عن موقع ريشا بريس www.richapress.com http://www.richapress.com عندما ترتفع لغة العقيدة بشكل أعمى , وتسري الإيديولوجيا في العروق البشرية مثل دم مسموم , لن يظهر في الأفق سوى غيوم بلون الألم . ذلك الذي جرى في مدينة العيون يوم 8 نونبر , ليس في حقيقة الأمر سوى صدى الإنسان ذاته : أحلام , كوابيس , أوهام , أعطاب , وحدة , متهات , عزلة , سلطة , مشاعر , أكاذيب , مجهول , أصنام ... ثم دم , ودم , ودم . لا ينفي أحد أن الأحداث التي تطايرت في أرجاء المدينة هي واقع أليف في المخيلة البشرية رغم كل قساوتها , ليست مرضا حديثا إنتشر فجأة , ولا زلزالا يصدم العقل والفكر . إنها خلاصة الإنسان نفسه بكل تاريخه ومستقبله . الأوهام التي قادت الأفراد نحو نهايتهم , هي ما يقود المجموعات البشرية لحتفها , عبر كل هذا السفر من أجل الوصول إلى المفهوم الثقافي المتقدم للإنسان . إن أزمتنا الجوهرية لا تكمن فقط في تخلفنا وعدم قدرتنا على إنتاج مؤسسات مجتمعية كالدولة أو الديموقراطية أو العقد الإجتماعي أو أنظمة السلطة , ولا يكمن أيضا في الخرافات الأخلاقية من قبيل الحرية والمساواة والعدالة ... صحيح أننا خرجنا من قوقعة صغيرة نحو قوقعة أكبر حجما , لكن المأساة أننا لا زلنا نسافر بين القوقعتين . إضافة , لا بد أن لا ننسى خطورة الإنتقال من حياة الطبيعة إلى الثقافة . نونبر العيون أو ماي البيضاء أو شتنبر أمريكا أو الحياة اليومية لأفغانستان والعراق والصومال ... وهلم جرا , هي صفحات مختلفة فقط ترقيمها في نفس الكتاب , ولنفس المؤلف الذي يحمل إسم العنف ضد الحياة , قنوات التيليفزيونات مكدسة عن آخرها بأخبار القتلى من شرق المعمورة إلى غربها , من شمالها إلى جنوبها . بل , وحتى في أوقات التسلية أصبحت أفلام القتل تملأها عن آخرها من أجل إشباع غرائز المشاهد المتعطش للدماء . حقيقة , أنظر إلى نونبر العيون بالطريقة ذاتها التي أقرأ بها قصاصة عن قتل زوج لزوجته في قرية نائية , عن موت متشرد في حديقة عامة , عن إنتحار فتاة بعد ممارسة جنسية خارج إطار الزواج ... تأتيني المشاعر الرمادية ذاتها لا أقل ولا أكثر , المشاعر التي أصبحت كجار وديع يرافقني . بل حتى أن القتلى القادمين إلي كل صباح عبر صفحات الجرائد من المغرب يفوقون قتلى نونبر العيون بعشرات المرات . ورغم ذلك , أجدني متورطا في الكتابة حول ما حدث . للغوص في هذه البحيرة , ليس من ذلك بد, أن نصادف في طريقنا قطاع طرق وقراصنة وخرائط ممزقة وجزيرة الكنز وببغاءات تردد ما يمليه عليها أسيادها وحكايات تحت الطاولة ... بداية , إن المواطن البسيط هو من يدفع ثمن حماقات حكامه . إن النظام السياسي المغربي ليس حملا وديعا مجنيا عليه , والبروباغندا التي تقوم بها الدولة المغربية والممثل الفاشل الناصري لن تستطيع أن تحجب الشمس بالغربال . النظام السياسي هو أخطبوط يضرب بقسوة في كل إتجاه , وحش طاعن في الديكتاتورية وانتهاكات حقوق الإنسان . إن الأجهزة الأمنية المغربية تتجه للقمع الداخلي والتنكيل بالمواطنين المغاربة أكثر مما تتوجه للدفاع عن ما يسمى في الأدبيات السياسية بمصلحة الوطن . وهذا يستوعبه جيدا أعضاء الجمعيات والمنظمات السياسية وتجمعات المجتمع المدني التي ذاقت من هراوات المخزن ما شاء لها المخزن أن تذوق . إن القمع السياسي في المغرب , وفي الصحراء خاصة لا يمكن في كل الأحوال إلا أن يولد عنفا مضادا . يحاول النظام السياسي أن يمارس لعبة البيع والشراء التي اعتادها عوض الذهاب نحو الإصلاحات الديموقراطية الحقيقية والإنفتاح على حقوق الإنسان وحرية التعبير كعربون بداية صفحة سياسية جديدة , وذلك طبعا