محمد القنور. عدسة : م السعيد المغاري القصري. ذ جعفر الكنسوسي رئيس جمعية منية مراكش / مبدأ البيعة تحت مجهر البحث الأكاديمي والتوثيق التاريخي بمراكش. محمد القنور. عدسة : م السعيد المغاري القصري. نظمت بمراكش أول أمس جمعية “منية مراكش” التي يرأسها الباحث المميز في قضايا الثرات والثقافة المغربية جعفر الكنسوسي وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض في مراكش، ندوة أكاديمية وعلمية تناولت تحليل وقراءة كتاب “البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب” لمؤلفته الأستاذة بهيجة سيمو ، مديرة الوثائق الملكية بالرباط، بحضور كل من الأستاذ أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ، والأستاذ عبد الحق المريني مؤرخ المملكة ، والدكتور محمد بنشريفة، والأستاذ الباحث بمديرية الوثائق الملكية المذكورة حسن الفيڭيڭي، والأستاذة السعدية بلمير مستشارة وزير العدل والحريات ومجموعة من الفعاليات القضائية والحقوقية والباحثين والإعلاميين والمثقفين . هذا وقد إنصبت مداخلة الأساتذة المذكورين على مبدأ البيعة في بعديها الديني والسياسي. ومن التقاء هذين البعدين المهمين، كأساس من أسس الدولة الإسلامية المغربية. وكمبدأ شرعي حافظت من خلاله الدولة المغربية على هذا النظام الإسلامي السياسي في جميع عهودها التليدة ، فكانت البيعة وما تزال هي ركنها الأساس، ومعين تنهل من صبيبه الشرعي والقانوني كل الدساتير المعاصرة التي عرفتها المملكة، ليس كوثيقة شرعية تربط بين السلطان والشعب، وإنما كمنطلق يحمل بين طياته نصّاً دستورياً.يبرز بشكل جلي في الفصل الواحد والأربعين من الدستور الذي يؤكد على أن الملك هو أمير المؤمنين، وحامي حمى الملّة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية. وقد أجمع المتدخلون أن إمارة المؤمنين كركن من أركان الدساتير المغربية المعاصرة والمتعاقبة لا تقوم إلاَّ بالبيعة، فالشعب يبايع أمير المؤمنين فتنعقد البيعة له، وهو الأساس التي تضمنته المتون الدستورية المغربية مشيرة أن مبادئ البيعة فوق المقتضيات الدستورية، لكونها أصل ثابت سابق للدستور.ومؤكدين أن الدستور لايعارض البيعة، وإنما يقوم إلى جانبها ويعضدها، كما يعضد العقل النقل في الفكر الإسلامي التشريعي والفلسفي. ذ أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية / مبدأ البيعة تحت مجهر البحث الأكاديمي والتوثيق التاريخي بمراكش. محمد القنور. عدسة : م السعيد المغاري القصري. وقد وقفت المؤلفة الباحثة بهيجة سيمو على مكمن الحقيقة المذكورة، إستنادا على محطات متميزة من خطابات لجلالة الملك الحسن الثاني، يرحمه اللَّه، حول هي آصرة بين الملك وبين الأمةأكد عبرها : “أنَّ البيعة أخذ وعطاء، والتزام متبادل، يعبّر عن تعلّق القاعدة بالقمة، والقمة بالقاعدة، على حدّ سواء”. في نفس السياق، أتفق المتدخلون من مختلف مشاربهم الفكرية ومدارسهم التحليلية وتوجهاتهم العلمية ،أن نصوص البيعة التي جمعتها المؤلفة الأستاذة بهيجة سيمو في كتابها المميز”البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب” ، أن المبايعة مؤسسة تقوم على التعاقد الأساس بين الحاكم والمحكوم، بما يحمل هذا العقد الشرعي من معاني السيادة السياسية والقانونية. فإذا انعقدت توضح الباحثة ترتبت عليها واجبات وشروط أهمها حفظ الدين، وتنفيذ الأحكام، والذود