تجارة الأعشاب الطبية، أو مايعرف ب “العطارة” في مراكش، تجارة رائجة، تتزامن مع تصاعد دعوات العودة للطبيعة في أوساط الأطباء. وعندما يعجز الطب عن تقديم العلاج أو يكون سعر العلاج باهظا يلجأ الناس، إلى حانوت العطار، للبحث عن علاج رخيص عبر الأعشاب الطبية. ولا شك أن تداول الأعشاب يحتاج لوقفة علمية توضح حقيقة الإعلانات التي تدعى قدرة الأعشاب على معالجة جميع الأمراض. مراكش مدينة الأعاجيب، حيث يمكن للزائر أن يشاهد في شوارعها الغرائب تلو الغرائب، وحيث تمتزج الأسطورة بالواقع، والحكايات اليومية الساخرة من الزمن، مع معارك الحياة التي لاتنتهي، لتتولد عن ذلك صور طريفة لا يمكن أن تحدث في أي مكان آخر. أشياء لا يمكن أن تصدق وجودها في الشوارع بالمدن الأخرى. ففي أي مكان في العالم يمكنك أن تمشى على الرصيف. ولكن شوارع مراكش وأرصفتها تحولت إلى محلات مفتوحة في الهواء الطلق. وعلى أرصفة معظم الشوارع الشهيرة في عاصمة النخيل، يتمركز الباعة بتفريشاتهم المتنوعة، وهي الظاهرة التي بدأت تقلق البعض، في حين يعتبرها آخرون ملمحا رئيسيا من ملامح المدينة، كما يمكن للسائح أو الزائر أن يصطدم أثناء تجواله في أسواق و أحياء المدينة، بمجموعات من هؤلاء الباعة، بلباسهم التقليدي البسيط يطوفون بين المقاهي و الحدائق، وأحيانا يلجون الدروب. وقد لا يبدو هذا المشهد غريبا في المدينة المزدحمة بالسكان، ولكن الغريب أن العشرات من هؤلاء الباعة يحترفون بيع الأعشاب الطبية فقط ، ويعتبرون أنفسهم خبراء في الطب بالأعشاب، وهم يروجون لما يزيد عن ألف صنف من الأعشاب، البرية والصحراوية والجبلية، كل منها يفيد حسب كلامهم – في علاج أمراض معينة. فيما يشبه الصيدليات المتكاملة ولكن في الشوارع. في نفس السياق هناك من لديه اعتراض على العلاج بالأعشاب أو اللجوء إلى الطب الشعبي للعلاج، ولكن المهم ألا يتم ذلك بأسلوب عشوائي. وإلا يدفع المواطن البسيط الثمن من صحته، وماله جريا وراء آمال خادعة، ووعود كاذبة، وحلم بالشفاء. أمام انتشار الظاهرة، يقول سعيد العضو بنقابة الصيادلة:” كان يجب أن نتحرك نحن الصيادلة ونضع خطا أحمر حول هذه الممارسة الطبية العشوائية، وأن نطالب بوضع ضوابط لتقليل المخاطر التي يتعرض لها زبائن سوق الأعشاب. وإذا نظرنا إلى الوضع في مراكش، فإنه كارثي، ويؤشر أن المدينة أصبحت بورصة مفتوحة، لعمليات بيع نباتات سامة، ومساحيق غير مصنفة طبيا، وأنها تعيش على تفاصيل خطيرة لتنامي ظاهرة التداوي والعلاج بالأعشاب. ويؤكد سعيد ل “مراكش بريس” بطريقة عصبية: أن الطريق مازال طويلا لدراسة جميع الأعشاب الطبية المتداولة على أرصفة الشوارع بشكل علمي سليم، وتحديد سلامتها وفاعليتها وأمان استخدامها. ومن أخطر مظاهر هذه العملية أن البعض يروجون لبعض الوصفات العشبية غير المدروسة أو المتفق عليها علميا، وتلقى هذه الطرق رواجاً لدى عشاق الأعشاب. فعلى سبيل المثال توجد وصفات خاصة بالشعر مثل بعض الدهانات التي تمنع تساقط الشعر، والقشرة والتجعد أو تزيد من طول الشعر، وهذه الوصفة على هيئة سائل زيتي. واتضح أن هذه التركيبة خاصة بعطار معين في منطقة “الرحبة القديمة”و”درب ضبشي” وبعض المحلات المعروفة في المسيرة الثانية، لا أحد يعرف محتوياتها. وفى الغالب فإن الشخص الذي قام بتركيبها ليس لديه أي إلمام علمى بالتداخلات الكيميائية التي يمكن أن تحدث. وفى أغلب الأحيان تتسبب هذه الوصفات في نتائج سلبية ولا تتضح مخاطرها إلا بعد عدة شهور أو سنوات. ومن