لا يمكن الإحاطة بأسباب الهشاشة الحزبية المغربية في الوقت الراهن أو محاولة تشريح تناقضات الواقع المرير لمآل هذه التنظيمات وأزماتها البنيوية المستمرة دونما تفكيك لمجموعة من المفاهيم المرتبطة بها , والقيام بإطلالة على تاريخها وسياقها العام بشكل موجز . إن تشظيالعمل الحزبي المغربي , والأمراض المزمنة التي يعاني منها , تجد جذورها أساسا في عمق بنيةالممارسة السياسية في المغرب . إن هذا المستنقع السياسي الذي يلطخ كل من يقترب منه ويأكل معظم من يضع رجليه في هذا الطريق ليس وليد اللحظة , كما أنه ليس حالة مزاجية وظرفية . طبعا ثمة إشكاليات ذاتية وأخرى موضوعية , ثمة فارق كبير بين الأحزاب التي تأسست في ظروف نضالية ونظيراتها التي خرجت من مطبخ القصر الملكي ووزارة الداخلية , ثمة تباين بين الأحزاب التاريخية والناشئة حديثا ... لكن بالمقابل ثمة وضعية مشتركة متأزمة راهنة تجعل كل الأحزاب تتشابه أو على الأقل تبدو متشابهة ... طالما نسمع من طرف النخب السياسية أوالمخزن المغربي أو الرأي العام تعبيرات كثيرة تؤكد أن الأحزاب السياسية المغربية لا تقوم بأدوارها بشكل صحيح , بل تحمل هذه الأحزاب لوحدها في أحايين كثيرة أوزار الواقع المتردي الذي وصلت إليه الممارسة السياسية في المغرب, هذا صحيح إلى حد كبير , إلا أنه لا ينبغي إغفال السياق العام الذي قاد هذه الأحزاب إلى الحضيض. لا ينتطح كبشان في أن الأحزاب المغربية مصابة بالشلل السياسي , وغير قادرة على تأطير وتعبئة الجماهير خلفها . كما أنها غير قادرة تماما على الإقناع والتأثير في الرأي العام على نطاق واسع . وذلك بسبب الأمراض الكثيرة التي تعاني منها . هذه الأمراض المزمنة تجعل غالبية الأحزاب السياسية في مرحلة تتراوح بين الحياة والموت , وتجعلها في حاجة مستمرة للتنفس الإصطناعي . طبعا , إن المخزن المغربي هو من يتكفل بالعناية بأرواح تلك الأحزاب . إن هذا الغضب الشعبي العفوي من الأحزاب السياسية المغربية له مبرراته الموضوعية , لكننا بالمقابل يجب الإنتباه إلى السياق السياسي وطبيعة الصراعات كما أشرنا إليها سالفا . إن الحالة الرمادية التي وصلت إليها معظم الأحزاب في المغرب لا تكمن فقط في مشاكلها الداخلية أوفي إنتهازية قياداتها أو في أخطاءها التكتيكية , بل هي أيضا نتيجة لصراعاستمر بين القصر الملكي المغربي وتلك الأحزاب المعارضة لمدة تفوق نصف قرن , حيث تمكن القصر الملكي من الإنتصار في هذه المعركة الأولى بشكل ساحق . إن الصراع الذي دار بين الطرفين لم يكن له إلا إحتمالين : هزيمة الأحزابأو انهيار القصر الملكي . وخارج ذلك الصراع الضاري بين النقيضين , ثمة عوامل وميكانيزمات كان لها الكثير من الأهمية أيضا في رسم خريطة الأحزاب السياسية وأحجامها . نقصد هنا , الأرضية السياسية العامة التي تحكمها الثقافة والتاريخ والإيديولوجيا والدين ... لذلك كله , علينا أن ننظر إلى جوهر أسباب الأزمة الحزبية في المغرب بشكل شمولي وليس فقط بانطباعات ذاتية . إن طبيعة الصراع السياسي حول السلطة وأشكاله تغيرت بالتغيرات العميقة التي عرفتها الساحة السياسية داخليا وخارجيا , لكنه من البديهي أن يظل ذلكالصراع موجودا لأن السياسة في عمقها هي البحث من أجل الوصول إلى السلطة , ولا وجود مطلقا لأي أفق حزبي أو سياسي عموما دون أن يصب جوهره في العمل على امتلاك سلطة القرار كاملة غير منقوصة , وليس فقط تنفيذ قرارات القصر الملكي المالك لكل الصلاحيات والسلط ... يتبع....