1 أثير لغط إعلامي كبير حول خلفيات وحسابات الفورة التي يعرفها المغرب في ميدان تنظيم المهرجانات، إلى درجة إشارة بعض المعلقين عن رغبة من يهمهم الأمر في تحقيق حلم/مشروع "مهرجان لكل مدينة"، وبحكم أنه سبق لنا، عبر هذا المنبر بالذات توجيه الدعوة العلمية والأخلاقية للمتصفحين والباحثين والكتاب والنقاد.. إلخ، إلى تفكيك ماهيات الحديث عن "المشروع الديمقراطي الحداثي" الذي يرفعه بعض صناع القرار، مؤكدين أن مهام التفكيك ليست هينة، وأنها تتطلب بداية استحضار مهام المثقف كما حدّدها يوما، الراحل إدوارد سعيد (تغمده الله برحمته الواسعة)، والمفكر الأمريكي الألمعي، نعوم تشومسكي (أطال الله في عمره)، فإننا ننتظر من المتتبعين المغاربة، الترحال مع هذا التفكيك، ولو من باب التقييم أو التقويم، ولو أن بعض صناع القرار، يعتقدون أن ما يروجون له يكاد "لا يأتيه الباطل". 2. تم يوم الأربعاء الماضي، وبإشراف محمد يسف، الكاتب العام للمجلس العلمي الأعلى (وبالتالي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إحدى أهم وزارات السيادة في الحقل السياسي المغربي)، إعفاء رضوان بنشقرون، رئيس المجلس العلمي المحلي بعمالة الدارالبيضاء عين السبع، وتعويضه بمسؤول جديد، واعتبرت يومية مغربية أوردت الخبر (يومية الصباح، في عدد الجمعة الماضي) أن قرار الإعفاء، "رسالة مشفرة إلى باقي رؤساء المجالس العلمية المحلية في ربوع المملكة". 3 تتبعنا عن كثب ما نُشِر في المنابر الإعلامية المغربية عن موضوع المهرجانات، ونقصد على الخصوص، مقالات التيارين الإسلامي الحركي، والتيار العلماني الحداثي (وكلاهما للتذكير وليس مهما ألا يروق لهما هذا الموقف/التقييم/الحكم، لولا أن "الحقيقة" هي كذلك لا يمثلان إلا أنفسهما ويجسدان أقلية هوياتية في المجتمع المغربي، وليس هذا مقام تفكيك هذا الحكم وتغذيته بالمعطيات والأدلة)، وكان شعار المقاربة التفسيرية الاختزالية، سمة أغلب هذه المقاربات، لأسباب عدة، وبدهية للمفارقة، وفي مقدمة هذه الأسباب، أن تلك المقاربات، كانت تنطلق من "يقينيات" لا يأتيها الباطل، ولا مفر منها، مفادها أنهم يعتقدون سلفا وجازمون في امتلاك "الحقيقة" للموضوع، مع أنها لا تعدو أن تكون مقاربة إيديولوجية للموضوع. 4 خُصّصت افتتاحية العدد الأخير (عدد يوليو غشت) من شهرية "المجلة الأدبية" (Le magazine littéraire) الفرنسية الشهيرة (وما أدراك ما "المجلة الأدبية"، عندما نقارنها بواقع المجلات الثقافية في مجالنا التداولي العربي والمغربي.. ولا حول ولا قوة إلا بالله)، للترحال مع كتاب مُمتع للغاية وألفه فردريك مارتيل تحت عنوان: "تحقيق في هذه الثقافة التي تروق للعالم أجمع" (جاء العمل في 460 صفحة بالتمام والكمال، وصدر عن دار النشر "فلاماريون" الباريسية)، ويمكن إيجاز زبدة هذا العمل، كما نقرأ في الافتتاحية التي حرّرها مدير التحرير جوزيف ماسي سكارون، في أن صناع القرار الثقافي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لا يهدفون إلى قتل الثقافات الوطنية في باقي دول العالم، كما يعتقد الجميع، (وفي مقدمتهم أهل العقلية المؤامراتية إياها)، بقدر ما يرومون، إبقاء هذه الثقافات الوطنية في دائرة التأثير الأمريكي، ولو تطلّب الأمر، "تقديم المساعدة" لإحياء هذه الثقافات، شرط تأكيد موالاتها للثقافة الأمريكية الأم، والكتاب للتذكير، يرتحل في ثقافات العالم أجمع، القديمة والجديدة، مع تركيزه على الحديثة طبعا، كما يتطرق للحروب الضارية بين هوليود الأمريكية وبوليود الهندية، ولا يترك أهل فضائية "الجزيرة" وفضائيات المكسيك وجنوب إفريقيا في شأنهم.. ومن خلاصات الكتاب أيضا، أن المؤسسات والشركات "الثقافية" الأمريكية، تدر الأموال الطائلة على الاقتصاد الأمريكي، دون زيادة أو نقصان، بتقييم جوزيف ماسي سكارون. 5 أثار رضوان بنشقرون، الرئيس السابق للمجلس العلمي المحلي بعمالة الدارالبيضاء عين السبع، لغطا إعلاميا كبيرا في المنابر الإعلامية الوطنية، منذ أشهر مضت، وذلك بسبب تمريره لائحة انتقادات ضد طبيعة بعض الضيوف الذين تمت دعوتهم للمشاركة في النسخة الأخيرة من مهرجان "موازين"، وهو المهرجان الذي يشرف عليه أحد رموز المربع الملكي. 