تعتبر الصحراء الغربية، جزءا لا يتجزأ من السيادة المغربية، وذلك استنادا إلي معطيات الجغرافيا والتاريخ والقانون الدولي. وكلها معطيات ثابتة، بإمكانها أن تحرج متغيرات السياسة الدولية، التي تتحكم فيها توازنات إيديولوجية واقتصادية وسياسية... تميل كفتها خلال كل مرحلة لطرف من الأطراف المتنازعة، ضدا علي مبادئ الشرعية في أغلب الأحيان. لقد ظلت الصحراء الغربية، مرتبطة لوقت قريب جدا بالوطن الأم (المغرب)، وذلك إلي حدود سبعينيات القرن العشرين، كتاريخ إجلاء آخر وجود استعماري إسباني من المنطقة. ولعل ميلاد الأطروحة الانفصالية، في موازاة مع هذا الانسحاب، ليطرح علي القانون الدولي إشكالا عويصا، يتجلي في كون استعمار إسبانيا للمنطقة الصحراوية، التي كانت تحت السيادة المغربية قبل استعمارها، يسقط السيادة المغربية عليها، ويربطها بممثل لا شرعي، يعتبر وليد المرحلة الاستعمارية، وما رافقها من حيثيات الحرب الباردة. وهذا يعني (في القانون الدولي طبعا) أن البلدان التي كانت مستعمرة، من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، من طرف القوي الاستعمارية الأوربية، قد فقدت السيادة علي أراضيها، بمجرد خضوعها للاستعمار. وهذا ما لم يتم عمليا، لأن هذه الدول استرجعت سيادتها علي كامل ترابها الوطني، بمجرد إجلاء الوجود الاستعماري عنها. تسمية الصحراء الغربية تمييزا لها عن الصحراء الشرقية ، التي ألحقها الاستعمار الفرنسي بالامتداد الجغرافي الجزائري. والامتدادين الصحراويين معا جزء لا يتجزأ من السيادة المغربية، ويجب الدفاع عنهما من دون تمييز. لكن بخصوص حالة الصحراء الغربية المغربية، نجد الأمر مختلفا تماما، حيث تم تطبيق معايير استعمارية جديدة، بعد نجاح المقاومة الوطنية المغربية، في طرد آخر وجود استعماري من المنطقة، وذلك عبر تجنيد مواطنين صحراويين (وغير صحراويين) مغاربة، من طرف الاستعمار الاسباني، لتعويض تواجده الاستعماري. إن جبهة البوليساريو، التي تدعي تمثيلها للساكنة الصحراوية، لا يستند وجودها في الحقيقة إلي أية معطيات، ترتبط بأسس الشرعية، سواء جغرافيا أو تاريخيا أو حضاريا (وهي الأسس التي يستند عليها القانون الدولي لإثبات الشرعية أو نفيها) ما عدا (طبعا) استنادها إلي معطيات إيديولوجية واستعمارية، تؤيد شرعيتها المغلوطة. إن مجموع هذه المعطيات، هي التي اعتمدتها محكمة العدل الدولية في لاهاي، حينما أكدت علي الروابط الحضارية والجغرافية والتاريخية، التي تربط المغرب بامتداده الترابي في الصحراء، وهذه المعطيات هي ما يشكل في الأخير الإطار القانوني المؤطر لأسس الشرعية والسيادة. البيعة كمقوم أساسي من مقومات السيادة لقد توقف قضاة محكمة العدل الدولية علي عنصر البيعة، كمعطي أساسي، يؤكد سيادة المغرب علي صحرائه، وذلك اعتمادا علي وثائق تاريخية تثبت ذلك. والبيعة تعتبر في القانون الإسلامي أساس الشرعية السياسية، التي تتمتع بها الدولة، في علاقتها بالجماعة أو الجماعات التي تدخل ضمن سيادتها. وذلك لأنها تعاقد بين الجماعة والسلطة التي تمثلها، انطلاقا من معايير واضحة يقبل بها الطرفان المتعاقدان. ومن المؤكد تاريخيا، أن الدولة المغربية منذ تأسيسها مع الأدارسة (788 974) استلهمت روح القانون الإسلامي، الذي يربط أسس الشرعية