أخطر الأمراض التي يمكن أن تنجم عن مثل هذا الدهان للشعر سرطان فروة الرأس. وهناك وصفات أخرى”ديال الرجيم” تلقى رواجا في صفوف العيالات على وجه الخصوص، وتكمن خطورة هذه الوصفات في تأثيراتها الخطيرة على الهرمونات. كما أنه من الممكن أن تحدث تداخلات بين تلك الأعشاب والأدوية الأخرى. وتعقيبا على تفاوت الآراء يقول عباس أحد الباعة المتجولين الوافدين على مراكش من قلعة السراغنة، ممن يبيعون الأعشاب أنهم في الدوار الذي يسكن فيه، تحت سفوح جبال الأطلس الكبير، بمنطقة “إمليل” يهتمون جدا بالأعشاب، وأن غالبية الأعشاب الموجودة في الأسواق تأتي من الأحراش الجبلية، و”مناطق البور” التي أصبحت تشتهر بوجود مزارع “الحريڭة” كأعشاب تستخدم في منتوجات التجميل. يعلق “عبد الرحيم “أحد هؤلاء المقاولين الشباب، ضاحكا: “الحريڭة يا أستاذ، أصبحت أغلى من القمح....” ، ويقوم كبار التجار القرويين، وبعض المقاولين الشباب، بتعبئة أعشاب “الحريڭة” في أكياس، وتصديرها إلى بعض الدول الأوروبية. وهناك من يقومون بمعالجة تلك الأعشاب ويصنعون منها مستحضرات مثل مستحضرات التجميل، والمستحضرات الجنسية. ويحذر مصطفى 35 سنة،عطار بسوق البهجة من خطورة الأعشاب على حياة الإنسان، إذا لم تعرف خصوصيتها، ويؤكد على ضرورة التعامل معها بحذر شديد، ما لم يكن مؤهلا ولديه الخبرة الكافية، حيث أن بعض أنواع الأعشاب تصبح سامة إذا تجاوزت الوصفة المذكورة، أوعلى الأقل فإن تعاطي أعشاب خاطئة يمكن أن لا يضر، ولكنه لن يعطي النتائج المطلوبة. ويتدخل عبد الله وهو بائع صحراوي من طانطان، يشارك مصطفى في تجارته، ليؤكد “أصداء مراكش” أن هناك أعشاب ومستحضرات يقوم بتركيبها أهل الخبرة والدراية، ومنها المستحضرات المنشطة جنسيا. وهذه المستحضرات منها ما يساعد على الإنجاب، ومنها ما يساعد على الإنتصاب، ومنها أعشاب تساعد على معالجة العقم. وهو يقول أن التشكيك في الأعشاب ليس صحيحا لأن تلك الأعشاب تمت تجربتها، وأتت بنتائج فعالة. وهو يوضح أن هناك بعض الأعشاب التي تعطي نتائج تتفوق بمرات عديدة على أقراص “الفياجرا” الزرقاء، الباهظة الثمن، كما أنها لا تؤدي إلى الموت في حالة تناول جرعات كبيرة منها، وليس لها أي آثار جانبية، مثل الأدوية التي ترهق كاهل المساكين، دون أن يناقشوا حتى أثمنتها. الدكتور”خالد” أستاذ متخصص في علم الميكروبات الحيوية بكلية الطب والصيدلة بجامعة القاضي عياض، يقول إن الطب البديل له شعبية كبيرة لأسباب اقتصادية واجتماعية. والسؤال هو: هل الأعشاب الطبية غذاء أم دواء ؟ يقول إن الفيصل هو كيفية تحضير الأدوية العشبية، وطريقة تداولها، وكذلك أسباب وكميات تناولها التي تختلف تماما عن تعامل المريض مع الدواء. وفى كثير من الأحيان تتعرض الأعشاب أثناء نقلها من الأرض للعطار ثم للمستهلك للتلوث، فمثلا عند زراعة “الكمون” أو الزعتر”أو “الشيح” يقوم بعض المزارعين بتجفيفه على سطح حظيرة المواشي فينتشر بها ميكروب E-COLI. وهكذا، تبرز الحاجة لأسلوب علمي لتصل الأعشاب بشكل سليم للمستهلك. مما يستلزم معالجة الأعشاب صناعياً، وتطهيرها سواء عبر معالجتها إشعاعيا أو بالغازات. وهو ما سيرفع من ثمن هذه الأعشاب ويقلل من فترة صلاحيتها أو يؤثر على نكهتها. ويستطرد قائلا أن هيئة الأغذية والأدوية الأميركية FDA نشرت على شبكة الإنترنت يوم 19 يونيو من هذه السنة، تقريرا يتضمن تحذيرا من بعض الأعشاب الطبية للمستهلكين بعد حدوث حالات تسمم ووفاة في مختلف مناطق العالم، من ضمنها