6 بين أيدنا مبحث من العيار الثقيل، صدر في مجلة "إضافات" البيروتية (المجلة العربية لعلم الاجتماع)، تصدر عن الجمعية العربية لعلم الاجتماع بالتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية، تحت عنوان: "الإسلاميون وسياسة اللهو"، وألفه آصف بيات (أستاذ علم الاجتماع ودراسات الشرق الأوسط، جامعة ليدن، هولندا، وترجم المقال مها بحبوح، وجاء المبحث في حوالي 30 صفحة مرفقا بثلاث صفحات من المراجع الرصينة (أغلبها مراجع فلسفية، ومن يقرأ المبحث قد يعتقد أن محرره من طينة علي عزت بيغوفيتش (المفكر البوسني المسلم) أو جاك دريدا (المفكر الفرنسي اليهودي)، ونوجز بعض خلاصات العمل القيّم في نقطتين أساسيتين: "تبرز حتى الآن مقاربتان عامتان لشرح المعركة ضد اللهو: الأولى، تفكير ديني يركز على الانصراف عن الله أو عن الإيمان باعتباره السبب الرئيس لقمع اللهو، والثانية تتمحور حول المشاعر الحداثة بما فيها العقلانية البرجوازية. (المؤسسة على قاعدة "الوقت من ذهب")". "الأخلاق المعادية للهو، سواء أكانت دينية أم دنيوية، حديثة أم سابقة للحداثة، برجوازية أم شيوعية، وسواء اعتنقها أفراد أو حركات أو دول، ليست شواغل عقائدية فحسب، بل هي قضايا سياسية تاريخية بصورة أساسية، وبتعبير أكثر مباشرة، تمثل هذه الأخلاقيات، بل وتجسد، تقنية معينة للسلطة، وقاءً خطابيا يشرعن ويعزل السلطة الأخلاقية أو السياسية عن طريق ربطها بما "هو فوق التساؤل" بالمقدس، بالمحظور مسُّه، الله، الثورة، المقاومة، البروليتاريا، الأمة". (إضافات، العدد 7، صيف 2009) 7 أكد المدير الفني لمهرجان الدارالبيضاء الذي نُظم مؤخرا في الفترة الممتدة بين 15 و18 يوليو، أن إدارة المهرجان لجأت إلى دعوة "المطربة" اللبنانية هيفاء وهبي، من أجل تحقيق رقم مليون متفرج طيلة أيام المهرجان، بحكم الشعبية التي تحظى بها "المطربة" إياها. 8 ثمة سؤال مؤرق بخصوص أسباب إعفاء رضوان بنشقرون، ويبدو أنه لم ولن تتجرأ أي يومية أو أسبوعية مغربية للخوض في حيثياته، بما في ذلك أصحاب الأعمدة "الشعبوية" و"النخبوية": هل يرتبط قرار الإعفاء بكون الرجل وجَّهَ انتقادات صريحة ضد دعوة مدير مهرجان "موازين" المغني البريطاني إلتون جون (المعروف بشذوذه الجنسي، عند البعض أو مثليته الجنسية عند البعض الآخر)، وهي ذات الانتقادات التي صدرت عن حركة "التوحيد والإصلاح" وبالتالي حزب "العدالة والتنمية"، ومنه، "نتفهم" عدم أحقية أحد علماء المؤسسة، بتقليد الخطاب عن بعض محتكري النطق باسم الإسلام في مجال تداولي يتميز بوجود منظومة إمارة المؤمنين (للمفارقة، أن سؤال الإعفاء يعتبر إدانة مباشرة لبعض معالم سياسة أحمد التوفيق، في تدبير الشأن الديني، وهذا موضوع آخر)، أم أن قرار الإعفاء، يرتبط دون زيادة أو نقصان، بتوجيه النقد للمدير الفعلي للمهرجان دون سواه. 9 منذ بضع عقود فقط، وفي عز فورة المعارضة الاتحادية/الاشتراكية للنظام المغربي (والتي انتهت اليوم إلى زوال)، اشتهرت المعارضة بتصريح شهير وصريح وشجاع، جاء على لسان محمد جسوس، أحد رموز علم الاجتماع المغربي، ومفاد هذا التصريح، أن بعض المسؤولين (آنذاك) يريدون "خلق جيل من الضِّباع". 10 نترك المشهد الأخير للراحل عبد الوهاب المسيري، كما جاء في آخر المؤلفات التي صدرت له، وهي عبارة عن أربعة أعمال قيّمة للغاية، أشرفت على تحريرها سوزان حرفي، بحكم أنها تجميع لمُجمل الحوارات التي أجراها الراحل، (منها حوار أجريناه معه منذ حوالي عقد من الزمن)، وجاء العمل التجميعي في أربعة أجزاء، وصدر عن دار الفكر الدمشقية، الطبعة الأولى، 2009، ويحمل الجزء الثاني الذي نقتبس منه هذه الشهادة (ص 241) عنوان: "العلمانية والحداثة والعولمة"، وهي شهادة تحيلنا على القواسم المشتركة بين المشاهد التسعة سالفة الذكر.. يقول المسيري: إن "الحديث عن القيمة التبادلية العامة التي تُلغي الخصوصيات (بتعبير الناقد الأمريكي الماركسي فردريك جيمسون)، ليس، في واقع الأمر، حديثا عن رأس المال باعتباره شأنا اقتصاديا وإنما عن رأس المال باعتباره آلية ذات بُعد معرفي تؤدي إلى تفكيك وهدم كل ما هو فريد وخاص وعميق ومقدس ومُحَمّل بالأسرار، ومن ثم فهي آلية معادية للإنسان". والله أعلم.