شبح تفجيرات 16 ماي 2003 مازال يلاحق منطقة سيدي مومن التي خرج منها أغلب الانتحاريين ومازالت المنطقة أقرب إلى القرية منها إلى منطقة تنتمي إلى العاصمة الاقتصادية للمملكة، كما أن الوعود الرسمية التي أعطيت بعد 16 ماي لم تجد كلها طريقها إلى التنفيذ، خاصة فيما يتعلق بمحاربة دور الصفيح. «ما يحير الناس بكاريان طوما هو أن البراني استفاد ونحن هنا منذ أربعين سنة ولم نستفد». هذه الجملة التي جاءت على لسان حسني عبد العزيز خير تعبير عما يخالج عشرات الأسر والعائلات التي اتخذت من كاريانات سيدي مومن مأوى لها. لم يخطر ببال عبد العزيز أن تحرم عائلته، التي أقامت بتلك المنطقة منذ الستينيات من القرن الماضي، في حين تستفيد بعض العائلات «غير الأصلية» من بقع أرضية مساحتها تقارب 80 مترا مربعا في إطار البرنامج الذي أعدته السلطات بعد تفجيرات الدارالبيضاء ليلة الجمعة 16 ماي 2003، عندما اهتز قلب العاصمة الاقتصادية على تفجيرات هي الأولى في التاريخ المعاصر للمغرب. في تلك الليلة ضغط أربعة عشر شخصا على أزرار قنابلهم ليفجروا أنفسهم ويحولوا قلب مدينة الدار البيضاء إلى دم وألم ودمار. حدث هذا أمام فندق فرح وداخل «دار إسبانيا» وأمام قنصلية بلجيكا وبجانب المقبرة اليهودية بالمدينة القديمة وفي مقر الرابطة اليهودية. كل الذين فجروا أنفسهم أتوا من حي هامشي من الأحياء القصديرية بالدارالبيضاء: حي سيدي مومن. وفي رمشة عين خرج ذلك الحي من الهامشية إلى العالمية. كل شيء تقريبا بسيدي مومن يجعل منه منطقة أشبه بقرية أكثر منها منطقة تنتمي إلى العاصمة الاقتصادية للمغرب: أزبال متناثرة هنا وهناك، دواب وبقر تقتات من القمامة، وماعز يشرب ماء ملوثا على قارعة الطريق، وغبار يسبح في السماء ينضاف إلى حرارة الشمس في هذا اليوم القائظ من أيام شهر ماي، و«طرق» في أغلبها محفرة وبدون رصيف. من رحم هذا البؤس، وهذا الفقر، و هذه الرداءة لا يمكن أن يتولد إلا الحقد والعنف الأعمى الذي كانت تفجيرات 16 ماي عنوانها الأبرز. «كان سيدي مومن مهمشا ومنسيا، غير أن التفجيرات جعلت الكل يلتفت إليه» يقول العربي زاهدي رئيس رابطة جمعيات سيدي مومن. الدولة التي طالما تناست وتجاهلت هذا الحي المهمش طيلة ثلاثة عقود من الزمن، سارعت بعد الأحداث إلى إعداد مخطط من أجل القضاء على الفقر ودور الصفيح بهذا الحي، كما تم إدراج أربعة أحياء من سيدي مومن في إطار برنامج محاربة الإقصاء الاجتماعي في الوسط الحضري من أصل 250 حيا في المغرب، وهذه الأحياء هي دوار طومة، دوار السكويلة، وكاريان الرحامنة، والتشارك. ولكن إلى أي مدى نجحت الدولة في استراتيجيتها؟ مقاربة أمنية «المقاربة التي عالجت بها الدولة مشكل دور الصفيح بسيدي مومن كانت بالأساس مقاربة أمنية»، هذه الملاحظة التي استخلصها أحمد الوافي، عضو ينشط بجمعية الغد، تلخص المأزق الذي وصلته المشاريع التي تمت برمجتها بهذه المنطقة بعد أحداث 16 ماي، والتي لم تجد جميعها طريقها إلى التنفيذ. أحمد الوافي شاب تقارب سنه الأربعين، ينتمي إلى منطقة سيدي مومن التي ولد وترعرع بها. يتحدث بأمل كبير، ولكن في نفس الوقت بأسى أكبر عن منطقة مازال معظم سكانها يعيشون في فقر وبطالة وتهميش كما كان