يرى الأستاذ المختار بنعبدلاوي أن بعض الجمعيات مسؤولة عن عدد من التضييقات التي تمس عمل الجمعيات، ويعتبر أن التقارير الدولية الصادرة بشأن حرية تأسيس الجمعيات، لا تميز بين منظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، ويتفق حول ضرورة تضييق البون بين النص القانوني، والممارسة الجارية على أرض الواقع، وملاءمة القوانين الوطنية مع المرجعيات الكونية.فيما يعتبر أن هناك نظاما ترخيصيا غير مباشر.ويؤكد أن المطلوب هو التمييز بين وظيفة كل من الأمن و الإدارة والقضاء، وتقسيم المهام فيما بينهم وفق ما ينص عليه القانون. وحول ضرورة تعديل قانون تأسيس الجمعيات يرى أن هناك حاجة موضوعية وفعلية لتعديل هذا القانون. -1- ما هو تعليقكم على تقرير «هيومان رايتس ووتش» حول حرية تكوين الجمعيات؟ لا يمكن أن يكون لي حكم إجمالي على التقرير. هناك شق أتحفظ عليه بوضوح، وهو الذي لا يميز بين وظائف المجتمع المدني والأحزاب السياسية. جمعيات المجتمع المدني لا يفترض فيها أن تنخرط في العمل السياسي المباشر، وهي تعمل من أجل إقرار مبادئ عامة، تخدم جميع مكونات المجتمع. في مقابل ذلك، تتخفى بعض الحركات السياسية أحيانا وراء قناع مدني، وتمارس أنشطة ذات طبيعة سياسية مباشرة. إن هذه الجمعيات لا تخالف قوانينها الأساسية، في كثير من الأحيان، وتعرض نفسها للمتابعة القانونية فحسب، بل هي مسؤولة كذلك عن عدد من التضييقات التي تمس عمل الجمعيات، بسبب الممارسات التي تلجأ إليها. إلى جانب ذلك؛ أنا أرى أن العمل الجمعوي يجب أن يتم إلا في إطار القانون، والقانون قبل كل شيء ينطلق من أساس وطني ومدني، يفترض أن يسهم في ترسيخ عرى الوحدة الوطنية، والاندماج المجتمعي وليس العكس. من جهة أخرى، لا تخلو عدد من النقط التي وردت في التقرير من وجاهة، لا سيما ما يخص ملاءمة القوانين الوطنية مع المرجعيات الكونية، وضرورة تضييق البون بين النص القانوني والممارسة الجارية على الأرض. -2- هل التزم التقرير بمعايير الموضوعية خاصة أن التقرير السنوي عن حالة حقوق الإنسانبالمغرب 2004الصادر عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان أشار إلى نفس الملاحظات . لا يمكن أن ندعي أن هناك تقارير موضوعية تماما... هناك دائما قدر من الذاتية يتسلل إلى أي تقرير. وربما أن هذا القدر من الذاتية هو ما يسمح باستمرار المراجعة والتطوير. أنا أعرف أن عددا من أعضاء المكتب التنفيذي للمنظمة يتابعون ما يجري في المغرب عن كثب، لكن هذا لا يعني البتة أنهم يتفقون مع الفاعلين في الحقل الجمعوي المغربي في تحليل بعض المعوقات أو في تشخيص أسبابها أو حتى أسلوب تدبيرها. إن كثيرا من الفاعلين في حقل المجتمع المدني في المغرب لا يكتفون بالوقوف عند الوقائع الحقوقية بل يعون سياقها السياسي والتاريخي جيدا. لذلك فهم ينظرون إلى ما يجري في الصحراء المغربية من منظور وطني أولا، أخذا بعين الاعتبار أنه لا مجال للمقارنة بين الوضعية الاجتماعية والحقوقية للصحراويين المغاربة في الجنوب ووضعية اللاجئين في مخيمات الحمادة. 3- هل هناك نظام ترخيصيأثناء الممارسة فيما يتعلق بتأسيس الجمعيات؟ إذا أردت أن أبني حكمي على النص القانوني، لا سيما قانون الجمعيات المعدل 2002 فإنه لا وجود لنظام ترخيصي، لا سيما وأن النص القانوني حدد بدائل يمكن اللجوء إليها في حال تعذر وضع الملف باليد. أما إذا كان المقصود هو الممارسة، فيمكن القول أن هناك نظاما ترخيصيا غير مباشر. إن مودع ملف الجمعية رغم أنه يستوفي جميع شروط التسجيل إلا أنه لا يتوفر على أية ضمانة للحصول على الوصل بعد الإيداع، وتزداد هذه الوضعية تعقيدا إذا لم ينجح المودع في تسجيل ملفه في كتابة الضبط بالإدارة المعنية. 4- ما هو الإشكال القانوني الذي يطرحه عدم تسليم وصل إيداع مؤقت ونهائي؟ هذا الإشكال متعدد الأوجه. المودع في هذه الحالة، حتى بعد انصرام المدة التي ينص عليها القانون، لا يستطيع أن يضمن السير العادي للجمعية. بدون وصل إيداع، لن يستطيع استئجار مقر، ولا أن يتوفر على ختم للوثائق الإدارية، ولا فتح حساب بنكي، ولا حتى القيام بأنشطة عمومية، لأن طلب القاعة يقتضي أحيانا التوفر على هذا الوصل. وقد لا يقف الأمر عند هذا الحد. إذا لم يكن المعني يتوفر على أي إثبات بإيداع الملف، يمكن أن يكون عرضة للمتابعة القانونية، في حال قيامه باجتماعات أو بأنشطة عمومية. 