يعتبر حي يعقوب المنصور أكبر حي بالعاصمة المغربية الرباط، حيث تسكنه 270 ألف نسمة، وهو ثاني أكبر الأحياء على الصعيد الوطني من حيث معدل الفقر والجريمة والبطالة بعد حي سيدي مومن بالدارالبيضاء الذي يطلق عليه اسم " معقل الأصوليات المتطرفة" والذي دوى اسمه بعد تفجيرات الدارالبيضاء في ماي 2003. إرث ثقيل منذ ما يقرب العام، يترأس حكيم بن شماس مقاطعة حي يعقوب المنصور.يقول إنه حين استلم مهنته كرئيس صدم بشدة، موضحا: "لأني اكتشفت حجم التركة الثقيلة من الفساد التي ورثتها. أول شيء اصطدمت به أني لم أجد مكتبا ولم أجد كرسيا واحدا. وجدت البناية مخربة. الرئيس السابق لم يأت أبدا ولا استقبل مواطنا مرة. استلمت الرئاسة وليس في ميزانية المقاطعة درهم واحد . نصف الموظف يعلى الأقل ، وعددهم بالضبط 1111، هم موظفون أشباح، بمعنى أنهم يتقاضون راتبهم من المقاطعة وهو لا يشتغلون أصلا ولا يأتون لمقر العمل نهائيا. التركة ثقيلة جدا ولكن إرادتي وطموحي قوي جدا ولم يسبق إن كانت إرادتي اصلب مما هي عليه الآن". خراب وبؤس في كل مكان تهيمن مظاهر البؤس والفقر المدقع والبيوت القصديرية على مقاطعة يعقوب المنصور. الحياة في يعقوب المنصور خربت، كما يقول بن شماس، "لا توجد مناطق خضراء و أحزمة البؤس منتشرة في كل مكان". إضافة إلى الخراب الذي يتجلى في كل مكان، فان حي يعقوب المنصور يحطم الرقم القياسي في العاصمة المغربية حين يتعلق الأمر بمعدل الجريمة والدعارة وتعاطي الشباب للمخدر الرخيص المسمى القرقوبي. رائحة الموت وفي الطريق إلى أفقر منطقة بالحي، دوار القرى، يحكي بن شماس لإذاعة هولندا العالمية عن فترة الحملة الانتخابية التي خاضها قائلا: "دخلت إلى الحي مع مجموعة من شباب الحي، إذ يستحيل أن تجوب بدروب الحي إن لم تكن منه. زرت منازل، يخجل المرء أن يسميها منازل، إذ لا تتعدى كونها أكواخا حقيرة وهناك شممت رائحة وتيقنت أن للموت رائحة. وهي رائحة تعجز كل قواميس الدنيا عن وصفها. هذه واحدة من التحديات التي جئنا من اجل مواجهتها". تناوب على النوم يعتبر دوار القرى نموذجا من حجم الفقر والبؤس المستشري في حي يعقوب المنصور وهو حي تقطن فيه مئات الأسر الفقيرة. وفي هذا الحي كثير من مظاهر القرون الوسطى كما يؤكد بن شماس قائلا: " الأسر هنا تقطن في غياب تام لمقومات الحياة. في مثل هذه الأحياء تسجل أعلى معدلات الجريمة، العشرات من الشباب الذين يتعاطون القرقوبي ، نوع من المخدر الرخيص، عشرات الفتيات يتعاطين الدعارة في الأحياء الراقية لمدينة الرباط . لا نتوفر على إحصائيات رسمية لكن المعطيات التي بين أيدينا تشير إلى أن العاهرات في الرباط ينحدرن من مثل هذه الأحياء، وفي مثل هذه الأحياء يتناوب الإخوة على النوم. هناك الكثير من العائلات تقتات من الفواكه والخضر النتنة. شاهدت بأم عيني باعة متجولين يبيعون نصف تفاحة نتنة وطماطم نتنة. يستحيل على الناس هنا شراء الأسماك واللحوم، لذلك فإنهم يقتاتون على الشحوم. يتذكر بن شماس وضع عائلة زارها في هذا المكان، تتكون من أب وأم وشابتين وشابين، تقطن العائلة كوخا بغرفتين ضيقتين، يتناوب في إحداها الأختين والأخوين على النوم، حيث تنام الفتاتين من العاشرة للثالثة صباحا، وبعد ذلك يأتي الدور على الأخوين. من الأوضاع المؤسفة جدا والتي تمزق القلب، كما يؤكد بن شماس قائلا: " الهاجس المؤرق هو إنجاح تجربتي كرئيس ليعقوب المنصور لأفي بوعودي للمواطنين". مشاريع ولكن " من أجل يعقوب منصور جديد " ، هكذا يسمي بن شماس مشروعه الذي يريد عبره أن ينفتح حي يعقوب المنصور على البحر بدل أن يظل موليا ظهره له. لكن بن شماس يضيف قائلا في صدد الحديث عن مشاريعه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما خُرب ودُمر: "يجب أن أكون واقعيا فانا لست واهما انه طيلة انتدابي سأتمكن من القضاء على كل المشاكل في حي يعقوب المنصور. هذا اكبر من الإمكانيات المتوفرة". لكن يعتقد أنه سينجح أولا في انجاز ثلاثة أو أربعة مشاريع رئيسية بالحي، مثل استعادة الحياة للمناطق الخضراء التي خربت، وممارسة أقصى درجات الاستفزاز الايجابي تجاه مكونات النسيج المدني، " إذ دعوت منظمات المجتمع المدني بيعقوب المنصور لإطلاق دينامية مدنية اسميها مجلس الظل. مجلس لساكنة الحي وظيفته مرافقتي ومتابعتي ومحاسبتي إن اقتضى الحال. أريد أن اشتغل في إطار أقصى من الشفافية. وهناك مشروع إنشاء سلسلة من الدور اسميها دور المواطن، ومراكز للتربية على المواطنة وإخراج شرائح شباب يعقوب المنصور وإشراكهم في دينامية إشاعة ثقافة المواطنة وتحمل المسؤولية في خدمة حيهم".