السياسية بالبيعة، باعتبارها معيارا أساسيا يؤكد مشروعية أي نظام سياسي أو ينفيها. والبيعة طريقة للشرعنة ، وتستمد تأثيرها وقيمتها، لا اعتبارا لمضمونها التعاقدي، ولكن لأنها تمثل ارتباطا وبعثا للنموذج الذي أقيمت عليه السلطة الإسلامية الأصلية، ولذلك فإن استلهام روح هذه السلطة الأصلية، هو الذي يعطي للبيعة قيمتها وفعاليتها. من هذا المنظور إذن، حضرت البيعة في تاريخ المغرب السياسي، لأكثر من 12 قرنا، وعبر هذا الأسلوب السياسي، الذي يستمد قوته من روح القانون الإسلامي، استطاع المغرب أن يستمر كدولة كاملة السيادة، رغم توالي الأنظمة الحاكمة، من الأدارسة حتى العلويين. وقد تمكن المغرب طوال هذه القرون، من تثبيت أسس الاستقرار والأمن في منطقة شاسعة، امتدت خلال بعض الفترات التاريخية، حتى أعماق إفريقيا، بل وامتدت سلطة المغرب إلي الأندلس، خلال العهدين المرابطي والموحدي. وقد تم تأسيس نظام البيعة في المغرب، وفق قواعد محددة، بحيث احتفظ المغرب بنظام خاص لبيعة ملوكه، وفق منهج متميز في التنصيب. ولعل أهم أوجه هذا التميز، هو اعتماد تقنية العقد المكتوب، حيث يتم تدوين عقد البيعة، علي طريقة تحرير العقود، في أسلوب أدبي يتضمن قواعد البيع وأركانها والتزامات الطرفين المتعاقدين، وتذيل بتوقيعات لمختلف الطبقات والفئات، مع الإشهاد علي ذلك والإقرار به. يمكن مراجعة المؤرخ المغربي عبد الرحمان ابن زيدان في كتابه: "العز والصولة في معالم نظم الدولة". وقد عرف هذا النظام السياسي القائم علي أساس البيعة، عرف تطورا كبيرا خلال العصر الحديث، في إطار الملكية الدستورية، التي ينص عليها الدستور المغربي. وقد كان هذا التطور نتيجة حتمية للنضال، الذي قادته النخبة المغربية، منذ مرحلة القرن التاسع عشر، واستمرارا مع الحركة الوطنية، التي قادت نضالا خارجيا، من اجل تحرير الوطن من ربقة الاستعمار، وداخليا من أجل ربح رهان دولة القانون والمؤسسات. وحتى نؤكد علي هذا التطور، الذي عرفه نظام البيعة في تاريخ المغرب السياسي، يمكن العودة إلي مرحلة القرن التاسع عشر، كمرحلة انتقالية، عرف خلالها المغرب تحولات جذرية في توجهاته، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وفكريا. وقد نتج عن هذه الديناميكية العامة التي عاشها المغرب، نتج حدث هام تجسد في عقد بيعة السلطان (عبد الحفيظ) بعد خلع أخيه السلطان (عبد العزيز) لما تورط هذا الأخير في المصادقة علي ما فعله ممثلوه في مؤتمر الجزيرة الخضراء. وكرد مباشر، فقد ثار الشعب المغربي قاطبة علي النظام السياسي القائم، وقدم دعما كبيرا للعلماء وأعيان الدولة، الذين قاموا بالثورة علي السلطان وخلعه. وتم تنصيب السلطان (عبد الحفيظ) مكانه سنة 1908، وذلك وفق شروط، تضمنها عقد البيعة المكتوب: استرجاع الأراضي والأقاليم الضائعة. تحرير المدن المحتلة. رفض كل تدخل أجنبي في شؤون البلاد. إلغاء ضريبة المكوس. تقوية المؤسسات الإسلامية بتشجيع التعليم. ضمان استقلالية القضاة ضد تطاولات القواد والعمال. (يمكن مراجعة: محمد المدني حول المسألة الدستورية مجلة أبحاث ع: 6 خريف 1984). إن التركيز علي عنصر البيعة هنا، باعتباره مقوما أساسيا لإثبات سيادة المغرب علي صحرائه، لهو نابع من وعي تام للمغاربة، بالقوة القانونية التي