تعرض الكاتب والناشط الثقافي المغربي عبد الوهاب سمكان مؤخراً للاعتقال ، ليس لأنه معارض سياسي أو مناضل حقوقي ، بل لأنه كاتب لا يملك سوى عربة مجرورة يبيع فيها بعض المأكولات لتلاميذ المدارس . يبدو الأمر غريبا إلى حد ما ، لكنها الحقيقة ، فقد جرجر رجال السلطة هذا الكاتب أمام أنظار العابرين حين طالبهم بالتصريح الذي يخول لهم احتجاز عربته ، وتمّ اقتياده بشكل تعسفي إلى سيارة الأمن ومن تم إلى مقاطعة الحي الحسني بمراكش بعدما ألقوا بعربته في محجز البلدية ، وقد صرح سمكان بأن قائد المنطقة الذي احتجزه لمدة اثنتي عشرة ساعة - وسيحتجز أيضا عربته التي لم يفرج عنها إلى يومنا هذا - برّر ذلك بقوله: " سلطة طاغية خير من قبيلة فوضوية " . غير أن هذه السلطة التي تبدو صارمة مع كاتب فقير وعاطل عن العمل تكون بالمقابل عمياء مع لصوص الوطن الكبار ، لذلك يجد سمكان نفسه اليوم أعزل ، فمصدر عيشه البسيط قد تم توقيفه ، وهو يتأسف لأنه لم يتم التعامل معه كمواطن محتَرم ، بالأحرى كمثقف وكاتب . قبل أن يجر سمكان عربته في شوارع مراكش من أجل لقمة عيش ، كان قد ترأس تحرير جريدة " رؤى ثقافية " الشهرية وأصدر منها أربعة أعداد ، كما نشر ديوانا شعريا عنوانه " بأصابع الأعمى أتسلل " ومجموعة قصصية عنوانها " كلاب السوق " ، والطريف أنه يحكي في أحد نصوص هذه المجموعة عن شاب يجر عربة لبيع المأكولات ويعاني من مضايقات أعوان السلطة . وقد انطلقت حملة واسعة على " الفايس بوك " تضامنا مع عبد الوهاب سمكان ، كما أصدر حوالي مائة مثقف مغربي بيانا يستنكرون فيه ما يتعرض له هذا الكاتب من إهانة ، من بينهم محمد معتصم ، ياسين عدنان ، حسن البقالي ، أنيس الرافعي ، زهرة رميج ، هشام فهمي ، شكيب أريج ، عبد العزيز الراشدي وآخرون ، إضافة إلى عدد من الكتاب العرب كباسم سليمان وفاطمة ناعوت وكمال العيادي وغيرهم. ومما جاء في هذا البيان : " هل لنا الحق في العيش أو في محاولة العيش حتى ؟ أم أن اللقمة ابتعدت أو بالأحرى استُبعدت وصار المواطن ، مبدعا كان أو معلما أو عاملا أو طالبا أو موظفا أو عاطلا ، عرضة للاعتقال والحرمان من مصدر قوته اليومي والجرجرة في الطرقات والشوارع العامة أمام الأنظار وفي واضحة التعسف دون حسيب أو رقيب ؟ نريد وطنا ينتمي إلينا حتى نفخر بالانتماء إليه " . من المؤلم فعلا أن يتحول رئيس تحرير جريدة ثقافية وقاص وشاعر إلى عاطل عن العمل تلاحقه السلطة لأنه يبيع أشياء بسيطة في عربة خشبية مجرورة ، ومن المؤلم أيضا ألا تتدخل المؤسسات الثقافية التي يفترض بها أنها أول نصير للمثقف ، إذ كان على اتحاد كتاب المغرب ممثلا في فرعه بمدينة مراكش أن يتدخل لدى السلطات المحلية لحل هذا المشكل ، يقول سمكان في تصريح للسفير: "ما يحز في النفس وما لا أستطيع تحمله هو أن لا يحرك اتحاد الكتاب ساكنا ، لا أطلب منهم مالا ولا دعما لنشر كتاب ولا النضال من أجل وضع اعتباري ، كل ما أتمناه هو تشكيل لجنة تتوجه إلى السلطات وتتابع الأمر وتصدر بيان تنديد وتضغط من أجل فك الحصار عني حتى أحصل على لقمة عيشي من عرق جبيني " . كما يلوم الكاتب وزارة الثقافة المغربية لأنها لم تهتم بقضيته، ويضيف سمكان : " بنسالم حميش كاتب من العيار الثقيل يستدرج القارئ في روايته " العلامة " للتعاطف مع ابن خلدون وللتنديد بما تعرض له في القرن الثامن الهجري ! بينما في عصره ، عصر ترؤسه وزارة من أولويات مهامها الاهتمام بالكاتب المغربي وبوضعه الاعتباري ، لا يحرك ساكنا وكاتب مغربي يعتقل ويحتجز بشكل تعسفي ويحرم من لقمة عيشه " .