تعتبر الثقافة أحدى الركائز الأساسية بما يتعلق بكينونة المجتمع وصيرورته، واحدى الأدوات الهامة والمؤثرة في تحديد تطوره العلمي ومسيرته الوطنية والاجتماعية، حاضراً ومستقبلاً . وفي الحقيقة ، أن ثمة "خلل" في الواقع الثقافي العربي، والثقافة العربية الان لا تقوم بالدور المنوط بها كاملاً ، أو على الأقل لا تقوم بدور حضاري فاعل ومؤثر في عملية التغيير الديمقراطي التقدمي الثوري للمجتمع العربي. أن الواقع البائس الذي تعيشه الثقافة العربية يجد تعبيراً عنه في اغتراب المثقفين والمبدعين العرب وانحسار الصراع السياسي للعديد منهم عدا انغلاقهم، وفي هجرة العقول الثقافية العربية بدلاً من أن تمارس العملية الابداعية وتزاول نشاطها في وطنها وتكون بين ظهراني شعبها، ومع شعبها، تتعذب وتقاتل وتحارب كواحد منه وتشارك في شرف صنع التغيير المنشود .هذا الى جانب تدمير المؤسسات الثقافية وتفريغها من محتوى التقاليد الديمقراطية الوطنية، ومحاصرة الكلمة الحرة النظيفة واغتيالها ، وتشجيع الثقافة الاستهلاكية الرخيصة والسخيفة ، ثقافة العري والجسد، بديلاً للثقافة الشعبية الحقيقية. لقد ازدهرت الثقافة العربية وانتعشت وكانت في خط صعود حين عبرت عن الحاجات القومية لعامة الشعب في مرحلة التحرر القومي، وشهدت نهوضاً كبيراً وهاماًفي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، رغم المضايقات وخنق حرية الفكر والتعبير، وذلك لأن الثقافة انسجمت مع الجهد القومي العام للتحرر والاستقلال ابان التجربة الناصرية، التي استطاعت أن تضع هدف الوحدة العربية هدفاً قومياً فوق كل الأفكار والطروحات، مما عزز بالضرورة الروابط والعلاقات الثقافية بين الأقطار العربية. كما وعبّرت الثقافة في الماضي عن رفض القوى الاجتماعية والوطنية والثورية التقدمية في الوطن العربي لواقع التمزق والتخلف وغياب الديمقراطية. وما من شك، أنه بعد الردة الساداتية حدث صدع عميق في النفسية العربية وانهارت ثوابت ومسلمات كثيرة، فانطفأت الروح الثورية وتراجعت المعنويات، واهتز الوجدان القومي العام للشعوب العربية هزّة عنيفة، مثلما اهتز وجدان المثقفين والمبدعين العرب.كما تفشت الاقليمية في ثقافتنا العربية بشكل مذهل وتراجعت المشاركة لشعبية في المعارك الوطنية لأجل الخبز والمستقبل والتغيير الاجتماعي، وأصبحت الأنظمة العربية تقيم وتنشيء المؤسسات الثقافية بما يتفق مع أهدافها. من واجب الثقافة العربية أن لا تتخلى عن دورها كقوة ادانة ورفض للواقع، وكقوة تأليب للناس من أجل التغيير وصنع الغد الأجمل، وعلى المثقفين الذين يحلمون بالخلاص الاجتماعي والقومي ، أن يكونوا مستعدين لدفع التضحية المطلوبة ، كذلك يجب أن يدمج المثقف بين نضاله بالابداع ونضاله الساسي التحريري، وعندئذ يكون النضال الحقيقي والثقافة الجديدة التي تعبّر عن حلم التغيير الاجتماعي الجذري الثوري للواقع العربي المتخلّف والبائس. اخيراً ، ما أعمق حاجتنا في ظل حالة البؤس الثقافي الراهنة ، الى الثقافة الحقيقية الملتحمة بحركة الجماهير ، المكافحة والمقاتلة مع الشعب كله للخلاص القومي الاجتماعي الذي يحل مشكلة الديمقراطية أيضاً.