سنة 2007، اعتبر أحمد الخمليشي، مدير دار الحديث الحسنية، أن هناك العديد من التحديات الهوياتية التي تواجه طبائع التدين المغربي، وأوجزها في شجاعة علمية مشهودة في رباعية التنصير والتشيع والسلفية والإلحاد. منذ أسبوع تقريبا، وعلى هامش اختتام أشغال الدورة العاشرة للمجلس العلمي الأعلى بالدار البيضاء، اعتبر هؤلاء، ومعهم جريدة إسلامية، ناطقة باسم حركة إسلامية وحزب إسلامي، أن التحديات التي تحدث عنها الخمليشي، تعتبر عمليا الأهم في الساحة، ولكنهم، أزاحوا منها التحدي السلفي (ويُقصَد به عموما، تحدي "السلفية الوهابية")، وهذا شأنهم الخاص. هناك من يعتبر أن النزعة "السلفية" في نسختها "الوهابية" تُجسّد تهديدا لطبائع التدين المغربي، وهناك من يعتبرها مكسبا لهذا التدين، وهناك بالطبع، من يوظفها في حسابات مؤسساتية وسياسية.. هذه شؤونهم الخاصة. إذا تركنا جانبا مقتضيات التعامل مع التحدي التنصيري والشيعي في آن، يبقى أمامنا التحدي الإلحادي أو تحدي "السلوك المنحرفة"، كما وصفها بيان المجلس الأعلى والجريدة الإسلامية. وواضح أن توظيف الخمليشي لمفردة الإلحاد، يُعتبر من باب "تعويم" المقصود بالضبط من ماهية التحدي، لأن التحدي الإلحادي لا يهم فقط المسلمين، بقدر ما يهم جميع الديانات التوحيدية الثلاث (اليهودية والمسيحية والإسلام)، ومعها "الديانات" الوضعية، ولعله كان يقصد التحدي العلماني، في صيغته المتطرفة أو المتشددة. يصعب اختزال مُجمَل الأسباب التي تفسر ظهور الحركات الإسلامية (سقوط الخلافة العثمانية مثلا، يُعتبر من بين هذه الأسباب)، ولكنه يصعب التقزيم من أحد أهم هذه الأسباب، ويتعلق بتواضع أداء علماء المؤسسات في الأقطار الإسلامية المعنية، ونخص بالذكر، أداء علماء "المجلس العلمي الأعلى" في الفترة الراهنة وفي الحالة المغربية، ومادام أغلب هؤلاء محسوبون على حقبة "العهد المغربي القديم"، فإن الرهان قائم على مرحلة ما بعد هذا الجيل من العلماء، حتى نطلع على أداءه "الجيل الجديد"، من باب تفعيل مقتضيات رسالة العالِم على أرض الواقع. استغلت جماعة "العدل والإحسان" المحظورة، انتهاء أشغال اللقاء الأخير للمجلس العلمي الأعلى، وقامت بتصدير سلسلة من المواقف النقدية ضد البيان والمؤسسة والأداء بشكل عام، لعل آخر هذه الانتقادات، ما صدر عن فتح الله أرسلان، الناطق الرسمي باسم الجماعة، والذي اعتبر في تصريحات ل"قدس برس"، أن علماء المجلس العلمي بعيدون عن الواقع المغربي. بين أيدينا نموذج تطبيقي للتحدي العلماني، في شقه المتطرف، وهو مسابقة "استوديو دوزيم"، الذي تبثه القناة الثانية (قناة عمومية.. نظريا، ولكن الأمور مختلفة في المغرب، حيث يختلط العمومي بالخاص والعائلي والقبلي، وحيث يشتغل الكل تحت شعار: "الرجل غير المناسب في المكان المناسب، مادام مبدعا في الولاء والطاعة، وليس متألقا في الإبداع والكفاءة"). نعتقد أن الأصداء التي يتداولها الرأي العام، وبعض النقاد بخصوص "فلسفة" هذا البرنامج، يمكن أن تُختزل تحديدا في التحدي العلماني الذي تحدث عنه مدير دار الحديث وبلاغ المجلس العلمي، بما يُخوّل للقيادي الإسلامي في جماعة "العدل والإحسان"، توجيه تلك الانتقادات، ما دام بلاغ المجلس العلمي، يتوقف بالكاد عند مرتبة تسجيل موقف محتشم وفضفاض. هل يجرؤ علماء المجلس العلمي الأعلى أن يصادقوا على الموقف/التصريح التالي: "إسلام استدويو دويزم، لا علاقة له البتة بطبائع التدين المغربي، ويُجسّد تهديدا مباشرا وكبيرا لهذه الطبائع". إذا كان موقف علماء المؤسسة بعيدا عن التحذير من هذا الإسلام العلماني/الحلولي، (رحم الله عبد الوهاب المسيري)، فلنا أن نتوقع عمرا مديدا للإسلاميين الذين يشتغلون خارج المؤسسات الدينية (سياسية ودينية واقتصادية..)، سواء تعلق الأمر ب"العدل والإحسان"، أو التيار السلفي الحركي.. والله أعلم.