لقد حدث ما توقعته في المقال الأخير ضمن هاته الزاوية قبل اسبوعين من الإثنين الأسود . تشتيت مخيم كديم إزيك بالقوة المفرطة حسب ماذكره مسؤول الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالعيون . التوقع لم يكن فعل تنجيم أوقراءة فنجان المستقبل . ففض التجمعات النضالية والإعتصامات المطلبية بالعنف المخزني الأعمى هي الوسيلة الوحيدة التي يتقنها صناع المآسي بالرباط إلى الحد الذي أصبح القمع عادة حليمة الأولى والأخيرة . وتدخلها الهمجي على مخيم ضواحي العيون منسجم تماما وطبيعتها كدولة متسلطة لنظام تبعي عميل . والذي ينتظر تنديدا فعليا من إسبانيا او فرنسا أو امريكا فإنه لايفهم بعد معنى أن تكون تبعيا إقتصاديا وسياسيا . وقد لمح وزير الخارجية المغربي إلى إبلاغه مايسميه الدول الصديقة بطبيعة الهجوم ووقته . فلو كانت نوايا الدولة المغربية في ماتسميه الحوار مع المعتصمين جدية في الإستجابة لمطالبهم كما تروج له البروباكاندا المخزنية لما حولت العيون إلى منطقة محاصرة منذ اليوم الأول للنزوح ومنعت الصحفيين ماعدا ببغاوات وكالة المغرب للأنباء الرسمية من الدخول إليها لنقل الأحداث بوجهات نظر مختلفة حتى يستطيع المغاربة كمعنيين بالدرجة الأولى من رسم صورة حقيقية لما يحدث وإصدار الموقف الموضوعي . فرغم مرور اسبوع على التدخل لا وسيلة إعلامية مسموح لها الوصول إلى العيون للتقصي ونقل خبر يختلف عن القراءة الرسمية وكأن النظام إرتكب جريمة ويحاول طمس معالمها . وماعدا مقاطع فيديو وصور هواة سربت إلى الشبكة العنكبوتية فالغموض هو سيد الميدان . وهذا ما أعطى الفرصة لمختلف الأطراف كل حسب مصالحه ليروج لأخبار قد تكون صحيحة كما قد تكون مغلوطة . لن اتطرق في هذا المقال للمشكل السياسي لقضية الصحراء وتشعباته التي تمتد جذوره إلى خمسين ستة خلت وإلى مفاهيم حساسة يتعامل معها غالبا بسطحية وقليلا بإديولوجية مثل مفهوم الشعب ومفهوم حق تقرير المصير والتي تستعملها القوى الإمبريالية حسب هوى مصالحها تارة في طبيعتها التقدمية التحررية وتارة في طبيعتها الرجعية الإحتوائية وساشرح موقفي في أحد المقالات القادمة بكل موضوعية بعيدا عن اي وصاية أو دوغمائية . وصاية وتنميط أوصلت معظم المغاربة للحكم على أحداث العيون ومثيلاتها السابقة بطريقة غريبة جعلتهم يثبتون عكس مايؤمنون به من حيث لايدرون وتلك مصيبة من ينوم مخزنيا فيحاكي سلوك منومه دون حاجة لإعمال العقل والمنطق . إذا كانت العيون وأبناء العيون مغربية فلماذا التعامل مع إنتفاضة اهاليها بمنطق مختلف عن إنتفاضات عرفتها مختلف المدن المغربية بدءا بآخرها بسيدي إفني منذ سنتين وانتهاء باولى إنتفاضات مغرب مابعد خيانة إكس ليبان التي عرفتها الدارالبيضاء في 1965 ؟ فعوض أن نسمع عن وقفات تضامن بمدن الشمال المغربي مع النازحين بمخيم العزة والكرامة وقوافل المساندة صوب مدينة العيون كما حدث مع إنتفاضة إفني لمؤازرة المطالبين بالعيش الكريم في ارضهم نرى معظم الصحف المغربية والأحزاب( المعارضة )واحسرتاه ومعهم السواد الأعظم من المغاربة المغرر بهم ديال بالصح ! يطالبون بأقصى العقوبات في حق المخربين والمندسين والعملاء عوض ان يطالبوا بمحاكمة العملاء الحقيقيين الذين إحتكروا ثروات الجنوب واغتنوا من إمتيازاتها الضريبية وخيراتها لعقود طويلة و اوصلت غالبية الصحراويين إلى مستوى يطالبون فيها بجوج دريال الإنعاش الوطني ! أما أعمال تخريب المؤسسات العمومية والمساكن فهي ظاهرة عالمية تعرفها كل الإنتفاضات لأنها تعبير عن رغبة في التنفيس عن السخط الذي يحس به المنتفضون تجاه مؤسسات ترمز لنظام طبقي قمعي ورجعي .وهنا أود الإشارة إلى تكتيك غير مفهوم لدى أجهزة الدولة قامت به يوم الهجوم على المخيم . كيف اخلت السلطة مدينة العيون من رجال البوليس والمخازنية إلا القليل وهي تعرف انها ستفكك مخيم يحتوي على قرابة 20 الف صحراوي بالعنف مليئ بالمجرمين كما تقول ابواق الدولة . اي متدرب في معهد الشرطة يعرف أن قمع هذا العدد سيفرغهم في المدينة غاضبين ناقمين ومستعدين لكل شيئ . وتبرير والي الشرطة بالعيون اسوأ من السكوت حين ذكر انه طلب من الإدراة العامة إرسال المزيد من القوات لكنها رفضت . وماذا تفعل عشرات الآلاف من مختلف الأجهزة المرابطة بالصحراء منذ سنوات ؟ أعتقد أن ماحدث بالعيون بعد تفكيك المخيم كان مخطط له من طرف أجهزة الدولة لكي يظهر الصحراويين أمام الرأي العام المغربي والدولي كمخربين ولصوص وبالتالي إعطاء المصداقية لكل تجاوزاتها السابقة واللاحقة . في كل الحروب التي تنشب بين أباطرة السياسة كما المخدرات يتناوب الكبار عن الربح والخسارة حسب الظروف والإمكانيات لكن صغار تلك الحروب هم من يخسرون دائما من الجانين لأنهم حطب ووقود تلك المعارك الحقيرة وذلك ماحدث بالضبط في العيون . فالضحايا فقراء معدمون أكانوا عسكريين ام مدنيين . منذ اندلاع اولى شرارات قضية الصحراء والنظام المغربي والجزائر يربحان الحرب ويتناوبان في خسارة معارك لكن الرابح الدائم للحرب والمعارك هم الدول الإمبريالية التي تدير كل شيء خلف الستائر والخاسر الدائم للحرب والمعارك هم شعوب المنطقة التي تؤدي الفاتورة من قوتها اليومي وعلى حساب تنميتها ومستقبلها . [email protected]