لماذا تخوض الأحزاب المغربية حروب طاحنة في الانتخابات؟ قد يكون الجواب البديهي على هذا السؤال هو أنها تسعى للفوز بثقة الناخب. نعم الناخب الذي ترتفع أسهمه خصوص باقتراب موعد الانتخابات. لكن ما قيمة صوت الناخب ما لم يكن له أي تأثير على واقعه المعيشي. ولماذا يختفي الفائزون في الانتخابات مباشرة بعد فوزهم؟ ألا يستشعر هؤلاء ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقهم؟ أكيد لا لأنهم ببسباطة سيلجأون الى المال لشراء أصوات الناخبين والفوز بالانتخابات المقبلة ومن ثم لا يحتاجون لصوته الا باعتباره أداة "قانونية" للفوز بمنصب تمثيل سكان منطقتهم والاستفادة من كافة الامتيازات والسلطات المخولة بموجبه. هكذا تكون الأحزاب ساهمت في افراغ الانتخابات من مضمونها وغايتها المتمثلة في التداول السلمي على السطة. ان صراع الأحزاب المغربية في الانتخابات ليس صراعاً من أجل خدمة الشعب وانما صراع لحصد أكبر قدر من المكاسب المادية والمعنوية. هذا جواباً على السؤال المطروح أعلاه. لم تعد الأحزاب تدافع عن الشعب وتؤطره وتوعيه بحقوقه وواجباته تجاه وطنه. انها تحولت الى مرتع لكل الأميين والفاشلين والانتهازيين والوصوليين وبؤرة للفساد والافساد تزكم الأنوف وغياب الديمقراطية والتسلط. بينما تضم الأحزاب في الغرب، والتي تساهم في اثراء الفكر السياسي الغربي، خيرة المفكرين والمحللين.لا مجال للمقارنة بين الحالتين على الاطلاق. تحولت الأحزاب المغربية في السنوات الأخيرة خصوصاً بعد ما يسمى "تجربة التناوب"الى دكاكين تخوض سباقاً محموماً لكسب ود المخزن والحرص على الفوز بالمناصب ومصدراً لتمييع وافساد الحياة السياسية، بحيث يقوم كل من يفوز في الانتخاب بتوظيف أقربائه ومعارفيه، كما يستفيد من قطع أرضية ورخص الخ، ليتحول الفائز في الانتخاب في رمشة عين الى رجل ثري على مسمع ومرأى من السلطات التي لا تحرك ساكنا.انها تتوهم أن أمثال هؤلاء هم من يخدمون مصالحها، لكنهم في الحقيقة يمثلون تهديداً جدياً لمصالح المخزن على المدى البعيد والاساءة الى صورتها الى درجة أن مساحيق التجميل التي يتم اللجوء اليها بين الفينة والأخرى تُصبح دون جدوى. كانت أحزاب الكتلة سابقاً قبل انخراطها في اللعبة السياسية وانقيادها وراء اغراءات الكراسي الوثيرة والمناصب تلعب دوراً مؤثراً في الحياة السياسية فضلا عن نفوذها وشعبيتها وقدرتها على تعبئة الجماهير لما تمثله من رصيد رمزي للنضال والتضحيات. لكن قبولها شروط المشاركة في حكومة التناوب أفقدها كل الرصيد التاريخي والرمزي الذي اكتسبته على مدى سنوات طويلة من التضحيات. هذا التحول المفاجئ في الخط النضالي لأحزاب الكتلة شكل انتكاسة للحياة العامة في المغرب، بحيث أصبح من الصعب التمييز بين الأحزاب.انها وجه لعملة واحدة. غايتها هو خدمة المخزن وليس الشعب الذي أصبح نسياً منسياً. هكذا استطاع النظام بفضل سياسة الترهيب والترغيب احتواء أحزاب كانت بالأمس تمثل المدافع الوحيد عن مصالح الشعب.ولتبيان الوضع المتردي الذي انحدر اليه تدبير الشأن العام، يكفي القاء نظرة على التقرير الأخير لمنظمة الشفافية الدولية التي صنفت المغرب في الرتبة 89، وفي نفس التقرير، احتلت روندا الرتبة الأولى في محاربة الرشوة بعيداً عن الشعارات الجوفاء. بينما يردد الاعلام الرسمي صباح مساء شعارات من قبل تخليق الحياة السياسية ولا تجد لها أي صدى على أرض الواقع. كما قام المخزن بخلق الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ويُستشف من اسمها أنها استشارية مهمتها التوعية والتحسيس ولا تتمتع بأي سلطات لاتخاذ القرار. بذلك ستكون الهيئة مجرد ديكور وموجه للاستهلاك الخارجي وستكلف دافع الضرائب أموال طائلة. وأكبر دليل على استفحال الفساد في المغرب هو الرتب المتأخرة للمغرب في التقارير الدولية والادارة المغربية التي تحولت الى أداة لابتزاز المواطنين. وسيستفحل الفساد أكثر نظراً لغياب ارادة سياسية ومقاومة الأطراف المستفيدة منه وطالما استمر اعتبار المسؤولية تشريف وليس تكليف. ان الموظف العمومي في هذا البلد، الذي يرزح حوالي 15% من سكانه تحت عتبة الفقر، يعتبر المؤسسة التي يُشرف عليها ضيعة خاصة يتصرف فيها كما يشاء وكيف يشاء. ان الحل هو أن تكون المسؤولية تكليفاً والضرب بيد من حديد على يد المفسدين ويبدو هذا الأمر حلماً بعيداً مثل الحلم الذي رواد المغرب في تنظيم كأس العالم. كل الظروف مواتية لترسخ الفساد الذي سيتحول الى ورم يسري في جسد النظام ويشل حركته، مما يجعله عرضة للجراثيم التي تتهدده وقد تقضي عليه ان تمكنت من تحييد مناعته. وفي ذلك آية للمتوسمين.