سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحاج محمد أوطاطة : العودة إلى استخدام الأعشاب الطبية كواحدة من بين فروع الطب البديل ضرورة تقنين استخدام هذه الأعشاب الطبية، خاصة وأنها تحتوي على العديد من المواد الفعالة
يعتبر مفهوم الطب البديل، مفهوما شاملا يضم كثيرا من العلاجات التي نسمعها أمثال العلاج بالأعشاب الطبية والحجامة والعلاج بالإبر الصينية ولسعات النحل وغيرها، فاليوم أصبح يطلق على العلاج بالأعشاب الطب البديل عن العلاج الكيميائي، فالعلاج بالأعشاب بدأ منذ بدء الخليقة بينما العلاج الكيميائي بدأ مع بداية الثورة الصناعية إلا أن هناك خلطا لدى كثير من الناس في قضية العلاج بالأعشاب الطبية، معتقدين أنه علاج سحري لكثير من الأمراض، كما أن العديد من المغاربة يستعملون هذه الأعشاب بطرق غير صحيحة ،الأمر الذي تنجم عنه مضاعفات خطيرة قد تؤثر على صحة الإنسان سلبا. الحاج محمد أوطاطة ، عشاب ومهتم ، يحاول من خلال هذا الحوار، تسليط الضوء على مجموعة من العناصر الملتصقة بهذا النوع من العلاج وتفسير الجوانب المرتبطة به. { تنتشر في المغرب ظاهرة تناول الأعشاب الطبية واعتمادها كدواء لمجموعة من الأمراض، فكيف تفسرون الظاهرة، وهل حقا يمكن لهذه الأعشاب أن تشكل بديلا للأدوية المصنعة؟ لقد استعمل الإنسان الأعشاب أو أجزاء منها في التداوي من هذه الأمراض، فاستعمل الجذور والأوراق والثمار والبذور التي تعرف عليها خلال الترحال ومراقبته للحيوانات التي تأكل هذه الحشائش ، ومع تتبع الإنسان لهذه الحيوانات في مأكلها ومشربها وتناسلها، لاحظ أن لبعضها القدرة على شفائه من الأمراض . ومع تقدم الكيمياء بصفة عامة، تمكن بعد ذلك الصيادلة والكيمائيون من التوصل إلى التركيب الكيميائي ومعرفة شكل وتركيب جزء العنصر الفعال، وأمكن في بعض الحالات تخليق تلك العناصر الفعالة كيميائياً. فأصل ومصدر الأدوية الكيميائية المستخدمة حاليا في علاج الأمراض هو هذه النباتات والأعشاب الطبيعية . وعلى الرغم من التطور الهائل في علم الأدوية وظهور أعداد هائلة منها في شتى مجالات العلاج وخاصة القرن المنصرم، فإن الفترة الحالية تشهد عودة إلى استخدام الأعشاب الطبية في علاج الأمراض كواحدة من بين فروع الطب البديل، ولا يقتصر الاهتمام بالتداوي بالأعشاب على بلدان العالم النامي، بل تعداها إلى الدول المتقدمة . أود الإشارة هنا إلى أن هناك فارقا كبيرا بين استخدام الأعشاب في علاج الأمراض في الحقبة الماضية وبين العودة إلى استخدامها في الوقت الحاضر، ذلك أنه الآن وضعت له قوانين وضوابط ومعايير تحدد مقدار الكمية التي تأخذ الجزء الطبي من النبات واستطباباتها والأعراض الجانبية المصاحبة لاستخدامها وكذلك التفاعلات والتداخلات الدوائية بين بعضها أو بينها وبين الأدوية الكيمائية . أما في الفترة الماضية فقد كانت تستخدم هذه الأعشاب بلا معايير أو ضوابط، وإنما كانت تستخدم بناءً على تجارب سابقة بغض النظر عن نوع المرض والسن والجنس لمن يستخدمها، لأن بعضها قد يؤثر على المرأة التي في عمر الإنجاب . والسؤال الذي يطرح نفسه ، هل نستطيع أن نستعمل هذه الأعشاب بأمان دائماً ؟ الكثير من الناس يعتقد أن كل الأعشاب يمكن استعمالها بدون خوف، حيث أنها من إنتاج الطبيعة، وبالتالي فهي آمنة وخالية من الآثار أو الأضرار الجانبية وأن هذه الأدوية المحضرة كيميائيا ضارة بالجسم وهذا خطأ. فمن المؤكد أن الطبيعة هي مصدر كل خير ولكن لا ننسى أن الكثير من السموم مستخرجة من الطبيعة أيضا، لذلك فما نحتاج إليه هو كيفية الإختيار مما تقدمه لنا الطبيعة . { ما هي الأخطار المحتملة عند استعمال هذه الأعشاب ؟ عند شراء الأعشاب من مصادر غير موثوق فيها قد تتعرض للغش، وذلك عن طريق خلط الأعشاب الطبية بأعشاب أخرى عديمة الفائدة بقصد التمويه لكي لا تعرف هذه الخلطة مما قد تسبب خطرا على الجسم . ومنها أن تكون مجهولة التركيب، فغالبا ما تباع الأعشاب على أنها علاج لسقوط الشعر أو الصدفية، وذلك بدون ذكر معلومات عن محتوى ونوعية هذه الأعشاب، بحيث نستطيع التأكد من فاعليتها ، وكثيرا ما نسمع أن هذه الخلطة «سرية» . والأعشاب الطبية باعتبارها أدوية قد تتفاعل مع بعض الأدوية الأخرى التي نستعملها في نفس الوقت مما قد يؤدي إلى خطورة في بعض الأحوال وخاصة عندما لا تخبر طبيبك عن استعمالك لتلك الأعشاب ، فعلى سبيل المثال الثوم كغذاء طبيعي معروف بتأثيره المضاد لتجلط الدم، فإذا كنت تعاني من زيادة في لزوجة الدم وقد وصف لك أدوية لتلك اللزوجة وأنت تتناول الثوم بكميات كبيرة تكون معرضا في هذه الحالة إلى نزيف نتيجة السيولة الزائدة . { من المعروف أن المغاربة ليست لهم دراية كافية بالمخاطر التي تنتج عن سوء استخدام الأعشاب الطبية، فكيف يمكن لنا التأكد من جودة هذه الأعشاب ومن فعاليتها؟ يجب التأكد من أن العشب خالص ولم تجمع معه أي أعشاب أخرى تنمو حوله ، فقد تكون ضارة ونحن لا ندري، فأثناء جمع النبات قد تُجمع معه أشياء أخرى بجهل تؤدي إلى أضرار وخيمة. ولتحقيق هذه النقطة نتبع الآتي : 1 - فحص العشب فحصا دقيقا للتعرف إن كان مختلطا بآخر أم لا عن طريق التنقية. 2 - شراء الأعشاب غير مطحونة خصوصا الورقية أو البذور لسهولة التعرف عليها وتنقيتها. 3 - مراجعة الكتب العلمية أو الأطباء المتخصصين لمعرفة الجزء المطلوب من النبات للعلاج ونوعه الجيد، كذلك بلده وموطنه الأصلي حتى يكون أجود وأكثر فاعلية والتعرف على الأصناف المختلفة وأسعارها حتى لا يحدث غش أثناء الشراء ، وذلك من المتخصصين أو العطارين الكبار الموثوق فيهم. 4 - أهمية التخزين، فالأعشاب المخزنة في أماكن غير مناسبة (الأماكن المعتمة أو الرطبة) تنمو عليها فطريات وبكتيريا ، والفطريات أخطر وقد تؤدي إلى أضرار بالغة فيجب العناية بنوع التخزين بحيث تخزن الأعشاب في أماكن جيدة التهوية وتعرض للشمس قليلا، وتبعد تماما عن الأماكن الرطبة . كذلك يجب مراعاة خصائص بعض الأعشاب التي تحتاج لظروف خاصة مثل التجميد أو درجة متوسطة من البرودة، أو تلك التي تحفظ بعيدة عن الضوء إلى غير ذلك (بعض الزيوت ) . ولمعرفة سلامة العشب من سوء التخزين يتبع الآتي : - فحص الأعشاب فحصا دقيقا