في تراجع جديد إلى الوراء ، قررت السلطات المغربية أن تعاكس منطق التطور التكنولوجي الذي يعرفه العالم المعاصر ، وأن تفرض عزلة جديدة على قناة " الجزيرة " القطرية ، والتي تحظى بنسبة مشاهدة عالية من قبل المشاهد المغربي ، لأنها تجيد اقتحام دواخله والتعبير عن مطالبه وطموحاته ، السلطات المغربية لا تريد أن ينافسها أحد في مخاطبة الرأي العام الوطني ، تريد فقط أن يسيطر إعلامها الخشبي المتخلف وأن يفرض رأيه الدعائي . كذبت وزارة الاتصال عندما قالت ، إنها علقت نشاط مكتب " الجزيرة " لانحياز هذه الأخيرة للبوليساريو في تغطيتها لنزاع الصحراء ، وهي تعلم علم اليقين بأن " الجزيرة " تستضيف محللين مؤيدين للأطروحة المغربية وآخرون مؤيدون للأطروحة الأخرى والتي تفرض على القناة " المهنية والحياد " في تغطية الأحداث ، ما ينبغي أن تقوله الوزارة إن " الجزيرة " غير مرغوب فيها بالمغرب ، حينها يمكن تصديقها . السلطات المغربية ، غير منزعجة فقط من قناة " الجزيرة " القطرية ، وإنما هي منزعجة من وكالة " فرانس بريس " للأنباء ، ومن وسائل الإعلام الإسبانية ، ولم تعلق نشاط هذه الوسائل الإعلامية الغربية إلا لأن الذين يقفون وراءها أقوياء ولا تقدر على مجابتهم ، أما " الجزيرة " التي تعتبرها لوبيات سياسية ومالية وإعلامية قوية في العالم عدوا لها ، فإن إغلاق مكتبها بالرباط هين ولا يشكل أي إحراج لها . ولو كانت " الجزيرة " هي الوسيلة الإعلامية الخارجية الوحيدة ، التي تزعج السلطات المغربية ، لقلنا إن هذه القناة تخضع لأجندة خارجية ، وأن المغرب تصرف في الوقت المناسب بإغلاق مكتبها بالرباط ، ولكن بأي مبرر سنصدق السلطات عندما تستعمل رقابتها " الناعمة " في إغلاق الصحف المستقلة الداخلية وجعلها تصارع الزمن من أجل تسديد نفقات العمال ومستلزمات وجود المطبوعة في الأكشاك ، وجعل الصحافة " الصفراء " سيدة الواقع الإعلامي الوطني . بالأمس ، منع الصحفي علي المرابط من الكتابة لعشر سنوات وأغلقت صحفه بتهمة " المس بالمقدسات " ، وأتبع ذلك بسجن مدير " المشعل " عامين لتكسير شوكته وإلحاق صحيفته بطابور الصحف " الصفراء " ، وبعده أرغمت " الجريدة الأولى " على التوقف عن الصدور بالتحكم في الشركات النافذة وجعلها تضع الإعلانات بصحيفة دون أخرى ، وقبل أسابيع أغلقت مجلة " نيشان " أبوابها وقالت بأنها اضطرت للتوقف بسبب " الهولدينغ الملكي " الذي منع عنها مورد الحياة ممثلا بالإشهار . ورغم كون تلك الصحف التي توقفت عن الصدور ضمن الصحف " الأعلى مبيعا " فإنها توقفت ، مما يعني أن أي وسيلة إعلام بالبلد لا تساير الرأي الوحيد للسلطة ولا تخضع لأجندته الدعائية ، فإن مصيرها التوقف النهائي عن العمل بالبلد ، وسيلة الإعلام التي لم يتم خنقها بالإشهار ، تتدخل مباشرة وزارة الداخلية من أجل تشميع مقرها كما حدث مع صحيفة " أخبار اليوم " قبل عام ، أما البقية الباقية فيتم إصدار قرار بمنع نشاطها الإعلامي تحت ذرائع واهية كما يحدث الآن مع قناة " الجزيرة " القطرية . لا ينكر أي مغربي أن قناة " الجزيرة " القطرية باتت ضرورة من ضرورات اطلاعه على أحداث بلده بعيدا عن الرؤية الدعائية للإعلام الداخلي المتخلف ، وأن إغلاق مكتبها بالرباط خسارة لهذا المشاهد وممارسة للحجر عليه فيما يختار وما يشاهد من مادة إعلامية ، وعلى المسؤولين المغاربة ألا ينتحبوا مجددا على التصنيف العالمي الذي تضعه المنظمات المعنية بحرية الصحافة للمغرب ، لأنه بات مؤكدا أن حرية الصحافة " آخر اهتمامات " مغرب العهد الجديد . [email protected]