لله درك كتاب ربي،كيف أصبحت أحوالك في زمن الهزيمة والطغيان،أكثر من مليار ونصف المليار مسلم تنام على جنب الراحة ودستورها يهان ويتلاعب به،حتى وقفوا الآن على حرقه. المسلمون يتفرجون وقادتهم يباركون،أي انهيار هذا وقد توالت علينا الضربات من كل جانب؟أي إهانة هذه ونحن نستهدف في أعز الأيام والمناسبات في العشر الأواخر من رمضان التي بها ليلة خير من ألف شهر،ويليها يوم الفرحة والجائزة،يوم العيد السعيد؟إن لم ينتفض المسلمون في هذه الأيام حيث المعنويات والشحنات الإيمانية مرتفعة،فمتى سيتحركون،ماذا أصاب هذه الشعوب؟ إن الصهاينة المغتصبين أعداء كل ملة ودين،يقدسون عقائدهم الفاسدة والمحرفة إلى أبعد الحدود،ويدافعون عنها حتى الموت،ولا يسمحون بالمساس بها ولو بمجرد كلمات،و"المومنون" منهم يتفانون في الالتزام بشعائرهم الفاسدة لدرجة لا يمكن تصورها،ولانستغرب أن تكون دوافع حرب بوش الإبن على العراق دينية،لقد كانت بأمر الرب حسب اعتقاده، إنه أعلنها حربا صليبية بتعبيره الصريح ،قبل أن يتمتم باعتذاره المشكوك والذي يخفي وراءه كل حقد وغيظ، ووجها آخرهدفه ضرب الإسلام في جذوره الحضارية التي تنبع من العراق،لأنه يدرك الخطر الأخضر القادم من الجنوب،كيف لا وقد تشرب ذلك من مستشار أبيه هنتنكتن في ما يتعلق بصراع الحضارات،وخلاصة الأمر أن هناك صراعا حتميا سيجري بين الإسلام والغرب بما فيه أمريكا،لذا وجب- حسب فهم هنتنكتن وتأويل "البوشين" الأب والإبن التصدي مبكرا للإسلام وضربه في مهده قبل أن يتقوى الخصم،وتصير المعركة متكافئة يصعب التكهن بنتائجها. ولتحقيق ذلك لا بد أن تتحرك الإدارة الأمريكية وبمباركة الأنظمة العربية المغلوبة على أمرها،لتبرير كل الخطوات التي تقوم بها،ما يهمها في الأخيرهو النتائج. وهكذاصنعت أولى أسباب الهجوم من ضربات11شتنبر،لتقدم الشعب الأمريكي كضحية لإرهاب الإسلام، فكان السؤال الأمريكي المستفز:هل أنت مع أمريكا أم مع الإرهاب؟ تلاه الزج بالمتهمين في كوانتانامو،إضافة إلى الحملات الصليبية على العراق وأفغانستان والمستمرة حتى اليوم،وكلها حروب تستهدف ضرب الإسلام،وتخفي وراءها كلاما فارغا من قبيل تحقيق العدالة والسلم الدوليين، وإزالة أسلحة الدمار الشامل،وتثبيت قواعد الديمقراطية،والقضاء على الإرهاب، وغيرها من المبررات التي تبرع الإدارة الأمريكية المعروفة بسياسة الكيل بمكيالين في حبكها. الهدف الجلي والواضح إذن من كل الحروب الأمريكية،والتحركات الغربية، هو هدم الإسلام وتمزيق القرآن من قلوب المسلمين الذين عاشوا على أعصابهم حين بدأت الإساءات للنبي صلى الله عليه وسلم،ولا زالت متكررة لحد الآن،حيث قامت ميركل قبل أيام بتكريم رسام الكاريكاتيرالمسيء للرسول عليه الصلاو والسلام. لقد قام المسلمون بانتفاضات مباركة لكنها لم تستمر،رغم استمرار الإساءات،حيث أصبح الأمرمألوفا وهذا هو الخطير. إن عزم القس تيري جونز على حرق القرآن ما هو إلا تسلسل طبيعي للأعمال الممنهجة المسيئة للإسلام والمسلمين،أعمال بدأت منذ القدم وبلغت أوجها أثناء الحروب الصليبية التي دامت حوالي قرنين من الزمان،من 1096م إلى1291م،ثم عادت لتفرض نفسها مع وعد بلفور في سنة 1917القاضي بإقامة وطن قومي لليهود بفلسطين،وتصريحات الوزير الأول البريطاني تشرشل النارية في فترة الحرب العالمية الثانية. والكل يتذكركلام هذا الأخير في أحد لقاءاته مع الجنود،قال:"يجب أن نمزق هذا القرآن" فقام أحد الجنود وأخذ نسخة من القرآن،ثم مزقها،فقال له تشرشل:"لاأيها البليد يجب أن نمزقه من قلوب المسلمين". و لكل عاقل أن يفهم ويتعمق في الفهم. أيهما أخطر أن يحرق القرآن كمجموعة أوراق تحمل بين طياتها آيات،أوأن يحرق ويمزق من القلوب؟ الحرق بالمعنى الأول نقوم به أحيانا عندما نجد أوراقا من القرآن في مكان نجس فيكون الحرق بمثابة تكريم للقرآن،وأرى أن وجود نسخة من القرآن لدى جونز تقاس على وجودها في مكان نجس فالحرق سيكون أهون- هذا فقط من باب الحكمة وليس عدم مبالاة بحرق المصحف حاشا لله- أما أن تكون القلوب فارغة من حب كتاب الله فلا ننتظر مقاومة لأعداء الدين والقرآن. إن بعد المسلمين عن دينهم نتيجة طبيعية لتمزيق المصحف من القلوب التي أسس لها تشرشل بكلامه،وخطط لها الصهاينة من خلال بروتوكولات صهيون،وباركها ويباركها الحكام العرب بتخاذلهم، وقبولهم بكل الشروط والإملاءات الأمريكية،في مقابل الحفاظ على كراسيهم والالتصاق بها مدى الحياة. إننا اليوم في وضع لا نحسد عليه،وفي حالة من التردي والهزيمة يرثى لها. فعلى الصعيد الخارجي أمريكا تتفنن في فرض السياسات المغذية لاستكبارها وهيمنتها وامبرياليتها،وداخليا الأنظمة العربية تسارع إلى تفقير شعوبها وجعلها في منأى عن الشأن العام. المسلمون إذن بين مطرقة الغرب العدو اللذوذ المحارب للإسلام- ولا نقصد كل الغرب،فهناك الكثيرون يعتنقون الإسلام ، ونصرانيون يحترمون ديننا- وسندان الأنظمة الجبرية الظالمة. ما هو الحل؟ في القرآن وعد بالنصر للأمة الإسلامية،شريطة تحقيق شروطه في جماعة المسلمين.قال الله سبحانه:"وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم يعبدونني لا يشركون بي شيئا" نقصد بشروط النصر التقوى الكاملة والورع الشامل،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،حتى تصلح أحوال الأمة،وتصبح مستعدة ومقبلة على الجهاد،تماما كما كانت أحوال الصحابة رضوان الله عليهم في غزوة بدر، ولن يتأتى ذلك دون تربية مغيرة وصبر طويل،فقرون القمع والظلم التي عانت خلالها الأمة الإسلامية الويلات، لا شك تحتاج الوقت الطويل والجهاد الباني المستميت،للحياة من موات،والقرآن الذي تمزق من القلوب وتمرغ في الوحل،وتم تدنيسه من طرف أحفاد القردة والخنازيرومن والاهم، بحاجة لرجال بالمعنى القرآني، ليعيدوا حمل مشعله من جديد،علماء عاملون يقولون كلمة الجق ولا يخشون في الله لومة لائم،أولئك هم أمل الأمة في الرجوع إلى القرآن وإحيائه في القلوب،والتصدي لكل معتد وآثم. إن المستقل للإسلام،تلك حقيقة لا يجادل فيها إلا قاصر،فالحروب المتوالية المسعورة على الإسلام،دليل على اقتراب النصر،وقد ضرب الله عزوجل مثالا لطيفا لأولي الألباب من خلال قوله تعالى:"إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب" وقبل الصبج ساعة يشتد فيها الظلام،قبل أن تهب النسمات العليلة،فالإسلام اليوم يعيش تلك الساعة المظلمة الحالكة التي يكثر فيها الظلم والتسلط،وبعدها سيتنفس الصبج ويطلع من جديد. حاجة المسلمين اليوم إلى اليقين بموعود الله عز وجل،والتوبة والإنابة والرجوع من الضلال إلى الطريق المستقيم،هي البداية الطبيعية الممهدة لدخول القرآن من جديد في القلوب والسيطرة على المشاعر،وإحداث انقلابات داخلية عند الفرد والأمة،وهذا يتطلب من جميع أفراد الأمة الانتقال من العقلية الانتظارية السلبية إلى التشمير على سواعد الجد والانخراط في المشاريع والتجارب الناجحة التي ترد الشباب إلى دينه. إن العالم اليوم يعيش مخاضا عسيرا،والحل هو الرجوع إلى كتاب الله والعمل به،فلو علم الغرب وأعداء الله والقرآن، ما يحمل لهم هذا الكتاب العظيم من حلول ناجعة لجميع آلامهم وأحزانهم لاحتضنوه وآمنوا به وصانوه وقدسوه،فنعيش في أمن وأمان،لكن سنة الله في الكون اقتضت أن يكون صراع أبدي بين الحق والباطل عبر جولات حتى يتمكن الحق أخيرا من دمغ الباطل وإزهاقه،قال تعالى:"ونقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق" إلى كل مؤمن نقول: القرآن رسالة خالدة من رب العزة من أخذه بحقه وعمل به،ودافع عنه، وتصدى لكل مستهزئ به بما أوتي من قوة،كان من الفائزين،ومن فرط في هذه الرسالةالعظيمة وانشغل عنها بسفاسف الأمور،كان من المغبونين.