لأنها أقل تكلفة لصالح النظام الملكي المخزني المغربي . وهكذا " كما هو الحال في كل أنحاء المغرب " , حيث وضع خطاطات ومؤسسات يضمن من خلالها التحالف مع الأعيان وذوي النفوذ المالي والعشائري , والتي في نهاية المطاف لن يستفيد منها المواطن البسيط سوى التجويع والتفقير واللامساواة . الحال الذي معه شخصيا , لو كنت مواطنا بسيطا فسأطالب بالإستقلال عن النظام المغربي الديكتاتوري في أول فرصة تتاح ما دام أمل التغيير معدوما . الخطأ الثاني في تعامله مع القضية , والذي ذات صلة بأحداث العيون , هو الإعلان مباشرة بعد التجمع أن المخيم لا علاقة له بالمطالب السياسية لتمويه الرأي العام الداخلي والصحراوي . فلماذا كل مرة يتسارع أذيال النظام المخزني لترويج الأكاذيب من أجل مغالطة الشعب ؟؟؟ طبعا , في اعتقادهم أن الشعب لا ناقة ولا جمل له في المسألة ,وعليه أن يترك الأمور السياسية للنظام الملكي ... وليس الأمر هنا لذكر آلاف الأخطاء التي ارتكبها ويرتكبها النظام المخزني المغربي ضد مواطنيه وضد المطالبين باستقلالهم عن المغرب , لأن المجال لا يسمح بذلك . أما الذين سقطوا موتى من الأمن المغربي على يد المطالبين بالاستقلال فنأسف لهم مرتين : مرة لأنهم ماتوا . ومرة لأنهم يساهمون في بناء الديكتاتورية المغربية ضد أبناء جلدتهم , وهم الذين تمتد هراواتهم لظهر المواطنين بكل حصانة , كان آخرها مقتل المواطن المغربي فضيل ابركان على يد الشرطة في إحدى كوميساريات الملك محمد السادس , والتي لا زلنا لم نسمع من السيد الناصري أي إعلان واحد رسمي للحكومة لما وصل إليه ملف متابعة قتلته , في حين طلع علينا بعشرات اللقاءات في قضية العيون ... فإن كان يعتبر السيد الناصري أن الأرض أقدس من الإنسان , فعليه أن يكف عن ذكر القتلى من الشرطة التي دفعت بهم الدولة إلى المخيم . وإن كان يعتبر أن الإنسان مقدسا , فعليه أن يهتم بقضية فضيل أبركان أكثر من اهتمامه بالصحراء ... أما مسألة الصحراويين المطالبين بالإستقلال , فشخصيا أومن بالوحدة أكثر من الإنقسام , بالحوار السلمي أكثر من العنف الثوري ... ومفاهيم مثل الدولة والنظام السياسي أمور يطول شرحها في مقال واحد . ربما نتطرق لها مستقبلا . لكن لا بد من الإشارة أن الدول هي مفاهيم ولدت حديثا , كما أنه كل ما يولد هو خاضع لشروط التحولات والموت . بالإضافة إلى أن الدول الثالثية " خاصة من بينها دول افريقيا " , لم تنتجها شروط محلية , بل هي نتاج لتقسيمات استعمارية خضعت لمصالح قوى امبريالية أكثر من اعتمادها على مكونات وركائز ذاتية وهو ما يفسر التناحرات القبلية في دول افريقية عديدة , بل إن الكثيرين يدعون إلى إعادة تقسيم الدول من جديد حتى تصبح أكثر انسجاما... وكما قلنا فهذا أمر يطول تفصيله ... إننا ضد العنف الثوري الذي قام به الصحراويين المطالبين بالإستقلال , ليس انحيازا لجهة ما ضد أخرى , ولكن , بالطريقة ذاتها التي نحن بها ضد العنف الذي تقوم به بعض الحركات الفلسطينية التحررية . إن العنف فعل همجي خاصة إن كان صادرا ضد أبرياء لا علاقة لهم بمجريات القضية . إن الصحراء أولا وأخيرا هي للصحراويين , سواء في ظل حكومة مغربية أو حكومة مستقلة , وهم أدرى بأمورهم . وينبغي أن يفسح النظام المغربي الباب للشعب الصحراوي من أجل حرية التعبير وممارسة السياسة حقيقة , لكي يتخذ قراراته بكل مسؤولية . وليس الحرية للشعب الصحراوي وحده فقط , بل لكل المغاربة ... الخوف , كل الخوف هو أن يسقط إخواننا الصحراويين ذات يوم , إن اختاروا الإستقلال , بين مخالب عصابات سياسية أكثر قسوة من النظام المغربي ... Journalisme123@ hotmail.com