احتوتنا الغرفة شحيحة الأضواء .. و ألوانها تلقى ظلالا ناعسة.. جلست على السرير الفسيح كقربان في مذبح.. لمحت بريق اللهفة في عينيه.. فدق قلبي الصبي ملتاعا بمشاعر شتى، أحاطها نوع غريب من لا مبالاة مرتجفة.. وراوحت قلبي مشاعر صبية فتية، ممتزجة بخلجات امرأة... أطياف هي، تعبر سماء الغرفة بأجنحة الرؤى المضيئة في شحوب.. و بارق خيال مرتعب.. اختلطت وجوه كأنها دُمى تخاتل صباي الممزق، و أحلامي المنتهكة في وجوم، تسخر مني بقدر ما... هي تشفق.. تراءى لي وجه أمي و أبي... و طل في ملل، وجه ذلك الفقيه .. و بدت ملامح سليمان عجفاء كسيحة راجفة.. أتساءل الآن .. بعد كل هذه السنين، و صورة تلك الليلة تطوف بذاكرتي حية، لكونها بداية الطريق، كيف يمكن للإنسان أن يتحدى القدر... و أساءل نفسي في ندم لا يفيد، ماذا لو لم أطاوعه في الذهاب، أو أطاوع نفسي التي كانت ساعتها كالمنومة ؟؟ هل كان الزمن سيفخر بي ويوشحني وسام حرة لم تأكل بثدييها، فتمتد لي الأيادي البيضاء منتشلة أماني الصغيرة من أتون إملاق وحاجة؟؟ أم كان سيتنكر لي متسولة تستجدي القمامة، وتطاردها نظرات الازدراء؟؟ ودعوات "الله يسهل" في نفاق رهيب؟؟ على السرير الوثير تجردت، هذا الركح الذي جسدت فوقه كل مشاهد الابتذال وسلخت فيه انسانيتي على مر الرجال.. صعق السي عثمان وهو يرى الجسد الغض مستلق أمامه، وكأنه أضحية عيد.. كان القربان أبهى من أن يرد.. مد يدا مرتعشة ضحكت لها، فقد كانت تماثل يد أبى، و ساءلت نفسي وقتها كيف يمكن لرجل أن يمد يدا لمن هي في عمر ابنته؟؟ و اكتشفت بعدها أنى كنت غبية في حيرتي، فكم امتدت بعد ذلك أياد كتلك اليد في سهولة و يسر فأصبحت لا أدهش بحكم الاعتياد و التمرن.. فتشابهت عندي الأياد، واستوت الليال، وغدا الحزن والفرح سيان.. و أصبح الصبي كالشيخ عندي.. كلاهما مجرد تمثال وحشي يروم ما يروم ممن لا تحس و لا تعي.. كنت و أنا معه أرقب بعين خيالي تلك الأساور الذهبية التي كم تقت لها و أنا أرقبها و قلبي يخفق خلف زجاج المحلات البراق، والمتناثرة بكثرة موحشة في أروقة المدينة اللاهية.. كان هو ... و قد أخذته رغبة انبهاره بتجربة أولى، كما بدا، مع صبية يتصرف في بلاهة و كأنه لا يصدق.. و عرفت أيضا ساعتها، كيف يمكن للرجل في لحظات كهذي.. أن يبدو طفلا.. لكنه، مع كونه كالطفل لم يراع طفولتي أنا، و عاملني تعامله مع امرأة فأحسست بالانتهاك.. وضاعت منى تلك الضحكة الأولى التي أخذتني في بداية دخولي الغرفة، و حل محلها أسى عميق و غثيان أحس به حتى الآن بالرغم من مرور كل هذه السنوات.. في النهاية .. مد يدا شاكرة بثمن انتهاكي و إهانتي.. و كانت تلك اليد الأخيرة .. بداية طريقي التي طالما امتدت فيها أياد بعد ذلك شاكرة وأخرى حانقة كعلامة لي.. عرفت فيها أنى قد فقدت كل انسانيتي و معنى وجودي.. في طريق عودتي لم تفارقني ملامح أمي المسكينة , حين كانت تسرف في حماية أشيائي الصغيرة .. فتساقطت الدموع .. و بللت مني الملابس.. صغيرتك اليوم أمي.. صارت عاهرة... وأدرك شهرزاد المساء... [email protected]