حالات سجلت بمراكش. ويوضح الدكتور”خالد” ل “مراكش بريس” أن التقرير تضمن بعض القواعد لتحديد أمان وسلامة الأعشاب المستخدمة للعلاج. في نفس السياق علمت “مراكش بريس” أن منظمة الصحة العالمية أصدرت حديثا أول مجلد عن النباتات الطبية شائعة الإستخدام، وانتهت من إعداد المجلد الثاني. ويضم المجلدان دراسات عن 85 نباتا طبيا حتى تتمكن كل دولة من وضع معاييرها الخاصة لتنظيم التداوي بالأعشاب. ولكي تراجع كثير من الدول موقفها لوضع مزيد من الضوابط. في الوقت الذى صدرت فيه تقارير هيئة الأغذية والأدوية الأمريكية، ومنظمة الصحة العالمية نجد أن وزارة الصحة المغربية لم تخصص من ميزانيتها “حتى درهم” لدراسة الأعشاب الموجودة في السوق المغربي. أما الأعشاب المعبأة داخل أكياس والتي تستخدم للمغص أو الكحة أو كمهدئات فهي غير مسجلة كدواء، وإنما تعتبر من المكملات الغذائية، ولا تنطبق عليها شروط الدواء من ناحية إجراءات الأمان والفاعلية ودرجة ثبات المنتج وعدم تغير الخواص خلال فترة الصلاحية المحددة. ومن الظواهر الأخرى الغريبة، المتعلقة بالموضوع، أن بعض باعة الأعشاب يكتبون أن لديهم أعشابا تعالج جميع الأمراض، وأن تلك الأعشاب لا تتضمن أي آثار جانبية أو تحذيرات لفئة معينة كالحوامل أو المرضعات أو كبار السن، أو مرضى السكري أو “أصحاب القصور” ليس قصور”لابالموري” طبعا وإنما القصور الكلوي، أو ما يعرف ب”الدياليز”. فعلى سبيل المثال فإن نبات العرقسوس الشائع الإنتشار في المغرب، كأعواد أو كعصير يعرف ب”خود نجال” يتم بيعه دون لفت النظر إلى أنه يساعد على رفع ضغط الدم، وبالتالي لا يجب أن يتناوله مرضى السكر أو مرضى القلب. وفى بعض الدول الأجنبية كإنجلترا نجدهم يقومون بتجميع البيانات عن الأعشاب ونشرها في المجلة الطبية حتى يتم التعرف على الآثار الجانبية للأعشاب بعد طرحها في السوق وعدم الإكتفاء بالدراسات التي تمت قبل إنتاج المستحضر الطبي. ويدافع أحمد وهو بائع مراكشي للأعشاب قائلا ل “مراكش بريس”: “أننا في ساحة جامع الفنا نبيع مستحضرات الأعشاب منذ سنوات، ولم يحدث أن أتى أحدهم شاكيا من شيء، ولم نسمع أن أحدا مات بسبب تعاطيه للأعشاب على عكس ما يحدث من تعاطي الأدوية والعقاقير الطبية الكيماوية، التي أصبحت تعرف ارتفاعا مهولا في أسعارها، ولكن يبدو أن هناك من لهم مصلحة في عدم بيع الأعشاب للناس، وتعميم الشفاء والثقافة الصحية، على كل المواطنين، ويريدون أن يستمر الناس في شراء أدويتهم المرتفعة الثمن. والخضوع لمنافسات شركات الصناعة الصيدلانية، وبالطبع لا يمكن أن ننكر أهمية الطب. ولكن معظم الأمراض يمكن أن نعالجها بالأعشاب. أما الأمراض الحديثة فهي تحتاج إلى علاج من الأطباء مثل السرطان والأورام. ففي الماضي كانت الدنيا “مزيانة” ونظيفة ولم يكن هناك هذا الكم الهائل من الملوثات”. ويضيف أحمد ل “مراكش بريس” إن الأعشاب تلقى إقبالا هائلا من المغاربة والعرب على وجه العموم، ففي بعض الأحيان يأتي بعض الزبائن من المغاربة، والعرب وحتى الأجانب، خاصة المقيمين بمدينة البهجة، أو بضواحيها، وهم يبحثون عن وصفات معينة سواء مستحضرات مركبة أو مجموعة من الأعشاب التي يحتاجونها كعلاج لبعض الحالات. التي تعودنا في “المغرب” أن نثير المشكلة حولها، وأن نلفت النظر إليها بعد أن نبحث الظاهرة من جميع جوانبها. وأن ندق جرس الإنذار حتى نلفت انتباه جميع الأطراف التي تهمها القضية إلى وجود الظاهرة ليتحركوا لوضع النقاط فوق الحروف عليها. محمد القنور