تناولت عدة كتابات مسار الحركة الإسلامية بالمغرب وتطوراتها وجوانب من تاريخها وقراءات في مبادئها وأوراقها ومواقفها، بيد أن زاوية من زوايا هذه الكتابات والدراسات ظلت غائبة ومغيبة، يتعلق الأمر بدراسة الخلفية السوسيولوجية والثقافية والنفسية لأعضائها أو قواعدها ونشأتهم التربوية والفكرية والإيديولوجية، وعلاقاتهم وتعاملهم مع قادتهم، وأنماط سلوكياتهم وتصرفاتهم في حياتهم الخاصة وحياتهم التنظيمية، وكيف تتبدى شخصياتهم بنزوعها الديني في الحياة الاجتماعية، وآليات تدخل التنظيم في أدق التفاصيلوالجزئيات المتعلقة بحياة الفرد/العضو. وبحث هذا الموضوع، يتطلب الخبرة والاحتكاك والمعايشة عن قرب كما هو جاري به العمل في أية دراسة ميدانية، هذا فضلا، عن التسلح بمقاربة اجتماعية مناسبة للظاهرة المدروسة؛ ظاهرة التدين "التنظيمي الحركي". تغشى تمظهرات التدين كافة جوانب حياة الفرد، خاصة التربية باعتبارها أداة فعالة لرسم معالم الشخصية المتوخاة، وفق رؤية تربوية محكومة باجتهاد بشري في فهم النصوص الدينية. إن تفصيل المنظومة التربوية وتحليلها للنسق التنظيمي وتسيجها باستفهامات تحول اللامفكر فيه إلى دائرة المفكر فيه أضحى ضروريا للكشف عن الوجه الآخر للإنسان؛ أي ذلك الجانب الفطري، وتلك الصفات الشخصية الثابتة التي تتحدد هويته من خلالها. إن ظاهرة التدين "الحركي" شأنها شأن جميع الظواهر الاجتماعية في التاريخ،تنشأ وتنتعش وتنكمش،وقد تكون اللحظة الراهنة لحظة انتعاشها، انطلاقا، من انتشارها الأفقي والكمي الملحوظ، نظرا لعدة عوامل لا مجال لذكرها في هذا المقام.وهنا، لا نتحدث عن التدين كظاهرة عامة مصاحبة للإنسان إلى أن يموت، ولكن نقصد الحالة التي يرتبط فيها فهم الدين بتنظيم معين أو جماعة ما أو حزب ما. إذن، في قمة الصعود/الانتعاش لأي كيان تنظيمي، تحدث الانحرافات، وتتضخم ذوات القيادات، وتكثر الطموحات الشخصية، وتغتر القواعد،. في هذه اللحظة بالذات، وجب تصويب سهام النقد لهذه الكيانات دون مواربة ولا مجاملة وبلا تسويف، نقد خال من الثناء الزائف والتمجيد الكاذب. لقد باتت الحاجة ماسة إلى ما أسميناه "بنقد تنظيمي" أقل ما يقوم به هو إزالة الجو الملائكي /القداسة الذي تضفيه التجمعات الإسلامية على محيطها الداخلي، حيث تساهم فيه "بخور" و"همهمات" ما يسمون بالمسئولين التربويين أو الشيوخ أو النقباء... تكون من وظائف النقد الفعلية و الحقيقية –لا الزائفة والمزورة- تفكيك أضلاع النسق التنظيمي وإزالة المواضع الهشة ليسقط البنيان المشيد على أسوار الوهم، في أفق تشييد بنيان مرصوص. إن النقد –بنظرنا- مسؤولية وموقف ورؤية ورأي وليس تنفيسا وتنقيصا وهدما وتنكيلا بالآخر، إن الدعوة إلى تفصيل أضلاع الجسد التنظيمي إلى أجزاء كمرحلة أولية تفرضها ضرورة الواقع، على أن تتلوها مرحلة تجميع المجزأ الموكولة لمن يهمهم الأمر. هكذا، وبدون مبضع النقد الذي لا يرحم ولا يبقي ولا يدر، لا ينجلى ولا يتكشف الإنسان كما هو ، وستظل صورة إنسان "التنظيم الإسلامي" خيالية؛ إنسان لا وجود له في الواقع. إن هذا الإنسان الذي نبحث عنه أكبر وأهم وأولى من التنظيم، ولئن حكمت الأقدار بهذا المسمى جماعة، حركة، حزبا،... فلزم أن يكون خادما لهذا الإنسان ومن أجله بدلا من أن يكون هذا الأخير قربانا ووقودا لشيء اسمه تنظيم مهما علا كعبه، ومهما حمل من أسماء وأشخاص. ليس المشكلة أن الإنسان خرج على "التنظيم الإسلامي" ولكن المشكلة أن "التنظيم الإسلامي" خرج عن الإنسان. ختاما، نروم من هذه الأوراق إيقاظ جذوة النقاش وفتح مجال النقد.