تمثلها البيعة في الفكر السياسي الإسلامي، وأي محاولة للحد من قيمة هذا المقوم الحضاري والقانوني، لهي في العمق محاولة مغرضة، لقطع المغرب عن امتداده الحضاري والسياسي الإسلامي، أو هي محاولة بالأحرى للحد من فعالية التصور القانوني الإسلامي، الذي أثبت فعاليته وجدواه عبر مراحل التاريخ. وإذا كان الاستعمار الإسباني ومعه الجزائر قد ركبا هذا الطريق مبكرا، عبر محاولاتهما اليائسة، لرفض البيعة كمقوم أساسي لإثبات سيادة المغرب علي صحرائه، فإن قضاة محكمة العدل الدولية في لاهاي، لم تنطو عليهم الحيلة الإسبانية/الجزائرية، بل إن الوثائق التاريخية، أرغمتهم علي الاعتراف بعلاقات حضارية ودينية، قائمة بين المغرب وامتداده الصحراوي، مع تركيزهم علي مقوم البيعة كعنصر أساسي في هذه العلاقات. ولعل الباحث الموضوعي في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي (وكامتداد له تاريخ الفكر السياسي المغربي) ليخلص إلي أن البيعة، ليست مقوما روحيا دينيا وحسب، ولكنها تتجاوز ذلك بكثير، إنها أساس قانوني، لإثبات سيادة دولة ما علي امتدادها الترابي. وقد حضرت البيعة كمقوم أساسي علي امتداد التاريخ الإسلامي، منذ بيعة الرضوان، كمرحلة تأسيسية، ومرورا ببيعة العقبة وبيعة الخلفاء الراشدين. كما أن الشرعية السياسية، خلال العصر الأموي والعباسي، كانت تنبني علي أساس البيعة، ونفس المعيار القانوني اعتمد خلال الفتوحات الإسلامية، لإثبات دخول امتداد جغرافي ما ضمن سيادة الدولة الإسلامية. إن المغرب حينما تقدم إلي محكمة العدل الدولية، بتوجيهاته حول مقومات السيادة علي صحرائه، نبه قضاة المحكمة إلي الأخذ بعين الاعتبار ما يلي: أن المملكة المغربية تؤكد علي وجود روابط سيادة بالصحراء الغربية نابعة من حيازة تاريخية للإقليم. يجب علي المحكمة أن تضع في الحسبان الهيكلة الخاصة للدولة المغربية في تلك الحقبة التاريخية. ومن خلال هذه التوجيهات التي قدمها المغرب للمحكمة الدولية، فإنه كان يطرح علي طاولة قضاة المحكمة الدولية، إشكالا جوهريا يجب أن يأخذوه بعين الاعتبار، وهو إشكال يعود إلي المراحل التاريخية الأولي، التي أقام خلالها المغرب علاقة شرعية بامتداده الصحراوي، وقد تحكمت البيعة، باعتبارها مسوغا قانونيا، في شرعية هذه العلاقة. وتأكيدا لشرعية العلاقة التي ربطت المغرب بامتداده الصحراوي، تؤكد الوثائق التاريخية أن ملوك المغرب، أولوا أقاليم الصحراء أهمية بالغة، وارتبطوا مع القبائل الصحراوية بعقد البيعة الشرعية، التي كانت تمكنهم من الإشراف المباشر علي هذا الجزء من التراب المغربي. ولذلك فإن علاقة الدولة المغربية بالأقاليم الصحراوية متجذرة في التاريخ، وازدادت متانة مع ظهور الأطماع الاستعمارية. فقد نزل المولي رشيد أثناء تأسيسه للنظام الجديد حتي تخوم السودان. واتبع المولي إسماعيل نفس النهج، حيث نجح في مراقبة كل أرجاء البلاد المغربية، وسار في جولة تفقدية في بداية عهده قادته حتي شنقيط ، وأرسل أحمد بن أخيه علي رأس فرقة عسكرية لفض بعض النزاعات بين القبائل. وإبان فترة الصراع بين أبناء المولي إسماعيل علي السلطة، ظل العمال التابعون للمخزن المغربي متواجدين بشنقيط ، فقد نزل المولي عبد الله مرتين إلي " دياني" قرب "تمبكتو" لاستخلاص الضرائب. وقام محمد