قبل أن تفكر في السياسة، وقبل أن تطلق المشاريع الحزبية أو الجمعوية أو النضالية، يجب أن تدرس جيدا نفسية من توجه لهم خطابك. وزيادة على كل ما ذكرنا في الحلقة الماضية، فكل من لا يزال في غرفة نومه ينسج أساطيره السياسية، يجب عليه أن يعلم هذه الأمور والمسلمات في نفسية الشعب الجزائري، الذي له حساسية مفرطة لا يمكن تخيّلها، من كل ما يأتي من الخارج ولو كان صوابا، وتزداد حساسيته لحد النقمة والعداوة والثورة على كل شيء يأتي من باريس، والتي لا تزال تصرّ على تمجيد ماضيها الدموي والإستدماري في حق الشعب الجزائري، على مدار 132 عاما من الإحتلال والإحلال والتسلط والهمجية والجريمة. ولا يقتصر الأمر على المغنّي فرحات مهنّي فقط، بل يشمل كل من يسمّون أنفسهم ب "المعارضة الجزائرية في الخارج"، وطبعا تتجلّى هذه المعارضة عبر الأنترنيت والمنتديات واليوتوب الذي لا يهتم بشأنه في الجزائر إلا القلة القليلة ممن لا ناقة لهم ولا جمل في عالم السياسة وبهتانها، وحتى عبر الفضائيات التي صاروا زبائنها، حيث يطلعون فيها وتراهم يشككون في كل شيء، ويعطون تصورات من وحي خيالهم في أغلبها، المهم هو معارضة النظام القائم ولو كان في مسلمات لا يختلف فيها إثنان، أو على حساب مقدسات وطنية وخطوط حمراء. هذه السياسة المنتهجة لو أفلحت لفعلت شيئا للحكومات المتعاقبة، وخاصة أنهم لم ينجحوا ولو في تقديم عنصر من الحرس البلدي أو الدفاع الذاتي للقضاء، بتهم المجازر الفظيعة التي ينسبونها للجيش، من أجل تبرئة الإسلاميين الذين ثبتت عليهم جرائم يندى لها الجبين ضد الشعب والمدنيين. ففرحات مهنّي إستهدف وحدة الجزائر الترابية بلا أدنى شكّ، والمعارضات الأخرى تستهدف المؤسسات الرسمية للدولة وعلى رأسها الجيش، وهذا جاء بدعم من الغرب وعلى رأسهم فرنسا، والغريب العجيب الذي يشيب له رأس الولدان، أن الإسلاميين في فرنسا وكل الغرب هم مصدر كل الشرور والتطرف، وهم تحت أعين المراقبة وأجهزة الإستخبارات في حلّهم وترحالهم، وكل عملية إرهابية تحدث، توجه مباشرة أصابع الإتهام فيها للمتطرفين الإسلاميين أو حتى المسلمين العاديين. بل أن أغلب الذين يحاربونهم اليوم هم ممن كانوا ينشطون بحرية مطلقة خلال التسعينيات، لما كان الجزائريون يواجهون لوحدهم آلة الدمار والإرهاب، بل يجمعون التبرعات في الساحات العمومية، وينشرون المجلات والكتب والبيانات على مرأى الشرطة والحكومات، وبينهم من يظهرون في الفضائيات من هذه العواصم الكبرى ليشيدوا بالإسلاميين المسلحين، ويتبنون تفجيرات بالسيارات المفخخة أو القنابل التي إستهدفت الساحات العمومية ولم يسقط فيها إلا المدنيون الأبرياء والعزّل. هؤلاء القتلة بألسنتهم وفتاويهم، هم الآن رهن الإقامات الجبرية أو السجون أو المنافي أو المنع، لا لشيء إلا أنه جرى إستهداف ميترو الأنفاق، أو حدثت إعتداءات في أماكن سقط فيها 4 أو 5 ضحايا، أو خدش آخرون أثناء محاولة إرهابية. ولم نسمع يوما من هؤلاء الذين يتهمون المؤسسة العسكرية الجزائرية بإرتكاب المجازر وإقترافها، أن وجهوا سهامهم للمخابرات الغربية التي ترعاهم وتسهر على أمنهم وسلامتهم. ومن بين هذه الإتهامات التي تستهدف المؤسسة العسكرية، نجدها في أغلبها جاءت على ألسنة ضباط سابقين، الذين لم يتجرأ أحدهم وقال أنه شارك في القتل، بل هذا أوصل جنودا – أغلبهم من الخدمة الوطنية - وهو ضابط إلى مكان ما وبقي في إنتظارهم، ليرتكبوا المذبحة ويعودون إليه هو "المسكين" الذي لا يعلم شيئا !!. وذاك الذي له رتبة سامية وكان ذراعا أيمنا لجنرال راحل أتهم بكل الشرور، فلم يفعل شيئا أبدا، بالرغم من أنه كان يعمل في مركز إعتقال كمسؤول أول، وهذا المركز قيل فيه ما يندى له الجبين من طرف هذه المعارضات التهريجية التي تتحالف معه وتسوّق له. كما يوجد من جندته المخابرات ليخترق الإسلاميين، ولعب دورا في أشياء كثيرة بينها تصفيات جسدية ينتقدها ويعلن محاربتها لها حاليا، بل نراه يتبجح بتاريخه "النظيف" على حد زعمه. طبعا يفعلون ذلك دوما من أجل الحفاظ على مكاسبهم، وأهمها حق اللجوء السياسي الممنوح لهم، ولو كانت هذه الدول الغربية تطبق القانون الدولي، لحاكمتهم لأنه لا يمكن أن يصل أحدهم لرتبة عقيد في "مخابرات القتلة والمجرمين" على حد زعمه، وهو طاهر اليدين والرجلين والبطن والعورة !! المقال القادم: ماذا بعد حكومة فرحات مهنّي المؤقتة في باريس (3)؟ (02/08/2010)