طبيعة المادة التربوية: الأجواء السائدة في المحاضن التربوية يغلب عليها سيادة "ثقافة الفقه" والحديث عن الموانع والضواغط والضوابط، بدلا من اليسر والتيسير والحديث عن دائرة المباح في المنظومة الإسلامية، ونلاحظ أن البرامج التربوية لبعض هذه التنظيمات الإسلامية تكرس مقولة لابد من التربية على يد الشيخ، مع أن التزكية والتربية عملية تتم بالقرآن والمثل الأعلى الرسول صلى الله عليه وسلم، دون حاجة لمربي ومعلم، لأن القرآن تكفل بهذه المهمة، وتعرض "الأسوة" بمعنى يعيد الآبائية والتقليد، وقد تولد نتيجة هذا الخطاب التربوي حالة العجز والفتور الناجم عن قولهم بأننا يجب أن نرجع كما كان الجيل الأول جيل عصر النبوة، وهذا خطأ منهجي فظيع، فيجب أن نكون كما كان ذلك الجيل وليس أن نرجع كما كان. وإذا أمعنا النظر في الخلفية المرجعية، المؤطرة لسلوك "المنتظم" التي تشي بنوعمن الانغلاق والانعزال في بعض الحالات والمواقف، فإنها تعود بالأساس للعقلية الفكرية الجامدة، التي تطغى عليها الفقهيات "ثقافة الفقه" والاهتمام الزائد بالسلوكيات الشخصية الفردية الجزئية المرتبطة بمناخ جغرافي ومكاني معين، يتم إحيائها والعمل على تأصيلها تأصيلا تعسفيا، لا يراعي روح النصوص الحديثية وسياقاتها التاريخية، وهكذا تسربت إلى ذهنية المربي والمتربي ثقافة تاريخية تجد جذورها في عصور الانحطاط. وعندما يحصل تراكم مجموعة من التمظهرات السلوكية، تفرز لنا بشكل حتمي، ثقافة نمطية تكتسب عبر خليط من الأفراد بمختلف أعمارهم ومعارفهم ومكاسبهم في الحياة، ومع مرور الزمن تتشكل الشخصية النمطية، التي سرعان ما تتحول نحو نزوع طائفي حزبي ضيق، وبذلك لا يستطيع الانفكاك من النسق التنظيمي، ولا حتى التفكير في فك الارتهان به، وهكذا يصبح التنظيم الإسلامي بمثابة ملجأ للحصول على الأمن النفسي، ومن هنا تتشكل تلك المفاصلة مع المجتمع دون شعور، وإن كان الاعتقاد لدى بعض أعضاء التنظيمات الإسلامية عكس ذلك، فيتولد ذلك الشعور الخفي بأن الإسلام لن يعود لسابق مجده إلا من خلال التنظيم، من هنا تبرز أهمية وضرورة المراجعة الصارمة والجذرية للنسق الفكري والتربوي خاصة في بعده الطقوسي/ الشكلي، ومن تم فالتجديد إذا لم يبنى على خلفية فكرية واضحة المعالم تتأسس على التركيز على صلاح الباطن، وبث قيم الوحي عبر ممارستها وتطابقها مع القيم الحياتية، بعيدا عن ثقافة الفقه المبنية على الحكم على الآخرين، لذلك ينبغي أن يكون النظر للآخر على أساس العفو والرحمة، ومحبة الإنسانية جمعاء.