الساعة الثانية عشر ليلا، انطلقت بسيارتها من رام الله باتجاه منطقة تل ابيب –رمات غان-تقل طفليها في ليلة صيفية ملبية مطلب طفلها اللحوح بالتوجه للبحر،كانت تشعر بالضيق من الاجواء التي تعيشها في رام الله،مدينة البنايات والاحجار والازدحام المهني والسكاني،عادت بالذاكرة الى طفولتها حينما كانت امها تأخذها الى مصيف فلسطين لتتناول هي واخوتها البوظة والمثلجات من محلات ركب،تذكرت حينها هدوء المدينة واجواؤها الصيفية الراقية،حين كان المكان يعبر عن رونقة وعن طبيعته الجبلية،حين كانت الاجواء نقية من غبار السياسة والنفاق،اقلت سيارتها مسرعة نحو الجانب الاخر من القضية نحو البحر المتوسط لتتنشق رائحة البنفسج من محار البحر. افكار من هنا وهناك استقلتها من جوانب الطريق،اتصال هاتفي في وقت متأخر من الليل ليذكرها بأن احدا ما يريد الاطمئنان على حالها،ربما جاء الاتصال في وقته ليبعدها عن التجول في افكارها السلبية ،وليبدأ محدثها يسرد هواياته في تعبئة وقت فراغه في مدينة رام الله لينتهي الحوار عند امل اعطاها اياه في حب الحياة. وصلت منطقة نهر اليركون الساعة الواحدة واربعين دقيقة صباحا،واطفالها نيام في المقعد الخلفي من السيارة ،وقفت في الجزء المقابل لاناس يحتسون المشروب تحت الاشجار في حديقة اليركون ،ويتمايلون على اغاني باللغة العبرية وبعضها بلحن عربي،حتى سمعت لحنا للمطرب العربي راغب علامة مركب عليه كلمات باللغة العبرية وحاولت جاهدة تذكر الكلمات باللغة العربية لتجد نفسها في منصف الاغنية تشاركهم الغناء بلغتها العربية،مزيج جعلها تفكر في خليط التناقضات بينها وبينهم،يستقبلون بفرح الحاننا العربية ويرفضوننا كبشر من الممكن التعايش معهم،يأكلون الحمص والفلافل العربي ويرفضون الاعتراف باستقلالنا،يزجوننا بسجونهم ويبيعوننا منتجاتهم،يصفونا بعبارات ارهاب ويشيدون الاسيجة حول اعناقنا وبيوتنا واراضينا ويتفاوضون معنا. في لحظة وفي خضم الافكار ودون ان تشعر استسلمت للنوم على رقصاتهم وقبلاتهم لبعضهم واصوات كاسات مشروبهم ورائحة اللحم المشوي على كانونهم،لتستفيق لاحقا على صوت طفلها يبلغها انه لايستطيع النوم من صوت الموسيقى المزعج ونقل جلسته الى الكرسي الامامي بجانب مقود السيارة ليطلب من والدته الانتقال الى الجزء المقابل من الحديقة،استجابت له وفعلا استغرق طفلها لاحقا في نوم عميق. حاولت اخذت غفوت ونافذة سيارتها مفتوحة لاستقبال هواء الصباح في منطقة ساحلية حارة نسبيا في شهر حزيران،الا ان الناموس القادم من الشجر المحيط بها بدأ يعكر لحظات الراحة التي تشعر بها بين الطبيعة الخلابة والانوار الخافتة التي اعطتها شعورا برومانسية عانقت خلالها روح الطبيعة وكأن حملا من الكابة والاكتئاب قد غسل من اعلى رأسها لاخمس قدميها،قررت حينها وبعد اصرار الناموس على لسعها في كل مناطق جسدها ان تستسلم وتغلق نافذة السيارة واختارت بديلا لذلك فتح مكيف السيارة. لم تدرك حينها ان مكيف