عاصفة أخرى في زمن الفتاوى بدأت تعصف بكل قوة، هذه المرة بين التيار الإسلامي والتيار الاشتراكي، واندلعت بعد صدور مقال رأي لمحمد الساسي المحلل السياسي والقيادي في حزب اليسار الاشتراكي الموحد، اعتبر في ذات المقال أن بعض الفتاوى التي تنشرها جريدة التجديد لسان حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية تنطوي على" إفراط وتطرف وتعسير في الدين"، الشيء الذي رفضته التوحيد والإصلاح وبالتالي العدالة والتنمية، حيث اعتبرت جريدة "التجديد" أن الساسي "يخطط للانقلاب على تجربة الإدماج السياسي للإسلاميين"، بل اعتبرت وصفه للحركة الإسلامية ب"التطرف والانغلاق والتشكيك في اعتدالها بداية في أفق إجهاض تجربة اندماجها السياسي". والغريب أن الفتوى التي أثارت سخط الساسي صدرت في عدد 30 دجنبر 2009 من "التجديد" عن الأستاذ عبد الرزاق الجاي تمنع المرأة الحامل من زيارة الأطباء الذكور، إلا أن رد محمد الساسي جاء بعد عدة أشهر من إصدار الفتوى في عموده الأسبوعي بيومية "الجريدة الأولى" بتاريخ 1 أبريل 2010. وهو الحريص على تتبع فتاوى "التجديد" والتعليق عليها بانتظام، لتطرح علامات استفهام عن الظرفية وطبيعة التذكير بهذه الفتوى الآن، علما أن محمد الساسي سبق له قبل سنتين أن أثار ضجة مثيلة مع" التجديد" في فتوى تحريم التسوق من المتاجر التي تبيع الخمر. عبد الرزاق جاي أستاذ السنة والأصول بكلية محمد الخامس بالرباط كان أورد فتوى بجريدة "التجديد" يؤكد فيها أنه "إذا وجد الطبيب المسلم والطبيبة المسلمة، فالواجب زيارة الطبيب المسلم، وإذا وجد الطبيب المسلم والطبيبة المسلمة وجب على النساء زيارة الطبيبة المسلمة، وذلك معروف عند فقهاء الإسلام، وإذا لم يوجد إلا الطبيب المسلم في المدينة وهو اقرب، فلا حرج في زيارته". ويرى محمد الساسي أن للقضية وجهان؛ الأول أن الجريدة الذي يديرها مسؤول رفيع في حزب "المصباح" تعمل على "فرضية استعمال سلاح هذه الفتاوى في صراع سياسي عن طريق المزايدة بالإسلام، فالمسألة الثانية هي مناقضة الفتوى للفصل 431 من القانون الجنائي المغربي الذي يجرم كل تفرقة أو تمييز بين الجنسين أو بين المنتمين لديانات مختلفة.مضيفا أن من حق " أطباء النساء والتوليد وباقي الأطباء الذكور الاحتجاج على هذا النوع من الدعاية المضادة لنشاطهم المهني، وان يطالبوا بعدم استعمال الدين لمحاربتهم عن طريق استهداف أرزاقهم وقوتهم اليومي". أما "التجديد"، فوصفت محمد الساسي ورأت بأنه "حشد أدلة مغلوطة وقراءة الفتاوى بشكل انتقائي مغرض لتأكيد خلاصة نابتة في ذهن صاحبها تشكك في اعتدال الحركة الإسلامية وتنسبها إلى التطرف والانغلاق، وهي الجنوح إلى لغة التحريض". على صعيد آخر، دخلت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان على خط المواجهة واعتبرت خديجة الرياضي رئيسة الجمعية في تصريح لها ليومية "الجريدة الأولى" في عددها الصادر الخميس الماضي، أن "هذا النوع من الفتاوى يتعارض مع حقوق المرأة التي تبقى لها الحرية في اختيار التوجه إلى طبيب أو طبيبة". صراع الفتاوى إذن يستمر بين الأحمر والأخضر في غياب المؤسسة الرسمية المسؤولة عن إصدار الفتاوى والإجابة عن مشاكل الناس الدينية، ويبدو أن مشاكل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى، تدفع لأن يطول صراع الفتاوى بين الإسلاميين واليساريين.