يبدي كثير من العاملين بالصحافة بالمغرب تخوفهم من أن تصبح حرب الإعلانات البديل الناجع للسلطة من أجل "ضبط الأصوات الإعلامية المغردة خارج السرب " ، في بلد يعرف نقاشا مزمنا حول دور الإعلام، وهوامش الحرية المطلوبة للمؤسسات الصحفية. ويعتقد مراقبون، أن تجفيف منابع تمويل الصحف والمجلات المشاكسة من خلال التحكم في "صنبور" الإعلانات الواردة من الشركات الدائرة في فلك السلطة يجنب هذه الأخيرة الإحراج الذي تجلبه عادة المضايقات القانونية والقضائية التقليدية، وما يتبعها من تعاطف الرأي العام والهيئات المدنية الوطنية والدولية مع الصحفيين، ضحايا العقوبات والغرامات المالية. والى جانب الجدل المرتبط بأوضاع حرية الصحافة بالمغرب، باتت شفافية التمويل في المؤسسات الإعلامية، وضمنها مسألة "دمقرطة الإعلانات،" العنوان الأبرز لمطالب المهنيين والهيئات التمثيلية للصحفيين، في ظل علاقة يصفها كثيرون ب"الملتبسة" بين السياسة والمال والإعلام. وأمام تعذر إيجاد آليات عملية مؤسساتية لضبط عملية توزيع الإعلانات على الصحف، فإن نقابة الصحفيين المغاربة تدعو المجموعات الاقتصادية المعنية بنشر إعلاناتها إلى الاحتكام إلى آليات السوق القائمة على النجاعة الاقتصادية ومراعاة معايير موضوعية، تتمثل في رقم المبيعات وطبيعة الشرائح المستهدفة بالمنتوج الإعلاني، وملاءمة الوسيط الإعلامي. ويعود رئيس نقابة الصحفيين، يونس مجاهد، إلى سنوات بعيدة طبعتها "التفضيلات غير الموضوعية" للمجموعات المعلنة، حيث استأثرت الصحف الصادرة بالفرنسية بحصة الأسد من تدفقات الإعلان، رغم أنها الأقل انتشارا مقارنة مع الصحف العربية، وذلك بالنظر إلى سيطرة النخبة الفرونكوفونية على مقاليد الإدارة في كبريات الشركات والبنوك ومؤسسات التأمين، بحسب رأيه. أما اليوم، يقول مجاهد في تصريح لموقع CNN بالعربية، فإن "المعطيات المتوفرة تؤكد على أن مجال مالية الصحف يشوبه التدخل السياسي، ليس فقط على مستوى الإعلانات، بل كذلك التمويل المباشر للمقاولات الصحفية. وفي هذا الإطار، فإن حجم الإعلانات بات يتحدد إلى حد كبير وفق علاقات الزبونية وشبكة العلاقات مع اللوبيات المختلفة " . وبينما يواجه الجسم الصحفي المغربي اتهامات بالضعف والتفككفي مواجهة هذه التهديدات المستجدة، يؤكد يونس مجاهد أن "مشكلة الشفافية المالية أضحت تحتل الصدارة في التقارير السنوية والبرامج النضالية للنقابة." وكان بلاغ للنقابة قد دعا، على خلفية إغلاق مجلة "نيشان" مؤخرا بداعي التدهور الحاد في مداخيل الإعلان حسب مسؤوليها، جميع المؤسسات إلى "إعلان مداخيلها من الدعم العمومي والإعلان والأرباح، بكل شفافية، في إطار حق المواطن في الإعلام للإطلاع على كل الإشكالات المرتبطة بتوزيع الإعلانات وتمويل المقاولات." ويتعاظم القلق في أوساط الصحف المستقلة بالنظر إلى أهمية الإعلانات التي تغطي النسبة العظمى من تكاليف إنتاج المادة الخبرية، حيث تصل إلى 80 في المائة، حسب مدير نشر صحيفة "أخبار اليوم"، توفيق بوعشرين، أحد الأصوات الإعلامية الأشد نقدا للسياسات العمومية بالبلاد. ويميز توفيق بوعشرين، في تصريح للموقع، بين سلوك فروع الشركات متعددة الجنسيات التي تعتمد معايير موضوعية مستمدة من مؤشرات سوق التوزيع ومنطق المردودية الاقتصادية، وبين الشركات التابعة للدولة أو القريبة منها التي تنخرط في تسييس ترويج إعلاناتها ضمن ممارسة يعتبرها ضربا من "الرقابة الناعمة منخفضة التكلفة". وبالنسبة لبوعشرين، تبدو الحاجة ماسة اليوم إلى ميثاق أخلاقي يلتزم به مجمل المتدخلين في سوق الإعلانات، تكون فيه الكلمة العليا لمعايير موضوعية خارجة عن منطق التعليمات والإشارات الصادرة من هذه الجهة أو تلك. وفي رأي يشاطره الكثير من مهنيي القطاع، لا يفوت هذا الإعلامي أن يضع قطاع الصحافة نفسه في قفص الاتهام، واصفا إياه ب "السفينة المثقوبة المهددة بالغرق"، في إشارة منه إلى تفاقم حالة التفكك، وغياب آليات التضامن المهني، الذي لا يهدد المؤسسات الإعلامية فقط، بل يغتال، على حد قوله، حق المواطنين في المعلومات، باعتباره أحد أركان الممارسة الديمقراطية الحديثة.