الحمد لله، والذي لا يحمد على مكروه سواه، فقد صار لدينا خلال السنوات العشر الأخيرة في مراكش وبجهة مراكش تانسيفت الحوز مجموعة من الجمعيات المتشابهة، في أسماء المضاف والمضاف إليه، واختلطت علينا ألوانها ورموزها وأهدافها ومكاتبها الدائمة حتى بات من الصعب التفريق بين الجمعيات الحقيقية والجمعيات الشبحية، ومعرفة من يقف منها على الحقيقة والأسس القانونية ومن هو في الوسط ، وأي فرق بين جمعيات اللحية وجمعيات الشاشية وجمعيات الكاسكيطا. بدل أن تقترح مشاريع تنموية تتعلق بخدمة المخطط التنموي للمدينة و تقدم حلولا لمشاكل المراكشيين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، كما تصنع الجمعيات التي تحترم نفسها. وخلال السنوات الأخيرة، وصل معظم العمل الجمعوي في مراكش وبجهة مراكش تانسيفت الحوز إلى حضيض غير مسبوق، إذ نكاد نفتش المشهد المدني المراكشي بكامله،- بإستتناء بعض الجمعيات المعروفة المقر، الدائمة الإشتغال – ولا تعثر على فكرة واحدة تدفع هذا المجتمع المراكشي إلى الأمام. الشعارات استوطنت مكان المشاريع، والشتائم حلت مكان النقاش، وتبادل الاتهامات حلت محل استنطاق الأرقام وتحليل المعطيات.. لا ملصقات ولا مطويات، لا كتب ولا أفكار ولا مقترحات جدية. أما تلك السيدات المحترمات التي تسمى الجمعيات الشبابية، فلم يعد يهمّها إلا الرقص والغناء والتمثيل،وطلبات تنظيم المهرجانات ، مهرجانات للدقة، ومهرجانات ل “الركزة” ومهرجانات ل “هز يا وز”، جمعيات ربطت خصرها بمنديل أحمر وتحزمت وصعدت إلى المنصة بحثا عن الأضواء، بل بحثا عن “لغرامة”. وكأن الجميع تواطأ على الانصراف إلى الموسيقى والرقص والتصفيق والزغاريد، وترك بقية أشكال النضال الجمعوي من اهتمام بالمسنين والمهمشين والأرامل والمطرودين بتعسف من وظائفهم وذوي الحاجات الخاصة، وكل البيئية والثقافية بجهة مراكش تموت، وفي مقدمتها الكتاب.. والمعمار وهي ما أصبح يشكل ظاهرة تستحق الدراسة من الخبراء والمختصين . المراكشيون كمعظم المغاربة لا يقرؤون طبعا، ولكن عندما ننظر للكتب والمؤلفات التي تصدر من مراكش، وفي مراكش، وعن مراكش، نقول عندهم الحق “حتى هاذو كتوبا يقراهم الواحد؟!” نتساءل كالجميع أين مثقفات ومثقفو مراكش ممن كانوا ينتجون ويبدعون ويناقشون ويقترحون، نتساءل لماذا خفتت هذه الحيوية وأصابها الخمول بالتدريج، مع بداية الطفرة العقارية، وعولمة المدينة، بعد عشر سنوات، ولماذا كل المشاريع الكبيرة والصغيرة أفلست، وماتت الجمعيات الثقافية الجادة ، واحتضر النقاش الفكري، وتراجع الإنتاج الإبداعي، وطاح البق على بعض الكتاب وعلى “فرع اتحاد الكتاب”، وتحول الأدعياء إلى مثقفين ، وتهاطل النصابون على أبواب الأثرياء من المقاولين وبعض المنتخبين والمقيمين بالمدينة من الخليجيين ومن الأجانب الغربيين وممن يدفع أكثر، وحتى الكبار في مراكش وفي الجهة صمتوا لأسباب غامضة... للأسف ، اصبح لدينا في مراكش وفي غير مراكش جمعيات حولت مكاتبها إلى مراتع و ورشات نجارة لإنتاج قطع كبيرة من لغة الخشب ترميها في وجوه المواطنين العزل، بعيدة كل البعد عن التعامل مع أثير المحطات الإذاعية وأعمدة الجرائد و قنوات التلفزيون أو إصدار منشورات تعريفية أو تحسيسية أو تأطيرية، بل أن هناك جمعيات وللاسف شبابية لا تخجل في أن تضع رئيسا دائما لها، لا يأتيه الباطل لا بين يديه ولا من خلفه، والمضحك في الحكاية أن هذا الرئيس يدلل على وجوده الخالد، بتوزيع بطاقة زيارة Carte Visite ...على أعضاء الجمعية تحمل إسمه ورقم هاتفه المحمول،ليزيدوا هم إسمهم ورقم هاتفهم بقلم الحبر الجاف،على البطاقة في حالة ما إذا أرادوا أن يقدموا معلوماتهم للطالبين، عدوى قديمة وديناصورية إنتقلت للشباب.. يعني بالدارجة أن الرئيس الشاب الطامح لمغرب شاب، لايزال يحمل للأسف الشديد بين كتفيه عقلية قائد قبيلة من القرون الوسطى، عقلية تتفنن فقط في إصدار الشعارات وترديد الخطابات التي تتنزل علي صاحبها بلا إبداع ولا نقاش ولا حتى خيال، حتى إن بعض المراكشيين من متتبعي الشأن الجمعوي يتساءلون هل «التبلحيس» و«لحيس الكابة» للمنتخبين من رؤوساء الجماعات والبرلمانيين بات هو الطريقة الوحيدة لممارسة العمل الجمعوي عند أغلب الجمعيات “النشيطة” في جهة مراكش تانسيفت الحوز! مأساة هذه الجمعيات في جهتنا أنها تمارس العمل الجمعوي بلا مرجعيات فكرية، أو ملفات ميدانية، أو معطيات علمية أو استشارات خبراء . لا تعرف سوى منطق المشي في الظلمة، و”كور وإعط للأعور”، حتى وإن كان هذا الأعور عايق وفايق، ولا يشق له غبار. صراحة من يعول على جمعية تفتقد لكل هذه الخصوصيات الضرورية كمن يعول على شخص يمشي في الظلام كي يقوده، أو مثل من يغلق عينيه ويضع يده في يد أعمى كي يقطعان الطريق. للأسف الشديد أيضا أن التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية العميقة التي باتت تعيش المدينة على إيقاعها لم يواكبها أي نقاش فكري أو دراسات أو إنتاجات إبداعية في مستواها... أين كنا وإلى أين وصلنا؟ يبدو أن حس المثقف في مراقبة المدينة، واستشعار الجمعوي لأسباب التنمية المحلية أصيب بأزمة قلبية أدخلته إلى الكوما، وهو يرقد منذ سنوات في قسم العناية المركزة،زعما “بيت الخطر” دون أن يزوره أحد. وبيني وبينكم لا نعرف “أشمن سبيطار” في مراكش.