لعل واحدا من أهم الأسئلة المنبثقة من واقعنا المغربي المعاصر ذاك السؤال عن ارتفاع معدل الطلاق في ظل وجود مدونة للأسرة تنظم العلاقة بين الطرفين وتبين حقوق الزوج والزوجة وواجبات كل منهما. وليس مفهوم السؤال أن واقع الأسرة المغربية كان مستحقا لصفة المثالية أو الجودة حين العمل بمدونة الأحوال الشخصية سابقا، ولكن منطوق السؤال ومفهومه معا هو لماذا بقي عدد القضايا المعروضة على قضاء الأسرة كثيرا، وبقيت نسبة الطلاق مرتفعة – إن لم تكن قد ازدادت فعلا – رغم وجود مدونة جديدة كان من أهداف صياغتها وتحكيمها ضمان استقرار الحياة الزوجية ورفع الحيف الواقع على المرأة من لدن بعض العقليات الذكورية داخل المجتمع؟. لا ريب في أن للمشكلة جذورا كثيرة ( اقتصادية واجتماعية ونفسية ...)، غير أن هذا المقال سيتطرق ، في عجالة، لما يعده أهم تلك الجذور، وهو الجذر الثقافي، انطلاقا من أن كل أخطاء الممارسة والسلوك ناشئة بالضرورة عن أخطاء في التصور كما يقال، ويقينا بأن تغيير الإنسان لواقعه ينطلق أولا من تغيير ذاته بأفكارها ورؤيتها للأشياء والواقع من حولها. وإذا كان الوضع الذي نرغب جميعا في تغييره يتمثل في انعطاف كثير من الأزواج نحو المحاكم لحلّ ميثاق الزوجية ولم يمض على عقده سوى وقت قصير ( وهو ما يعني أن مدونة الأسرة وحدها ليست كافية لإسعاد الأزواج ) فإن أحد أهم الأسباب التي تزلزل استقرار الزوجين، وقد تعجّل طلاقهما، الخللُ في تصور طبيعة الحياة الزوجية الناتجُ عن اعتبار الطرفين مؤسسة الأسرة مؤسسة سلطوية ومجالا للسيطرة والتحكم ( تحكم الزوج في زوجته، أو الزوجة في زوجها ) ... ويجد هذا الفهم الخاطئ لطبيعة العلاقة الزوجية بذوره في الأفكار التي ينشأ عليها الفرد، ثم يُذكّر بها عند تفكيره أو إقدامه على مشروع الزواج. إن الآباء والأمهات والأقارب الأعزاء لا ينسون، بدافع المحبة طبعا، أن يذكّروا الشاب المقبل على عقد قرانه بفكرة قتل القط في أول أيام الزواج كي يضمن بذلك « خوف » الزوجة وسمعها وطاعتها " النهار الأول كيموت المش " !!. والآباء والأمهات والأحباب ذاتهم لا ينسون مرة أخرى، وبدافع المحبة دائما، أن يذكروا الفتاة وهي على مشارف الانتقال إلى بيت الزوجية بتلك الفكرة القائلة : إن الزوج يلين ويصير طيعا كالعجين من خلال تعويده على بعض العادات " ولدك وعلاش ما ربيته، وراجلك وعلاش ما عودته" !!. ولأن أفكار السيطرة هاته تلقن في مراحل عمرية متعددة، فإنها تمتد عميقا في نفوس فئات كثيرة داخل المجتمع، وتساهم بنصيب وافر في تشكيل التصورات المسبقة و« الاستعدادات القبلية » لدخول « ميدان » الزواج، وباستحضار تلك الأفكار و«الاستراتيجيات» ندرك بعضا من خلفيات حالات الثورة، والغضب، والانفعال ورد الفعل العنيف التي تصيب أحد طرفي الحياة الزوجية عندما يجد نفسه يُزاحَم في « سلطته » و« تحكمه »؛ فيسرع إلى قاعات المحاكم راغبا في استرداد سلطته أو الثأر لفشله في السيطرة على الطرف الآخر؛ لتبدأ عندئذ فصول كثيرة من الادعاء، والكذب، والبهتان والتحايل على مواد المدونة بهدف الانتقام لا غير (...) . لذا، فإن أول ما ينبغي تغييره لينجح مشروع الزواج ويحقق بعض غاياته ك« الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة..» ( من المادة الرابعة من المدونة ) هو تغيير التصور الشائع عن مؤسسة الأسرة بكونها مجال سيطرة وتحكم، وإحلال تصور آخر محله مفاده أن الزواج مرحلة جديدة في حياة الإنسان يجب أن تقوم على أسس من المودة، والرحمة، والصبر، والتضحية والإحسان المتبادل لبلوغ غاية السكينة، والطمأنينة، والاستقرار، وليغدو بيت الزوجية واحة يستمد منها الزوجان راحة بال وسكينة نفس تمكنهما من تجديد الذات وإمدادها بطاقة تمنحها القدرة على مواجهة صخب الحياة ومشكلاتها (...). على أن مسؤولية التربية على هذا الفهم المختلف للعلاقة الزوجية يجب ألا تناط بجهة واحدة، بل إنها مسؤولية مشتركة تقع على عاتق مؤسسات ووسائط عديدة داخل المجتمع كالأسرة، والمدرسة، والجريدة، والمذياع، والتلفاز، والجمعيات النسوية وغير النسوية، ودروس الوعظ والإرشاد، وخطب يوم الجمعة وغيرها. أما إذا ظل واقع الحال أن الرجل يرى نفسه بعد عقد الزواج ذلك السيد المتحكم المسيطر، الآمر الناهي بقسوته وجبروته، وبقيت المرأة تحلم بنموذج المرأة التي تمتلك جهاز التحكم في زوجها وتفرض آراءها وأهواءها بدهائها وحيلها أو بجبروتها أيضا، مُشْرِعَةً ورقة المدونة للضغط وتحقيق المطالب والرغبات، فسيستمر عدد المشاكل الأسرية في ارتفاع، ومعدل الطلاق في ازدياد (...) ولن تكفي حينئذ مدونة واحدة لضمان استقرار الأسر، ولن تكفي آلاف المدونات؛ لأن النصوص القانونية وحدها لا تضع للمشاكل النهاية ولا تضمن للإنسان السعادة والهناء.