السيارة يعمل من خلال بطارية السيارة لتصحو باكرا الساعة السادسة على صوت اطفالها يطلبون الحليب،وحينها جرب تشغيل سيارتها ولكن دون اي ردة فعل ايجابية من محركلاتها وكأن شللا اصاب كل اجزائها،فأخبرت طفلها انها ستحاول ايجاد احدا يساعدها على شحن البطارية. حينها قررت النزول لتستطلع المكان فلم تجد الا سيارات معدودة وقد رحل الجميع وهدأ المكان الا من بعض الرجال والنساء اللذين بدأوا يتوافدون على المكان لممارسة نشاطهم الرياضي سواء المشي او الركض او رياضة الدراجات الهوائية وبعض من ذوي الاحتياجات الخاصة اللذين ايضا يمارسون رياضة خاصة بهم. اوقفت احدهم وتحدثت له بالعبرية عن مشكلة تشغيل السيارة،اجابها بالقبول وبدأ بوضع كوابل الشحن الا انه وبعد ان سمع طفلها يتحدث العربية اعتذر واخبراها انها بحاجة الى تعشيق السيارة،حينها قررت اخذ اطفالها والقيام هي ايضا بالرياضة الصباحية امام نهر اليركون وقد بدأ البط بالنهوض والجلوس على جوانب النهر ومنظر الشمس المشرقة عليه يمدك بسنين اضافية لعمرك،وكأن الحياة تبدأ من جديد على احفاف رائحة المياة والورود واوراق العشب والشجر ،منظر ساحر يحملك للفردوس بين ثنايا اندماج ضور السمس مع المياة وحولها مساحات واسعة من الاشجار الخضراء تعانق شعاع الشمس ومرتوية بمياه النهر. لعب الاطفال مع البط قليلا والقت هي بنفسها تحت الشجر ووجهها باتجاه السماء لساعة من الزمن،وبعد جولة سريعة بالمكان طلب منها طفلها التوجه الى حيقة الطيور حيث توافد الاهالي وابناؤهم في يوم الجمعة هذا ،للقيام بنزهة نهاية الاسبوع،حيث احضروا طعامهم والعابهم مع فعاليات ادارة الحديقة تشعرك بأنه يوم احتفالي يتعرف فيه الاطفال على انواع الطيور المحيطة بهم .ومع الموسيقى يتراقص الاهالي وابناؤهم،حينها لعب اطفالها مع اطفالهم لم تكن اللغة وسيلة للتواصل بل كانت الالعاب لغة مفهومة بين جميع الاطراف وكانت التناوب على اللعبة سلس دون عنف او صراع وكان الدور هو الحاسم حيث اصطف الاطفال لوحدهم وانتظروا بعضهم دون مفاوضات او تنازلات فكل يعلم مكانه وحجمة وحقه ووقته الزمني. بعد نهار مطول عادت لتجد حلا لسيارتها،وقد تعب اطفالها من اللعب واكل المثلجات في هذا اليوم الحار،وقفت على امل ان ترى طريقة لتقنع احدهم بمساعدتها،فلم تجد سبيلا الا ان ترسل طفلها حيث علمته كلمتين باللغة العبرية حتى يستطيع ايصال الصورة ولو بشكل جزئي ،الا ان النتيجة كانت سلبية ففكرت حينها ان تطلب من سائق سيارة اجرة ان يساعدها،وفعلا توجهت للشارع الرئيسي واوقفت احدهم،واخبرته انها بحاجة لشحن بطارية السيارة،اجاب بالموافقة الا انه اشترط ان تدفع له مقابل ذلك خمسون شيكلا(تقريبا ثلاثة عشر دولار امريكي)فوافقت على ذلك،وخلال دقيقتين او اقل تم تشغيل السيارة وحينها دفعت له المبلغ ،وعادت لها الذاكرة( لو كنت في رام الله لوجدت جميع سكانها مستعدون لمساعدتي ضحكت وقالت....يرحم عاداتنا العربية). [email protected]