بن عبد الله بتثبيت حفيد علي شندورة، المختار بن عمر بن علي، علي إمارة الطرارزة، كما اهتم السلطان مولاي عبد الرحمان بهذا الإقليم، وعالج شؤونه ومشاكله مع رعاياه به، وهو نفس النهج الذي اتبعه ابنه سيدي محمد بن عبد الرحمان، بعد مبايعته سلطانا علي المغرب، موجهين اهتمامهم إلي مسألة التسلل الأجنبي إلي الأقاليم الجنوبية، التي بدأت تستفحل خلال القرن 19. على أن السلطان مولاي الحسن في متابعته لنفس الخطة، رفع اهتمامه بهذا الإقليم إلي مرتبة أعلي، بحيث سافر إليه بنفسه، في رحلة أولي وعين مجموعة من العمال وقائدا يستشيرون معه في أقوالهم وأفعالهم، ثم سافر في رحلة ثانية، منح أثناءها ظهيرا بتكليف إبراهيم بن علي بن محمد التكني بحراسة الشواطئ المجاورة لقبيلته، وظل يتابع محاولات التسرب الاستعمارية، ودعما لجهود وقف هذا التسلل عين محمد بن الحبيب التدرداري قائدا علي قبائل مجاط والفويكات وثلث أيت لحسن وزركاط وتوبالت ولميار من الثكنة، ثم وسع قيادته بظهير آخر علي قبيلة المناصير من أزركين . يمكن في هذا الصدد مراجعة: أحمد السلمي الإدريسي، محاولة في مفهوم الروابط القانونية بين الدولة المغربية والأقاليم الصحراوية قبل 1912 (نقلا عن: عبد الحق ذهبي نزاع الصحراء.. والشرعية الدولية مقال منشور في عدة منابر إعلامية). وتثبيتا لهذا الحضور المغربي في الصحراء، وبشكل سيادي، كما تؤكد علي ذلك الوثائق التاريخية، فإن المغرب كان حريصا علي إضفاء الشرعية علي هذا الحضور، وذلك من خلال الارتباط مع قبائل الصحراء، بعقود بيعة، تم إبرامها عبر التراضي، بين سلاطين المغرب وممثلي القبائل الصحراوية. ويمكن في هذا الصدد التمثيل فقط ببعض النماذج: بيعة قبائل أهل الساحل والقبلة ودليم وبربوش والنغافرة ووادي مطاع وجرار وغيرهم، للمولي إسماعيل، وكان ذلك سنة 1089ه، عندما دخل صحراء سوس، فبلغ أقا وطاطا وتيشيت وشنجيط وتخوم السودان. وقد تزوج آنذاك المولي إسماعيل الحرة خناثة بنت الشيخ بكار المغفري. بيعة أهل توات للسلطان عبد الملك بن مولاي إسماعيل سنة 1140ه. بيعة للسلطان مولاي عبد الرحمان بن هشام بمبادرة أحد الشيوخ الأعلام من صحراء شنكيط ، وهو ابن طوير الجنة الطالب احمد المصطفي الشنكيطي التشيني الوداني. بيعة لمولاي عبد الرحمان أيضا من الشيخ المختار الكنتي الحفيد ابن محمد بن المختار. بيعة لمولاي عبد الرحمان أيضا للشيخ احمد البكاي بن محمد بن المختار الكنتي. بيعة للسلطان محمد الرابع من إمام تندوف الشيخ محمد المختار ابن الأعمش الجنكي ، وفيها يعلن عن بيعة الإقليم للسلطان العلوي محمد الرابع. بيعات الشيخ ماء العينين إلي السلاطين المغاربة، والذي كانت علاقاته بالحكومة الشريفة علي أحسن وجه، ذلك أنه كان يعتبر فيما بين سنتي 1888 و1900 نائبا للمخزن في الصحراء لا فرق بينه وبين نواب السلطان في مراكش ومكناس وتافيلالت. أنظر: عبد الحق ذهبي نزاع الصحراء.. والشرعية الدولية المرجع السابق مشروعية تاريخية وقانونية ثابتة وتحديات إقليمية ودولية معرقلة إن هذا الحضور المغربي في الصحراء، منذ تأسيس الدولة المغربية مع الأدارسة، ليس ادعاء يرتبط بمعطيات سياسية وإيديولوجية، ولكن تثبته وثائق تاريخية مغربية وعربية وأجنبية (سنأتي علي تناولها). وهذا ما يشكل دعما قويا