والتأكد من عدم تغير لونها أو ملمسها أو رائحتها. - إذا وجد تغير في الملمس أو الشكل أو الرائحة دل ذلك على وجود بكتيريا أو فطريات وإن لم تكن ظاهرة ، ويجب عدم استخدام تلك الأعشاب. ولا يؤثر التحميص أو الغسل لأن تلك الكائنات تفرز سموما على النبات غير مرئية قد لا تزول بالغسل أو التحميص . - إذا وجدت آثار تعفن أو تراكم للأعشاب فوق بعضها وتجمع مع وجود أمثال خيوط العنكبوت رابطة بينها دل ذلك على وجود فطر، فيجب التخلص من تلك الأعشاب فوراً. - إذا لم تكن للإنسان خبرة بعشب ما أو لا يعرفه ويخشى الغش فيمكنه اتباع الطريقة الآتية : يشتري كميات قليلة من نفس العشب من أكثر من تاجر ويقارن بينها وبالفطرة السليمة سيستدل على الأجود في الشكل والرائحة، وبالتالي يعرف الجيد من الرديء. - التعامل مع تجار الجملة الكبار الذين يتعاملون بالبيع والشراء كثيرا، فهذا أحرى ألا تخزن عندهم البضائع والشراء من العطارين الموثوق فيهم الذين لهم باع طويل في العطارة أو المتخصصين والبعد عن المحلات الصغيرة أو المستحدثة التي ليست لها خبرة بالعطارة. - الشراء من التجار الذين يعتنون بتخزين البضائع، فآخر «الشوال» تكون مختلطة بالأتربة وغير معرضة للتهوية وقريبة من رطوبة الأرض وبها ما هو مفتت من الثمار. - شراء الأعشاب سليمة دون طحن لسهولة التأكد من سلامتها وفحصها والتعرف عليها. - للحفاظ على الأعشاب في المنزل يجب مراعاة ما سبق مع التعرف على خصائص بعض الأعشاب،خصوصا الزيوت وطرق تخزينها من الكتب وهذا أفضل أو من العطار الموثوق به. { وماذا عن طريقة تحضير الوصفات الطبية بالأعشاب واستخدامها؟ طريقة التحضير تعتمد على نوع العشب سواء بالنقع كالعرقسوس أو بالغلي كالقرفة أو الشاي كأعشاب الكروية والينسون ، ويعتمد ذلك على درجة ذوبانها بالماء ودرجة الاستخلاص المطلوبة. وتعلم طرق التحضير من المتخصصين أو الكتب الموثوقة وترتبط طريقة التحضير بنوع الاستخدام والوصفة. طريقة الاستخدام كشرب أو دهان أو التقطير في الأنف أو غير ذلك وكذلك الجرعة ومدتها ووصفاتها وفوائدها ومحظوراتها ، وهنا يجب الاعتماد على الوصفات من الأطباء أو الكتب الطبية المضمونة ويجب تنفيذ الوصفة كما هي ومراقبة تأثيرها ومراجعتها مع الطبيب، وخصوصاً إن كان المريض يتعاطى أدوية كيميائية أخرى بصفة مستمرة وإن ظهرت أي أعراض جانبية يجب الامتناع عنها فورا ومراجعة الطبيب. فبعض الأعشاب والمشروبات قد تزيد نسبة تركيز الدواء في الدم بصورة كبيرة قد تكون خطرة وبعضها قد يقلل من تأثير الدواء وقد تتفاعل بعض الأعشاب مع بعضها البعض، لذا يفضل الفصل بين الأعشاب في الاستخدام، وخصوصا إذا كان يؤخذ دواء معه، فمثلا أي شيء فيه كالسيوم ومعه حديد تتفاعل مع بعضها وتفقد قيمة البعض، وزيت حبة البركة ينشط كيمائياً، لهذا يفضل أن يؤخذ منفرداً . { بماذا تنصح مستعملي الأعشاب الطبية ؟ أود أن أشير هنا إلى أمر مهم وهو خطأ يقع فيه بعض الناس ، وخاصة أولئك الذين يعانون من بعض الأمراض المزمنة كارتفاع الضغط أو السكر ، وهو أنه عندما يستخدمون هذه الأعشاب يتركون الأدوية التي وضعت لهم من قبل الطبيب، وهذا خطأ من ناحيتين، الأولى أن هذه الأدوية بجرعاتها المحددة التي يتناولونها مسيطرة على أعراض هذه الأمراض . وتركها قد يؤدي إلى انتكاسة شديدة للمريض، والناحية الأخرى أن هذه الأعشاب لم يتم اختبارها علميا وإذا اثبتت فعاليتها فإنه لا يعرف المقدار الذي تؤخذ به ، وإلى الآن لا يوجد نبات طبي أو عشبة لها القدرة على علاج هذه الأمراض المزمنة . هنا نود التأكيد على ضرورة تقنين استخدام هذه الأعشاب الطبية، خاصة وأنها تحتوي على العديد من المواد الفعالة، وكذلك إعطاء رخص وتصاريح لممارسة مهنة الطب الشعبي . في متاهات العلاج بالأعشاب توفق البعض في اختيار بعض الأعشاب ومعرفة خصائصها ومضارها ومنافعها وطرق تركيبها مع بعضها والجرعات التي ينبغي للمريض أن يستخدمها، وجاء الطب الحديث ليجعل كثيراً من هذه الأعشاب ، بعد تنقيتها وتعقيمها ، على شكل حبوب أو كبسولات أو شراب أو مراهم بطريقة علمية حديثه ، وفي الغالب تكون محفوظة في أوعية معقمة مرفق معها ما يبين للمريض طريقة استخدامها ، وإذا كانت مكونات هذه الأعشاب لا تناسب كل المرضى فهي لا تصرف إلا من قبل الطبيب المختص ، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصف للصحابة رضي الله عنهم بعض الأعشاب ويبين لهم منافعها ومضارها. وكتب الطب النبوي لموفق الدين البغدادي وابن القيم الجوزي وغيرهما جَمَعَتْ كثيراً من هذه الأحاديث الواردة في هذا الباب ، وتطرق ابن القيم الجوزي ، في علاج السحر إلى ما سماه بالاستفراغ، أي استفراغ مادة السحر، ومن هذا الباب أقحم كثيرٌ من الرقاة أنفسهم في متاهات العلاج بالأعشاب . والمعالجة بالأعشاب لا تتأتى للمرء إلا بالدراسة والبحث المستفيض لكل عشبة، أما أن يؤخذ علم الأعشاب من تلك الكتب التجارية التي ملأت رفوف المكتبات فهو من الجهل . عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ ». أخرجه النسائي ، وعند أبي داود يقول رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا طَبِيبٍ تَطَبَّبَ عَلَى قَوْمٍ لا يُعْرَفُ لَهُ تَطَبُّبٌ قَبْلَ ذَلِكَ فَأَعْنَتَ فَهُوَ ضَامِنٌ » (*) وقد بلغت درجة الاستهتار عند بعض المشعوذين وبعض المعالجين بالرقية الشرعية أنهم يأتون بمجموعة من الأعشاب التي ليست لها آثار جانبية ويجعلون فيها بعض الأعشاب الملينة أو الأعشاب التي تسبب الغثيان والتقيؤ ثم تسحق فلا يعلم ماهيتها، ويبيعونها إلى المرضى بأسعار خيالية، أو أنهم يأتون بأعشاب وردت في بعض الأحاديث أو في كتب التفسير مثل الحبة السوداء والسنا وورق السدر والعود الهندي وغيرها فيسحقونها مع بعض الأعشاب التي لها ألوان ورائحة قوية حتى لا يكتشف سر المهنة ثم تباع للمرضى. ---------------- (*) أَيْ تَكَلَّفَ فِي الطِّبّ فَهُوَ ضَامِن لِمَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ قَالَ الْمُوَفِّقُ أَنَّ مَنْ تَعَاطَى فِعْل الطِّبّ وَلَمْ يَتَقَدَّم لَهُ بِذَلِكَ سَابِقَة تَجْرِبَة فَتَلِفَ فَهُوَ ضَامِن، أيْ يُعَوِّضُ مَنْ تَضَرَّرَ بِفِعْلَهِ