتنتهي، فالحب .. هو ان تعود طفلا .. يأخذك الماء من يدك ، ليعلمك المشي من جديد .. ” داي دا ” .. ” داي دا يامومو ” ! يدخل بك الى عوالم حدّها : اللا حد يفتح نافذة غرفتك التي كانت تطل على ازعاج الشارع ،وصياح الباعة المتجولين وأدخنة المصانع الصغيرة، لتكتشف انه يطل على الف بحر وبحر ! يعطر الفضاء بروائح الزنبق عبق عود الصندل، يخيّل لك ان الاكسجين عاد للتو من حفلة عرس ،وان ثاني اكسيد الكربون اصبح طيبا ، وغير خانق أو سام ! الحب هو ان تغني امام المارة مثل عيساوي أخذ به الوجد والعشق، وترقص امام المارة، دون ان تهتم بلون الاشارة المرورية ! وتأكل الايس كريم امام المارة من غير ان تهتم بمسح بقاياه ! وتصادق العصافير ، والاشجار والقصائد والأقمار والخريف والاطفال ، والمطر والسكينة . الحب .. هو هذا الذي يجعلك . طيبا .. مثل العطور الباريسية، ومسك الصحارى، وماء الورد شامخا ك طوبقال، عذبا .. مثل عيون نهر أم الربيع، في أعالي الأطلس المتوسط صادقا .. مثل صلاة الأطهار ودعاء الجدات. رائعا .. مثل قصيدة غجرية، أو حكايات صيادي المحار على شواطئ الصويرة والداخلة . الحب هو الحياة ، هو الإنسان.! وها أنا في طنجة بهذا الصباح الجميل، عيناي ترنو للأفق . فأهمس لطيفي ووطني ومدينتي..وكل المدن... صباحكم أجمل.