5- ما مدى قانونية الجمعيات التي لم تستطع الحصول على وصل الإيداع؟ أنت لم تحدد هنا هل يتعلق الأمر بالوصل المؤقت أو النهائي. إذا كان المر يتعلق بالوصل المؤقت، فسوف أستنجد بمصطلحات فلسفية لكي أقول لك: إن الجمعيات التي قام مؤسسوها بإيداع الملف، دون أن يحصلوا على وصل إيداع مؤقت أو نهائي، بعد ستين يوما: قانونية بالقوة لكنها غير قانونية بالفعل... مشروعة ولكنها ليست شرعية. أما إذا كانت تتوفر على وصل مؤقت فإن من يتحمل مسؤولية التأخير في تسليم الوصل النهائي في هذه الحالة هو السلطة الإدارية المعنية. في كلتا هاتين الفرضيتين نحن أمام حالتين خضعت فيهما الجمعيات للمساطر القانونية لكنها لم تصل إلى النتائج التي يفترض أن تصل إليها، وهو ما لا يتطابق ومفهوم دولة القانون. إن دولة القانون تتحقق بصورة فعلية عندما تفضي المسطرة القانونية بصورة عادية إلى النتائج المحددة بحكم القانون. 6- ما الجهة المخول لها النظر في تصريحات تأسيس الجمعيات لترسيخ مبادئ الديمقراطية والشفافية، القضاء أم الداخلية؟ ليس عيبا ولا نقيصة أن نتحدث عن الحاجة الأمنية للدولة الديمقراطية. كل مجتمع بحاجة إلى الأمن، بما في ذلك كل ما يتعلق بأنشطة الجمعيات. ما هو مطلوب هنا هو التمييز الواضح بين وظيفة كل من الأمن والإدارة والقضاء، وتقسيم المهام حسب ما ينص عليه القانون، سواء تعلق الأمر بالتأسيس أو النشاط أو التوقيف أو الحل... وفي كل مراحل الحياة الجمعوية. 7- ألا تعتقد أن الدولة تتدخل بأجهزتها في شؤون الجمعيات من خلال الإشراف على مسطرة التأسيس؟ ينص القانون على جواز حضور ممثل للسلطة العمومية في الجموع العامة، وحسب علمي فهو لا يتدخل في مجريات الاجتماع، بل يكتفي بكتابة تقريره ورفعه إلى من يهمه الأمر. وبما أن الجمعيات تعمل في إطار القانون، وليس لديها ما تخفيه فأنا لا يضايقني شخصيا حضور مثل هذا العون. 8-هل هناك تعارض بين الفصل3 من قانون تأسيس الجمعيات والمادة22 من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية والذي صادق عليه المغرب؟ تتضمن المادة 22 ثلاثة بنود: 1"- لكل فرد الحق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه. 2- لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق. 3- ليس في هذه المادة أي حكم يجيز للدول الأطراف في اتفاقية منظمة العمل الدولية المعقودة عام 1948 بشأن الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي اتخاذ تدابير تشريعية من شأنها، أو تطبيق القانون بطريقة من شأنها أن تخل بالضمانات المنصوص عليها في تلك الاتفاقية" (انتهى النص) على المستوى النظري يستوفي المغرب جزء كبيرا من الشروط الواردة في هذه المادة... المشكلة فيما يتعلق بقانون 2002 أن الصعوبات والمعوقات على مستوى الممارسة والتطبيق أكثر تعقيدا من تلك الموجودة في النص. مع ذلك، إذا قارنا الضمانات التي يوفرها قانون الجمعيات في المغرب مع ما هو عليه الحال في بقية البلدان العربية (باستثناء لبنان) فإن القوانين المغربية متقدمة بما لا يقاس... إنه ليس مبررا لعدم السعي إلى تطوير قوانيننا لكنه معيار أساسي يساعدنا على معرفة وضعيتنا بالعلاقة مع الاخرين. 9- هل هناك ضرورة ملحة لتعديل قانون تأسيس الجمعيات من أجل ملاءمته مع العهود الدولية كما ينص على ذلك الدستور؟ أم أن المشكل يتلخص في عدم احترام القانون الحالي؟ نعم، هناك حاجة موضوعية وفعلية لتعديل قانون الجمعيات، وقد نظم مركز «مدى» يوما دراسيا خرج فيه بمجموعة من التوصيات التي غطتها الصحافة الوطنية بصورة واسعة. ما نسعى إلى التنبيه إليه هو أن تغيير القانون لا يكفي بل من الواجب كذلك إعمال هذا القانون واحترامه، سواء من طرف الجمعيات أو من طرف الموظفين الذين يمثلون السلطة المحلية. إن رصيد الحرية الذي نتمتع به في المغرب، بالمقارنة مع عدد من المجتمعات العربية الأخرى، هو ما يجعل مجتمعنا مجتمعا حيا، ويفسح المجال لتداول الأفكار وتفاعلها، ويشجع على الخلق والابتكار. إن هذا المكسب المتحقق من حياة جمعوية حرة ومفتوحة هو مكسب لا يقدر بثمن بالنسبة لكل المغاربة، فهو بالإضافة إلى أنه يجعل منا مجتمعا حيا، يساهم في تعزيز الاستقرار ويضمن التطور السلمي للمجتمع، ويؤسس لدولة القانون والمؤسسات.