عن الأعراض، وتحقيق الأمن، والدفاع عن البلاد والعباد، وتحصين الثغور. إذ يصبح بذلك السلطان الملك مسؤولا ً عن حماية المواطنين المبايعين، والدفاع عن حوزة البلاد التي يسكنونها، وأن يقوم على أمرهم وأمر دينهم، بحسب ما يفرضه كتاب الله وسنة نبيه. وبذلك تتحقق السيادة الشاملة المؤطرة للملك، وتنتشر سلطته على جميع ربوع المملكة. وفي مداخلته تطرق الأستاذ أحمد التوفيق وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى ميكنيزمات العقد الشرعي الذي يربط البيعة بالشروط الموثقة وبالواجبات اللازمة، هو مما لا نجد له مثيلا ً في العلاقة بين الحاكم والمحكوم في غير الدولة الإسلامية التي يقوم نظام الحكم فيها على أساس البيعة. وأشار التوفيق أن المؤلفة تذكر بأن البيعة في المغرب تتخذ الخلافة الإسلامية مرجعية شرعية لها، باعتبارها الإطارَ التنظيميَّ للحكم، وأن جميع البيعات المغربية تشير إلى أهمية هذه المنظومة في تدبير شؤون الأمة. وتنقل ما ورد في أحد نصوصها مما يعزز هذا التوجّه ، الذي نظم به الله تعالى الخلافة وجمع عبره شمل الدين والدنيا، وأعلى قدرها على كل قدر فكانت لها الدرجة العليا،كإمامة عظمى أشرقت بشمسَها على العوالم، وأسست وسؤددها الحواضر من فاسومراكش والرباط والدار البيضاء وطنجة وسلا وما إليها، وشيدت بمجدها الجوامع والقلاع والمنشآت الإقتصادية والاجتماعية، وأنير بوهجها المعالم، وأصلح بها أمر المعاش والمعاد، وألف بها بين قلوب العباد بين الحاضر والباد. فبالإمام تحترم المحارم، وتدفع بوجوده الجرائم، وترفع بهيبته المظالم، وتعلو بكلمته للدين مشاهد ومعالم، وتأمن به الطرقات من خوف الطارق كما جاء في إحدى البيعات المنشورة في متن الكتاب موضوع النقاش.. الدكتور محمد بنشريفة / مبدأ البيعة تحت مجهر البحث الأكاديمي والتوثيق التاريخي بمراكش. محمد القنور. عدسة : م السعيد المغاري القصري. من جهة أخرى، إنصبت مداخلة الأستاذ عبد الحق المريني مؤرخ المملكة خلال أشغال الندوة على الكيفية التي تناولت بها الباحثة بهيجة سيمو في كتابها “البيعة ميثاق مستمر بين الملك والشعب” مفهوم البيعة وما يفرضه من واجبات على الأمة بالسمع والطاعة،والتوقير والإحترام لولي الأمر باعتبار هذه الطاعة واجبًا شرعيًا. فطاعته واجبة على جميع المسلمين محتمًا، وجنابه الجليل حقيق بأن يكون محترمًا معظمًا . وتتضمن البيعة معنى الولاء التام وسيادة المبايع على مناطق المبايعين التي هي ليست سوى الحدود الشرعية والمعروفة للمملكة المغربية. كما تناول الدكتور محمد بنشريفة ازدواجية متون البيعة التي يلتقي فيها البعد السياسي والبعد الديني، بالدرجة الأولى مع البعد الأدبي واللغوي، مستعرضا في ذلك مجموعة من الكتابات التاريخية لمؤرخين مغاربة أفداد على غرار إبن عامرة وإبن خطاب وإبن الخطيب وأكنسوس والناصري،وهي نصوص بيعة إتسمت بالتميز الأسلوبي والدلالي والجمالي مقارنة بمثيلتها المشرقية التي وردت في “صبح الأعشى” للقلشقندي وفي مصنفات أخرى عند التفتازاني والماوردي وإبن ناظر الجيش والصابي. وأبرز الدكتور بنشريفة أن نصوص البيعات المغربية لا يمكن معها فصل الشق اللغوي الإبداعي عن مضمونها الشرعي والديني مما يضفي عليها طابع الفرادة والتميز في تاريخ الدولة المغربية بشكل خاص، هي دائمًا بيعة شاملة تجمع بين ما يمكن أن نسميه بثنائية “المواطن كإنسان والوطن كأرض”.