فجأة ينزل الحب والإحترام مدرارا على خدام نظام ألفه المغاربة فظا غليظ القلب . يستقبلك موظفو المطارات والموانئ بابتسامات صفراء وبلهاء رغم تقاسيم البؤس والتعب , لطول ساعات العمل , التي تفضح تلك التبسمات المصطنعة . كل المشاكل الإدارية تحل في رمشة عين مع ترحيب مبالغ فيه إلى درجة يخيل لك انك نزلت خطأ في ميناء نيوزلندي أو نرويجي وليس في بلدك المغرب . هستيريا الإستقبال الحار ( لكن بمعناه الفلفلي ) تعم كل القطاعات التابعة للدولة والشبه وغير التابعة لها للتعبير عن مدى الشوق والتوحش الذي تكنه الإيالة الشريفة لرعاياها الأبقار المقيمة بالخارج . لكن أكثر التعابير إحساسا بهذا التلهف تعبر عنه الأبناك حين تستقبل العائدين لوطنهم بحسناوات لطيفات يقدمن بسخاء قارورات المياه المعدنية و بالمجان ! ولكن الذين مروا من تجربة الإجلاس فوق القراعي بكومساريات المملكة وحدهم سيفهمون رمزية هذا الإختيار الذي لايعني سوى إشربوا المياه المعدنية قبل أن نجلسوكم فوق قراعيه ها حتى تحلبوا من آخر ورقة عملة صعبة , أوراها بالصح عملة صعيبة لكن القرعة أصعب ! العائد لأول مرة للمغرب قد لايصدق نفسه ويعتقد ان البلد عرف ثورة غير مسبوقة خاصة في تعامل الإدارات مع الرعايا لكنه بعد انقضاء شهر إفراغ الجيوب سيفهم أن دار الشرفاء على حالها لم تتغير قيد أنملة . ففي نفس المكان الذي تلقى الترحيب والقارورات سيودع بل لنقل سيرمى خارج الحدود كالقادورات مرفوقا بنظرات وعد ووعيد إن لم يعد في العام القادم بمزيد من العملات . وللحقيقة فسلوك الدولة مع الأبقار عفوا المهجرين المغاربة قمة في الشفافية لأنها واضحة مع رعاياها وليست منافقة في تعاملها معهم . فإن دخلت عامر لعاقة فيا مرحبا باهل البلد في بلده وبين دويه وإن رجعت وجيوبك كاتصفر فالماء والشطابة تالقاع الدنيا . أما إن عدت خالي الوفاض كما حدث لآلاف المغاربة بسبب الأزمة العالمية الأخيرة فستستقبل بلا مبالات تامة وفي أحسن الأحوال بنظرات شامتة تحس آنذاك بثمن قيمتك الحقيقية التي صنعتها بيديك وأنت وحدك من يستطيع تغييرها . فعلا النظام المغربي قوي جدا وله اضلع تستطيع ان تصل إليك ولو في المريخ , إنه يشتغل نازلا وطالعا كالمنشار . لأنه متيقن ان المغاربة كالطيور مهما بعدت و طال غيابها فلابد أن تعود يوما إلى أعشاشها . ورغم أن عدد المهجرين المغاربة يفوق عدد سكان موريطانيا مرتين فتأثيرهم في الحياة السياسية يكاد يكون شبه منعدم . فدورهم حدده الماسكون بزمام رقاب المغاربة في مهمة وحيدة هي جمع مايمكن جمعه من عملات وإرسال اكبر قدر منها للوطن . وتؤكد الأرقام الرسمية أن مايحلب من الزماكرية يشكل 40 في المائة من الإنفاق الحكومي السنوي و 15 في المائة من الدخل القومي السنوي . إنها ارقام توضح أن المهجرين بإمكانهم ان يشكلو معادلة حاسمة وقوة ضاغطة على اختيارات الدولة الإقتصادية والسياسية إذا حصل لديهم الوعي الكافي بأن إرسال العملات فقط لن يغير من الوضع شيئا بل سيكرس نظاما إقتصاديا ريعيا تذهب فيه الثروات لحفنة من المتنفذين في دوالب الدولة بمؤسساتها المالية والسياسية الذين يحولون أرباح تلك المداخيل إلى حساباتهم الخاصة خارج المغرب فتصبح العملية تحصيل حاصل ويدور مصير المغرب في حلقة مفرغة تعيد إنتاج التخلف الإجتماعي والتبعية الإقتصادية وهي ركيزتي النظام السياي الإستبدادي المطلق . ومؤخرا صدر تقريرعن هيأة السلامة المالية العالمية وهي منظمة امريكية غير حكومية بوات فيه المغرب في المرتبة الرابعة عالميا ! أخيرا هناك تقرير يضعنا في المراتب الأولى في مجال معين عن جدارة واستحقاق ! مهلا فالرتبة تهم ميدان تهريب الأموال نحو الخارج . نعم المغرب بموارده المحدودة جاء رابعا بمجموع 25 مليار دولار مهربة في 40 سنة الأخيرة وراء نيجيريا ب 90 مليار ومصر ب 70 مليار والجزائر ب 26 مليار . وإذا علمنا ان المبلغ هو فقط ماستطاعت المنظمة الأمريكية إثباته فمايهرب بطرق خارجة عن أي توثيق سيكون أكبر بكثير . إوا ضرب تمارة الزماكري عمرك كلو باش تعاون العائلة أتنمي البلاد أوف نهار واحد يتبخر كلشي ! إذا كانت أموال المهجرين تحرك إقتصاد البلد وسيف ذو حدود في يدهم إذا احسنوا استغلالها فما العمل لوقف هذا النزيف وإجبار النظام على الكف عن تعامله معهم كابقار للحلب عوضا عن مواطنين وطنيين ؟ محاولة الإجابة في العدد القادم . [email protected]