مقدمة "" السلطة تفسد والسلطة المطلقة تفسد إفسادا مطلقا، والمخزن يفسد والمخزن الجبان يفسد إفسادا جبانا، في كل مناسبة وفي كل تقرير يُنعت المغرب بأقبح النعوت ويرتب في مؤخرة الدول، مع كل شعار يرفعه الحكام ومع كل خطبة مملة تلقى على الشعب إلا ويزداد الوضع سوءا ويزيد سوق البهرجة انفضاحا (1). الأمم تخطو خطوات تعود على شعوبها بالخير والنماء، ومخزننا العجيب يتشبث بالأوهام ويخبط خبطات عشواء، تنبئ عن خبالٍ أصاب عقله وتخبر عن خرقٍ أفسد نظام أعصابه. فمرة يدعي تبني الحداثة والديمقراطية الحديثة بما هي التحاق بالنموذج الغربي ومرة يتمسك بصور الطقوس التقليدية بشكل بهلواني ! تماشيا مع توصيات ماكيفلي: الغاية تبرر الوسيلة. لكنه لفساد إرادته أينما توجه لا يأتي بخير. لا تُهِمه سوى نفسه واستمراره في إكراه الناس على طاعته، فهو مستعد للتضحية بالجميع (أشخاص، قيم وقوانين...) من أجل ضمان استمراره واستعلائه. ولولا حاجته لبعضنا -من أجل ضرب البعض الآخر- لأفنى الجميع حتى تخلو له الدنيا للتجبر والانفراد بالمجد والدعة. - استغلال الصورة لذلك تراه مع المتصوفة إماما يُعَين المقدمين ويوزع الأوراد والهدايا (المسمومة)، وقل لي ما علاقة المشروع الحداثي الديمقراطي بالتدخل في تعيين مشايخ الزوايا! وقل لي أي تصوف هذا الذي باع الدين بالتين؟ دين الشجاعة في الحق بتين الخنوع للسلاطين؟ حيث لم يعد الإذن من الشيخ بل أصبح من الملك !!! ألا يذكرنا هذا بما كان يفعله الملوك في أوربا في ما يسمونه بعصر الظلمات لما كانوا يعينون قساوسة الكنيسة ورجال دينها؟ إلى أن انتفض في وجه حماقتهم فلاسفة الأنوار مدعومين بشعار البورجوازية : "اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس". ليس حبا في التصوف السني بما هو انقطاع عن المجتمع من أجل التفرغ لعبادة الله... يحرص هؤلاء، وإنما استغلالا للصورة من أجل ترقيع الولاء وفرض طقوس الهيمنة من جهة، واستجابة لتعليمات أبناء العم سام حيث "أوصت لجنة الكونغرس الخاصة بالحريات الدينية بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية"، ذلك أن الفهم الجزئي للدين والذي يقلص رسالة الإسلام في الزهد والابتعاد عن السياسة يوفر للمستبد مساحة أكبر للديكتاتورية ويقدم للاستكبار العالمي خدمة غالية بثمن بخس، وذلك بإلهاء الناس عن القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للأمة وترسيخ دين الانقياد للحاكم في صفوف المريدين. إذا لم يكن هذا صحيحا فلماذا أحرق المخزن في تاريخه الأسود بعض الزوايا المشهود لها بالصلاح والجهاد وحاربها وقدم أخرى واحتواها؟ ولماذا تُمنع الحركة الإسلامية اليوم ويضيق عليها وتضطهد كما تُمنع الجمعيات التي تدافع عن القيم الإسلامية، ويحاصر العلماء؟ في مقابل ذلك تشجع الدولة وتفتح الأبواب لمختلف الجمعيات التي تحترف ممارسة الأمور التافهة... وعلى عينها تُجهز آلاف الشقق للدعارة الراقية. أليست هذه مجرد لعبة قدرة لا يفلح صاحبها مهما عمَّى عن حيله؟ - وهل نحن سُنة؟ لما أقدمت السلطات المغربية على خطوة سياسوية مستعجلة وغير مسبوقة تمثلت في قطع العلاقات مع الجمهورية الإيرانية بررت ذلك بانتشار المذهب الشيعي في المغرب و«تهديدا» لوحدة المغرب المذهبية وكيانه الذي بُنِيَ على أساس المذهب السني المالكي. وكأن القوم سنة وجماعة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتطبيق شريعته !!! وكأننا سُنة مالكيون بالقول والفعل ! وكأن حكامنا مالكيون سُنِّيون في شؤونهم الخاصة والعامة !!! وكأن حكوماتنا مالكية حتى النخاع ! وكأن إعلامنا سنة ! وكأن إدارتنا سنة ! وكأن أحزابنا سنة ! وكأن شوارعنا وبناتنا وشبابنا سنة ! وكأن وكأن... وإذا كانت الدولة جادة في حرصها على صفاء عقيدة السنة فما تقول في المذهب اليهودي في المغرب ! ولماذا لم تقطع علاقتها مع الكيان الصهيوني العنصري؟ والمذهب الشيوعي ! هل هو من صميم المذهب السني؟ والمذهب الإلحادي ! والمذهب اللائيكي ! وما تقول في مذهب الخمور والفجور والدعارة والرشوة؟ أليست هي التي تحميه؟ وهل غيرتها المفضوحة على مالكية المذهب لا تلحق مواخير الفساد وعصابات النهب؟ أم أن هذه الأخيرة من شأنها "المساهمة في تعزيز الأمن الروحي للبلاد"؟ ألا تشكل هذه المذاهب "تهديدا لوحدة المغرب المذهبية وكيانه الذي بُنِيَ على أساس المذهب السني المالكي"؟ فعلى من يكذب هؤلاء؟ وأية كثافة من الجبن أصابتهم ليظهروا بطولاتهم التافهة في مثل هذه الجعجعة الخاوية؟ ويحشروا في ذلك بيوت الله والوعاظ والخطباء وأنصاف الصحافيين ليقولوا للناس: احذروا التفريط في السنة، ثم يختزلوا السنة والمذهب المالكي في قطع العلاقة مع إيران فقط. وتعود حليمة لعادتها القديمة: الفساد والاستبداد أبقي في المغاربة عاقل يظن أن المخزن يدافع عن الإسلام؟ أوليس قد فطن الناس في النهاية إلى أن المخزن في المغرب عدو السنة والشيعة معا؟ ولا غيرة له على الدين ولا على الأخلاق ولا على العلم؟ ومن اتخذ الطغاة قدوة في دينه فلا دين له. ولقد ضل من ظن أن العميان تهديه. ومن يكن الغراب له دليلا*** يمر به على جيف الكلاب فيمسي من روائحها عليلا*** ويصبح تاركا خط الصواب - الانتخابات الانتخابانية: الحكومة زمن المخزن مصنوعة في قاعة مظلمة، بعيدا عن اختيارات الناس وحرمانا لهم من حقهم الذي وُلد معهم قبل أن تكفله التشريعات العالمية، وهذه الاختيارات لا تصل إلى صناديق الاقتراع، وهذه الأخيرة فارغة من السلطة والقرار، إذ السلطة والقرار إملاءات فوقية غير قابلة للمحاسبة والاعتراض، ولا تخضع إلا لمزاج الحاكم وهواه. فلِمَ الانتخابات إذا حُرمت الأمة من اختيار من يحكمها ومن الاتفاق على الطريقة التي يُمارس بها الحكم؟ ومن حقها في عزله وتعويضه بمن هو أفضل منه؟ وأية غاية للانتخابات إذا لم توصل إلى ممارسة السلطة فعلا؟ وهل تسمح البنية السياسية المخزنية بتقاسم السلطة أو التناوب عليها؟ وللمكابرين قل: أليس في الإمكان أن يرزقنا الله حُكما أفضل وأحسن؟ فهلا اتفقنا على طريق نسلكها إلى الأفضل غير التي أوقعتنا في الحضيض بين الأمم؟ أم أنه الجبن والخوف والطمع؟ أم أن الحق أمسى باطلا في زمن الاستبداد وحماية الفساد؟ أم أنه لا يزال المستبد ينظر إلى مخالفيه وكأنهم كائنات غريبة تستحق المحو والذوبان، بل وأن الشعب بكامله عالة عليه؟ وهل في حكامنا العرب من يستحق –بإنجازاته ورجولته- حتى الهجاء؟ قال شاعر في الملك الأمين، بن هارون الرشيد، بعد موته: لِمَ نبكيك؟ لماذا؟ للطرب يا أبا موسى وترويج اللعب ولتَِرْكِ الخَمْسِِِ في أوقاتها حرصا منك على ماء العنب - وأخيرا حتى إذا لبس المخزن جميع اللبوس (التصوف، التسلف، الحداثة، الديمقراطية...) وظن أنه تمكن في النفوس فاجأه القدر بما يكره، فينفضح أمره ويبطل سحره وتسقط أوراقه وينكشف خبثه. قال الشاعر: وجمال اللُّّبوس على قُبح النفوس كجمال الناقوس على قَبر المجوس -------------------------------- 1- أنظر مثلا التقرير الذي أعدته مؤخرا وحدة "الايكونوميست" البريطانية للمعلومات، حيث صنف المغرب ضمن الأنظمة الاستبدادية... وحصل على تنقيط ضعيف جدا في خانة المشاركة السياسية (2.22 من 10) ونفس الضعف فضحه في الانتخابات والتعددية السياسية (3.50 من 10). أما في ما يخص الأداء الحكومي، فحاز المغرب على تنقيط دون المستوى 3.93 من 10 ونفس الضعف أبان عنه كذلك في مسألة الحريات المدنية...