غبي مخزننا بل يتعدى غباؤه الغباءَ نفسه حينما يستمر في تعامله البليد السخيف الهجين بمنطق لي الذراع وفرض أسلوب العصابات والمافيا ظنا منه أنه قد ينجح أو قد يُفلح. بل حتى الغباء نفسُه يتبرأ من المخزن حين يضاف إليه وينسب، ويشيح بوجهه ويتوارى إذ التصقت به نسبة زنيمة مقطوعة تعطي للمدلول سخافة وحمقا يتعالى الغباء أن يتصف بها ويُوسَم: المخزنية. الغباء المخزني غباء مركب تركيبا مزجيا وآخر إضافيا، تركيب مزجي بما امتزج في رؤوس مُمخزَنيه ومُمخزِنيه من رواسب الماضي وما تعلمه ونهله واستقاه من العهد القديم،ورث مخزننا تراثه المخزني فهو عليه حاضن وله قابض، حريص أن تتصرم عقده و تتفتت حلقه، وإن كان السوس قد نخره نخرا وأردته عوامل التعرية صفصفا، ذلك أن عهدنا المخزني "الجديد" إنما أرسى دعائمه وأقام أسسَه وبنا صرحه ووطد كيانه عناصرُ العهد القديم وأساتذته ومعلموه ومدبروه وزبانيته، مهدوا له الطريق، ووطدوا ودجنوا له العقول، وعلموه فنون المخزنة والإفساد، فإن قام مخزننا جديدُ العهد زعما يدافع وينافح ويتبرأ فإنما يلوك كلاما ويقول زورا ويغشى فجورا ويرجو فكاكا من تبعات هي في طائر عنقه معلقة مأثورة وفي ثنايا صيحاته العالية وتعاليمه و تطبيقاته ظاهرة جلية فكيف يخفي الثعبان سمه الزعاف بمجرد أن يغير الوشاحَ والجلدَ والأنيابُ ظاهرة بارزة والأعينُ المترصدة المتوعدة يتطاير شررها ويتوقد. تؤكد ذلك وقائعُ الزمان وأفعال الأيام ونوازل الحال، وتتبعها إعلانات المقال التي تتخذ من العهد الماضي أبا وجدا تترضى على أهل فساده وتتطيب على ثراهم وتنثر الدرر على "أمجادهم"، وما جد خطاب أو ظهرت شبهة مزية إلا واعتلى مخزننا كرسيه ليشيد ب"الدوحة الزور" التي مخزنته وفرخته يجر لها الأدعية والمقالات السجية والتبريكات العالية ، فمنها يستقي وعلى نهجها يسير وبأفكارها يخط وعلى أركانها أسس وفي فلكها يسبح، يتوعد من لها عاب ووصف أفعالها بالخراب وشدد في العتاب وهو يعلم أن في كلام المُعاتب الصواب، لكن عين العور في مخزن الغباء لا ترى في ذلك إلا مجرد سِباب ولا تستسيغ إلا ما تراه هي فصلا للخطاب، ألا ترى أنها على أوجه الفساد والإفساد في البلاد قد أبقت، وعن مزاياهم ما تخلت، وعن سُلطهم وتَسلطهم قد سكتت، مهدت لهم الطريق، وفتحت في وجوههم أموال الفقراء والمساكين، وأطلقت يد الشرطة على العباد، ونكلت بأهل الخير والفضل والشرفاء، كثر الغلاء وانتشر، وزاد الفقر واستمر. أما التركيب الإضافي فيه و جديد الوصف لديه أنه صار إذا رام فرش البساط بين المواطنين في الخطاب، ليُلين القلوب و يتصيد الأحباب، ويجعل لنفسه القداسة و المروءة والسداد، جعل الشكوى ضد الماضي دون بيان، حتى لا يمس الأركان، وتوعد من أفسد في سالف الزمان، ولم يعين ولا أبان، أما إذا رام التغيير فلسلطانه يكيل، ولأعتابه المرضية يبني و يطيل ، ويزعم أنه على مصلحة البلاد قائم لا ينام، يشيد و يبني ويزيد العمران، وهو إنما يواري مصيبة الهوان، التي أصابت البلاد منذ زمان. يجلب الغباء المخزني المفرط في السذاجة والرعونة، يجلب على معارضيه ومنتقديه بخيله ورجله وجيشه وزبانيته، ضربا وركلا ورفسا، ويطلق العنان لخفافيشه تصطاد في الظلام وتهجم وتحاصر، تتصيد الأحرار من المواطنين، وتهجم على الفضلاء من المثقفين، تكم الأفواه الناطقة، وتغمض الأعين المبصرة، وتقطع الأيادي البيضاء النقية، وتشل حركات الأرجل الماشية، تمزق بهراواتها الأحشاء، وتكسر الأضلاع والأجساد، ثم يَستغبي هو- مخزننا- ويستخف بعقول الناس ظنا أنه قد أقام الحجة بحلو الكلام ولين الخطاب وسخيف العبارات، لا عليه إن كذَب وزور وغش وماطل أو قتل ومزق وناور، يحسب فعله الذكاء، وحركاته الدهاء، يستقوي بقانونه المستعار، وتجبره وتسلطه الفتان، وحاشية زور وبهتان، لكن مع توالي الأيام ومرور الأزمان، يكتشف مخزننا بما ليس للشك فيه مجال، أنه غبي فوق العادة عافانا الله من الاغترار. [email protected] mailto:[email protected]