أكد المختار بنعبدلاوي، أستاذ جامعي بالبيضاء، ورئيس مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية مدى أن «مجال العمل في المجتمع المدني هو مجال للانطلاق والحرية، لذلك يرفض عدد من الفاعلين استمرار تظليل سمائه، بعد التعديلات التي جرى إدخالها سنة 2002، بعدد من البنود السالبة للحريات». وأضاف بنعبدلاوي، خلال اليوم الدراسي الذي نظمه مركز مدى بتعاون مع مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية، صباح أمس الثلاثاء بالبيضاء، «إن المنطق السليم، والتطبيق الحصيف لروح القانون يقتضي شطب هذه البنود، والإحالة إلى القانون الجنائي عندما تقع تجاوزات تقتضي مثل هذه الإحالة وهي نفس الملاحظة التي يمكن أن تسري على قانون الصحافة». وأكد بنعبدلاوي، خلال الجلسة الصباحية من اليوم الدراسي المنظم تحت شعار:«قانون الجمعيات بين مطالب الإصلاح الوطني والمواثيق الدولية»، أن «التوصيات التي انبثقت عن عدد من الملتقيات التنسيقية، والتي رفعها ائتلاف واسع من الجمعيات المغربية للسلطة الحكومية المختصة لم تعرف طريقها إلى نص المدونة الجديدة، مما جعلها لا تستوفي متطلبات الفعل المدني الحر ولا المعايير التي تتضمنها المواثيق الدولية أو تلك التي نصت عليها وثيقة الشراكة»، وأبرز أن «هناك اليوم اتفاق واسع بين مكونات الحياة الجمعوية على ضرورة سد النقص الذي يحد من الانسياب الحر لعديد مبادراتها، وهو نقص متعدد يعتري النص القانوني، ومحيط الفعل لمبادرات الجمعيات والتزامات الدولة المادية والمعنوية تجاهها إلى جانب المسافة التي لا زالت تفصل بين منطوق القانون وتطبيقه على الأرض. وشخص بنعبدلاوي أوجه النقص في قانون الجمعيات الحالي، منها أن العمل الجمعوي يقوم على تقديم خدمة عمومية تطوعية موجهة إلى المجتمع دون أهداف ربحية، ومع ذلك يخضع مؤسسو الجمعيات لدفع رسوم مرتفعة، وهو ما يشكل عائقا حقيقيا أمام عدد من الجمعيات، منذ لحظة التأسيس الأولى، سيما ما يتعلق بجمعيات نسوية في الجبال أو جمعيات المعطلين أو ذوي الاحتياجات الخاصة أو الأحياء المهمشة، ما يجعل هذه المبادرات توأد في مهدها، لذا تطالب الجمعيات بإعفائها من الرسوم التي يتطلبها إعداد ملف التصريح. ومن بين أوجه القصور التي تعتري قانون الجمعيات الحالي، في نظر بنعبدلاوي، الطابع التمييزي والانتقائي في منح صفة «الجمعية ذات النفع العام»، بحيث تستفيد منها بعض الجمعيات دون البعض الآخر، بناء على اعتبارات، اعتبرها المتحدث، «لا تتسم بالشفافية، وتتمتع فيها الجهات المقررة بسلطة تقديرية واسعة»، ومنه فإن مطلب الحركة الجمعوية في المغرب، حسب المتحدث، هو إقرار إجراءات قانونية تتسم بالحياد والشفافية والموضوعية لإقرار هذه الصفة. كما أن عددا من منظمات المجتمع المدني، يقول بنعبدلاوي، أصبحت «تتصرف كنواد خاصة مغلقة أو كمنتديات نخبوية معزولة عن مجتمعاتها بسبب عدم فتح العضوية وإبقاء هياكلها راكدة أو بسبب استعمال لغة ورموز خارج فهم أو إدراك الشرائح الأوسع داخل المجتمع، وهو ما يحد من فعاليتها ويعزلها داخل مجتمعاتها. وهناك جمعيات، في رأي المتحدث، «لا تؤدي مهامها على الوجه الدقيق، فهي إما تقترب من الحكومات إلى درجة أنها تصبح مجرد آلية لتنفيذ السياسات الحكومية أو تعمل كما كانت حزبا سياسيا معارضا، وفي الحالتين هناك ابتعاد عن مقتضيات عمل المجتمع المدني الذي ينبني على الاستقلالية، والاقتراح والمبادرة وعلى المقاربة التشاركية الاجتماعية والثقافية والنقدية. ولم يفت المتحدث خلال الورقة/ الأرضية، التي تقدم بها خلال الجلسة الصباحية، أن ينوه بالإصلاحات التي جاء بها قانون 2002، منها رفع بعض العوائق القانونية أمام المجتمع المدني، وتبسيط الإجراءات المتعلقة بالتصريح بالجمعيات، ثم إفساح المجال أمام جمعيات المجتمع المدني للاستفادة من التمويلات الأجنبية على خلاف ما يسمح به القانون للأحزاب السياسية، ومن أهم الإصلاحات كذلك، إرجاع صلاحية حل أو توقيف الجمعيات من السلطة التنفيذية إلى القضاء، وتمكين المصرحين بالجمعية من وضع ملفاتهم عن طريق العون القضائي أو بالبريد المسجل في حال استعصاء وضع الملف باليد. وتداول المشاركون في اليوم الدراسي في عدة محاور، تتعلق ب«قانون الجمعيات في المغرب: المكاسب والتراجعات»، و«قانون الجمعيات في المغرب بين النظرية والممارسة»، ثم «قانون الجمعيات في المغرب: مرتكزات الإصلاح»، أما المحور الأخير فيتعلق بالتوصيات التي سيتم تقديمها سواء على المستوى التشريعي أو على مستوى المجتمع المدني أو الإعلامي.