الحال قبل أحداث 16 ماي. يعتقد الوافي أن المقاربة التي عالجت بها الدولة المشكل بعد الأحداث كانت معالجة أمنية. لقد كانت الفكرة السائدة لدى المسؤولين أن المشكل يكمن فقط في ترحيل الناس واستبدال مساكنهم القصديرية بمساكن أخرى من الإسمنت لا تختلف عن الأحياء القصديرية. يقول الوافي: «تم ترحيل السكان من مدن قصديرية إلى مدن إسمنتية لا تتوفر على أي مرافق اجتماعية أو حدائق أو سوق نموذجي أو ملعب، إذ مثلا تم تخصيص 30 مليون سنتيم لإنجاز ملعب أنجز منه جدار فقط، ومازال تفريخ البراريك مستمرا، إذ أن هناك أيادي خفية تعرقل المشاريع التي كان مزمعا تنفيذها في هذه المنطقة. المقاربة الأمنية التي لجأت إليها الدولة كانت خاطئة وستساهم في إفشال المبادرة». رغم مرور ست سنوات على أحداث 16 ماي، مازال السكان في الكاريانات، ولم يتم ترحيل سوى عشرة آلاف عائلة إلى مشروع السلام 1 و2. ولأول مرة، تم تخصيص 200 مليار سنتيم كاستثمار وضع ضمن أولوياته السكن غير اللائق ثم التجهيزات والمرافق العمومية (المؤسسات التعليمية، المؤسسات الصحية، التكوين المهني، ملاعب القرب) وكذا البنيات التحتية بشراكة مع مجلس المدينة والمجلس الجهوي ومجلس عمالة الدار البيضاء). «هناك مشاكل معقدة تحول دون التمكن من القضاء على دور الصفيح» يقول العربي زاهدي. وتكمن أبرز تلك المشاكل في «البراريك» التي تحمل أرقاما مكررة، إذ يوجد ببعض الكاريانات على سبيل المثال تكرار لبعض الأرقام كأن نجد رقم 20 يظهر أكثر من مرة على أكثر من «براكة»، وهو الأمر يجعل من الصعب على الدولة أن تحل مشكلته. ويتساءل زاهدي قائلا: «مع من ستتفاوض الدولة في حالة وجود أكثر من رقم مكرر؟». اصطدم مشروع الدولة لإزاحة دور الصفيح بسيدي مومن بعقبة أخرى هي عقبة العائلات المركبة مثل حالة عائلة عبد العزيز حسني المشكلة حاليا من سبع عائلات تقطن نفس الدار. ازداد عبد العزيز عام 1963 بالبرنوصي وانتقل مع عائلته للاستقرار بكاريان طوما وعمره لا يتجاوز العام، وبالتالي فهو يعتبر عائلته من الأسر «الأصيلة» بكاريان طوما. العائلة الواحدة التي كونها أبوه المتوفى، تفرعت لتشكل سبع عائلات تقطن بنفس «البراكة» التي تقع على مساحة تقدر ب 250 مترا مربعا. «اقترحوا علينا أرضا مساحتها 84 مترا مربعا. نحن سبعة إخوان ولكل منا زوجة وأبناء. كيف يمكن إسكان 32 شخصا في شقة مساحتها 84 مترا مربعا، في حين أننا نقطن براكة مساحتها 250 مترا مربعا» يتساءل عبد العزيز حسني وهو ينفث دخان سيجارة ويتابع خيوطها حتى تتلاشى في الهواء مثل حلم. «طرقنا كل الأبواب، طرقنا أبواب السلطات المحلية، طرقنا أبواب العمران، لكن لا شيء من ذلك تحقق. أما بريجة فهو غارق في حملته الانتخابية» يضيف عبد العزيز. يرسم خطاب محمد بريجة رئيس مقاطعة سيدي مومن صورة وردية عن المنطقة وهو يتحدث دون أن تفارقه ابتسامته عن مشاريع «التنمية البشرية» التي لم تبدأ فقط مع أحداث 2003، ولكن سبقتها. «سأخالف الرأي الشائع عن أحداث 16 ماي. أنا أعتقد أنها مرحلة عابرة ولا ينبغي التوقف عندها، لأن برامج التنمية البشرية دشنت أول مشاريعها قبل ذلك التاريخ، فأول قاعة مغطاة بنيت في مدينة الدار البيضاء كانت ما بين 2001 