إن موضوع المؤسسة السجنية بالمغرب اليوم أصبح من المواضيع الملحة على المسئولين و على الرأي العام على السواء باعتباره جرحا غائرا في جسد المجتمع بما له من تداعيات خطيرة على الشأن العام و الأسرة والأفراد... صحيح أنه ثمة إصلاحات كبيرة و خطوات مهمة من أجل إصلاح المؤسسة السجنية بالمغرب، لكن لا زال هناك الكثير مما ينتظر القيام بتحقيقه من أجل مؤسسات سجنية تكون وظيفتها إصلاحية أكثر مما هي زجرية عقابية، و ذلك من أجل تحقيق تغيير حقيقي ودائم لأوضاع السجون. إنالسجنبمؤهلاته الحالية لا يساعد على إعادة الإدماج أكثر مما يساعد على تفريخ ظواهر ومجرمين جدد محترفين ومنفصمين عن عالمهم بعد الخروج من السجن.. و إن تطرقنا إلى العلاقة بينالسجن كموضوع و كمادةصحافية فإننا نلاحظ ببساطة أن الإعلام الرسمي لا يبرز كعادته في باقي القضايا إلاالمحاسن ويطمس الوقائع و الحقائق المشينة التي تقع وراء باب السجن و داخل أسواره .. ثم إن المنع من تناول المادة السجنية دليل على مدى العفونة التي تعيشها هذه المؤسسة.. و من جهة أخرى، إذا قمنا بتأمل بسيط لجل الأبنية السجنية بالمغرب فسنجد بأن جل السجون الموجودة شيدت عهد الاستعمار و هي لا تتناسب مع الطموحات الوطنية.. و لا البنية المعمارية والتحتية و لا البعد الأخلاقي.. لا يمكن معها أن يكون السجن ورشة ومدرسة للإصلاح و التأهيل.. خصوصا في ضل معضلة تساهل إدارة السجن بسبب الفساد و المحسوبية والرشوة و التي لا تساعد إلا على تزكية مظاهر الفساد و الظلم و الارتشاء والإدمان و الشذوذ والتجارة في المخدرات... بحيث تصبح معها ليلة واحدةفي السجن كافية لتحويل الشخص إلىشخص آخر خصوصا إذا كان شخصا سويا قادته الظروف فقط إلى السجن إلى خرق نفسي و أخلاقي قد يؤثر عليه مدى الحياة.. فليس كل السجناء مجرمين و قتلة.. فكثيرون يدخلون لسبب تافه و يخرجون بعلات أخطر ما يكون على أنفسهم و على المجتمع(شذوذ جنسي، تعاطي المخدرات، تكوين عصابات من السجن، تطرف ، جنون..)الأمر الذي يجعلنا نفكر في أن الإدارة السجنية تكيل بنفس المكيال مع جميع فئات السجن و تسوي بذلك الأخضر باليابس دون أي اعتبارات مبدئية أو أخلاقية.. في حين أنها تفعلذلك في حالة التمييز الطبقي حينتزكي الأغنياء والنافدينمن السجناء ليعيشوا في حالة أشبه بالجنة والعيش خارج السجن.. إذ أنوضعية السجن كمؤسسةأصبحمكانا للمضاربات العقارية و السياحية، ومرافقه و أحياءه عنابرا و غرفا لا يفوز بها إلا المحضوضون من الموصى بهم أو الذين يدفعون أكثر.. فتكون بذلك المؤسسة السجنية مؤسسة إفسادية وتخريبية إجرامية عقابية، و ليست إصلاحية بالمرة. إذتعمل على تجريد الشخص من آدميته و تجعله يعيش ألما و ظلما أشد مضاضة من الذي كان يعيشه خارج السجن.. إن ظاهرة العودة إلى السجون كافيةلتبرز بوضوح مدى فشل السجون في الإصلاح و إعادة الإدماج (تخلق مع المدة مخلوقا سجنيا لا يعرف إلا العيشبين الجدران، غير قادر على العيش و التواصل مع الآخرين داخل مجتمع واحد).. ناهيك عن مهانة بالسجن و مهانة تنتظر خارج السجن... إننا نرى أن الوضعية العامة للدولة في جميع الميادين تعكس بالضرورة بشكل مباشر و غير مباشر على وضعية السجن و السجون.. كما أن حالة المدرسة و العدل و الشغل (الثالوث الحقيقي لحل كل المشاكل الاجتماعية الأخرى)... فأكثر من ثلثي المساجين دفعتهم لا عدالة الحياة و القضاء والفقر والجهلإلى ولوج السجون. إذن الأسباب الكامنة في الواقع المعيش في المجتمع... إننا في النهاية نقول أنه لابد من دراسة أسباب الجرائم قبل الحديث عن السجن و المؤسسة السجنية لأن الأسباب دائما هي الجذور، و إذا كانت الجذور مسوسة فبالنتيجة ستكون الأغصان و الأوراق ضعيفة و مريضة وتلك حال السجن و السجناء.. بالإضافة إلى ضرورةالتركيز على العلاج و التدخل الطبي العلمي النفسي.. فأحوج ما يحتاج إليه السجين قبل كل شيء هو التعامل الإنساني و الأخلاقي لتخفيف وطأة السجن عليه و تقوية معنوياته و تدعيم شخصيته لكي لا تنهار.. و التركيز على هدف مستقبلي لكل سجين يعمل من أجله و يتأهل له قبل خروجه...أي أثناء وجوده في السجن... إلى جانب التركيز على الأنشطة الموازية التي تقوم بدور تربوي فعال جدا... إلى ذلك الغد المشرق نتمنى للمواطن و الوطن كل الصحة و العافية..