لشرعية السيادة المغربية علي الصحراء، بشكل لا يمكن أن تصمد أمامه معطيات المرحلة الاستعمارية، أو فرقعات الإيديولوجية. ومع هذه المشروعية التاريخية والقانونية، التي تربط المغرب بصحرائه، يبقي العائق الكبير، الذي يعرقل تطبيق الشرعية الدولية، بناء علي هذه المعطيات المتوفرة، هو أن جبهة البوليساريو الانفصالية، لا تمثل نفسها، ولذلك فهي لا تمتلك شرعية تمثيل الصحراويين، بقدر ما تنوب عن المصالح الاستعمارية في المنطقة، وفي الآن ذاته تحمي أطماع الدولة الجزائرية، التي تسعي إلي عرقلة المسيرة التنموية للمغرب بجميع الوسائل المتاحة. وهذا ما يفرض علي المغرب (حقيقة) تغيير الخطة، في اتجاه الخصم الحقيقي، الذي يعرقل جميع الحلول المطروحة. فمع إسبانيا يجب الحديث بشكل واضح وصريح مع الجار الشمالي، بخصوص تصفية الوجود الاستعماري، من الجنوب المغربي، ومن الجزر المغربية المحتلة، وكذلك من المدينتين المغربيتين المحتلتين (سبتة ومليلية)، إما بشكل تفاوضي، تقوده الدبلوماسية، وإما فتح المجال أمام الشعب المغربي، بنخبه وأحزابه ومجتمعه المدني، لمواجهة الوجود الاستعماري، والأكيد أن هذا الشعب الذي طرد الجنود الإسبان، عبر مسيرة سلمية (المسيرة الخضراء 1975)، قادر اليوم علي طرد ما تبقي من الأطماع الاستعمارية الإسبانية. أما مع الجار الجزائري، فيجب التعبير بشكل واضح، عن التضايق المغربي من المواقف العدوانية للدولة الجزائرية تجاه المغرب، ويجب التعبير بصراحة عن الاستعداد المغربي لمواجهة هذه العدوانية، بمختلف الوسائل المتاحة. وفي هذا الصدد يجب الخروج من المواقف الازدواجية، التي حكمت علاقتنا بالجزائر لعقود، تحت مسمي العطف المغربي علي أبناء ثورة المليون شهيد. وذلك لأن جنرالات الجزائر لا يقيمون وزنا لهذا النبل المغربي، الذي عبر عن نفسه في مناسبات عدة، سواء من خلال دفع المغرب ضريبة باهظة لمساعدة المقاومة الجزائرية خلال معركة إيسلي 1844، أو من خلال اجتزاء صحراء المغرب الشرقية، وضمها إلي الخريطة الجزائرية انتقاما من فرنسا ضد المغرب الذي دعم الجار الجزائري حتي آخر لحظة، ورفض أي مساومة من فرنسا حول استقلال الجزائر... ولعل قائمة هذه التضحيات لتطول لو فتحنا لها المجال أكثر. لكن ورغم كل هذه المواقف النبيلة من المغرب، فإن الجزائر ومنذ حصولها علي الاستقلال، وهي تفكر في إيذاء المغرب وبجميع الوسائل، سواء عبر دعم معارضة الداخل، من خلال تمويل الخيار الثوري/اليساري الراديكالي، أو عبر خلق بؤر توتر في الصحراء المغربية، عبر احتضان منظمة انفصالية، ودعمها ماليا وعسكريا وسياسيا. نحن جميعنا كشعوب مغاربية، لا نحبذ أي توترات بيننا، بل نطمح جميعا إلي ترسيخ أواصر الإخاء فيما بيننا، لمواجهة التحديات الخارجية، ولكن المعطيات علي ارض الواقع تعاكس هذه الإرادات الصادقة، الشيء الذي يفرض علينا كمغاربة التعامل بواقعية مع التحدي الجزائري، الذي يهدد استقرارنا السياسي، وتنميتنا الاقتصادية. إذا كانت سيادة المغرب علي صحرائه ثابتة، إذن بمعطيات التاريخ والجغرافيا والقانون الدولي، فإن ن ما يتوجب علي المغرب، هو مواجهة التحديات الدولية والإقليمية، التي تعرقل أي حل مطروح لقضيتنا الوطنية الأولي. * كاتب وأكاديمي مغربي المصدر : صحيفة " الزمان " اللندنية