و2002، كما أن البنيات التحتية لسيدي مومن كشارع الحسين السوسي وشارع الأدارسة وشارع «أ» تمت إقامتها قبل 16 ماي 2003. تلك الأحداث ساهمت فقط في تسريع وتفعيل وتيرة التنمية بسيدي مومن». اختار محمد بريجة مكانا له رمزيته لكي يتحدث عن «المشاريع التنموية» بالمقاطعة التي يرأسها منذ 2003. إذ فضل التحدث من مكتب يوجد بمركز التنمية البشرية الذي دشن بعد أحداث 16 ماي. بالنسبة لبريجة، فإن خصوصية منطقة سيدي مومن أنها تملك أكبر معدل للنمو الديمغرافي على المستوى الوطني، والذي يتزايد بنسبة 7.8 بالمائة مقارنة مع المعدل الوطني الذي يتجاوز 1.1 بالمائة، فيما تعرف عمالة الفداء نسبة 1 بالمائة. ومن هنا ينشأ خلل بين نسبة النمو الديمغرافي والمرافق على مستوى المرافق الاجتماعية والتجهيزات الأساسية. سيدي مومن «فكاك الوحايل» «منطقة سيدي مومن هي عبر التاريخ كانت «فكاكة الوحايل»، إذ أي مشكل تعاني منه أي منطقة من مناطق الدارالبيضاء يتم تفريغه في سيدي مومن، ولهذا نجد أن هذه المنطقة يعيش فيها أناس يختلفون فيما بينهم، سواء من حيث الطباع أو العادات أو العقليات وأصبحت مشاكلهم مركبة والإرهاب الذي حدث كان عبارة عن تراكمات ونتيجة اختلاف الثقافات» يقول هشام بار جمعوي و أحد سكان المنطقة. يرى هشام أن أحداث 16 ماي مازالت تطارد سيدي مومن رغم مرور كل هذه السنوات. فشباب المنطقة الراغب في الحصول على عمل مازالوا يصطدمون بعقبات بمجرد أن نهج سيرهم (cv) أو بطاقات هويتهم تحمل اسم سيدي مومن. «لقد صار اسم سيدي مومن مرادفا للإرهاب. ذهبنا مؤخرا إلى إحدى الإدارات العمومية من أجل تقديم طلب، وبمجرد معرفة الموظفين هناك بأننا ننحدر من سيدي مومن، علا الاستغراب محياهم وقالوا لنا: هل أنتم تنحدرون فعلا من سيدي مومن؟!». إن الأحداث مازالت راسخة في الأذهان، وتتحكم في تصرفات وأفعال قاطني المنطقة. فبعض الفاعلين الجمعويين يتخوفون من الاقتراب من كل ما له علاقة بالدين مخافة أن تلصق بهم صفة إرهابي. «كنا نرغب في تنظيم مسابقة لتجويد القرآن داخل جمعيتنا خلال شهر رمضان، يقول الوافي، ولكن تراجعنا عن ذلك حتى لا ندخل في لعبة سين وجيم». ويشتد التمييز أكثر بالنسبة للأشخاص الذين اعتقلوا على خلفية أحداث 16 ماي. فحسب عبد الواحد مهتاد، رئيس جمعية النصير التي تدافع عن المعتقلين الإسلاميين وعائلاتهم، فإن «التمييز في العمل لا يزال يطال سكان المنطقة، كما أصبح الحصول على شهادة السكنى صعبا بالنسبة إلى المعتقلين، سواء الذين أطلق سراحهم أو الذين مازالوا رهن الاعتقال. ومع ذلك، فإن رب ضارة نافعة. لقد تحدثت كثيرا مع قاطني سيدي مومن ويقولون لي إنه لولا تفجيرات الدارالبيضاء لما استفدنا من بقع أرضية، ولما حصلنا على تسهيلات في البناء». التمييز الذي يتحدث عنه البعض، حسب العربي زهيدي، لا يدخل إلا في باب المزايدة والمبالغة، بل يتخذ أحيانا كشماعة يعلق عليها بعض سكان سيدي مومن فشلهم. يقول زهيدي: «نحن دائما نعمل على تبرير إخفاقاتنا، إذا لم ننجح في مباراة، فلأننا ننحدر من سيدي مومن، وإذا لم نفلح في الحصول على تأشيرة، فلأننا ننتمي إلى سيدي مومن». يسكت برهة ويقول: «بالنسبة لي أحداث 16 ماي انتهت في ذلك اليوم». a